(أول الكلام) (1) بقلم الأستاذ مختار الحجلاوي المحامي والباحث في تصحيح الفكر الإسلامي [email protected] يعيش الإعلام بمختلف صنوفه وأهله ومتابيعه اليومَ على وقع حادثة ذبح المصريين الأقباط، وتتالى الأخبار عن داعش وأخواتها ومَن في شاكلتها وتهديداتهم والخطر الذي يمثّلون، وتتراوح التحليلات والتعليلات والتأويلات بين قائل بمؤامرة غربية صهيونيّة تستهدف ليس فقط الكيانات العربية الإسلامية ولكن أيضًا وأساسًا شخصية الإنسان العربي، في سعي لتحويله إلى كائن بدائي بدوي تافه يجوب الصحراء يقتات على فتات خبز أباطرة الغرب، ويرتشف بقايا كؤوس خمرتهم فيتصدع رأسه دون أن يتذوّق حلاوة الثمالة، فهي حكر على أصحاب الكؤوس، أصحاب ثرواته.. وبين متهم لبعض الأنظمة العربية.. ولكنّ الفكرة الغائبة عن كلّ هذا الصراخ هي تلك الإجابة عن سؤال أوّلي كان يتوجّب طرحه وطرقه قبل كلّ حديث آخر حتى يسهُل وقتها فهم كلّ شيء، لأنّ النتائج دائمًا مرتبطة بالمقدّمات. هذا السؤال هو: ماهي داعش وأخواتها؟؟.. يستتبعه بالضرورة سؤال آخر: لماذا انتشر الفكر الداعشي في المحيط الثقافي العربي انتشار النار في الهشيم واستحوذ على عقول الكثير من شبابنا ومن شيوخنا؟؟.. ويلتقي هذا بسؤال آخر يتقاطع مع نظريات المؤامرة الصهيوغربية والعربية على حدّ السواء، وهو: كيف أمكن لهذه القوى البغيضة الحاقدة أن تبعث الحياة في جسد هذا «العجل» الداعشي، فيخرج من قمقمه على هيئته التي رأيناها جميعًا يأتي أبشع الأفعال،يحرق الناس ويكفّرهم ويهلك الزرع والضرع ولا يذر شيئًا إلاّ وعبث به وفيه، يسبي النساء ويفتي بصنوف جديدة من النكاح.. والقادم أنكى؟؟. إنّ طرح هذه الأسئلة، والبحث عن الأجوبة الحقيقيّة المنفوض عنها غبار التعصّب والتمذهب والتلحّف بالطائفيّة، كفيل بمعرفة بداية الطريق نحو دحر هذا الفكر الظلامي المتوحّش واقتلاعه، لمحاربة الإرهاب وأهله ومناصريه من الظاهرين والمتخفّين وهم كثر بيننا لا نعلمهم، وأمّا الجواب فهو التالي: فكر التكفير والتفجير والتدمير والتخريب، فكر الدواعش ومن لفّ لفّهم ما هو إلاّ إرهاص للخبل الفقهفكري الموروث: هو إرهاص بمعنى التثبيت والتأسيس والتمظهر، يتعلّق بخبلٍ والخبل معناه المسّ من الجنون أو هو عند أهل الطبّ الضعف العقلي المزمن الناتج عن مرض عضوي أو خلل دماغي يلازمه اضطراب نفسي وتغيّر في الشخصية واختلال في الحكم على الأشياء والظواهر، كلّ ذلك مرتبط بموروثنا العفن من فقه وفكر وُصف زورًا وبهتانًا عبر التاريخ بالإسلامي وما هو بذلك في شيء، يبرأ منه القرآن الكريم والرسول المبعوث رحمة للعالمين ليس بالسيف كما يقولون وإنّما بالبلاغ والتبيين.. موروثنا من الفقه والفكر الموصوفين حيفًا بالاسلامي طافح بأفكار ومفاهيم وأحاديث مسمّاة «شريفة» ومرويات ومعتقدات وممارسات أشنع وابغض وأعتى بكثير ممّا ينفثه الدواعش من سموم الأفكار ويأتونه من قبيح الأفعال... نعم تلك هي الحقيقة التي يجب أن تُرفع بالصوت العالي المدوّي علّها تبلغ مسامع «شيوخنا الأبرار» أصحاب العمامات والجباب واللّحي الطويلة والسراويل القصيرة، المتربّعين على عروشهم في الأزهر والزيتونة، المعتلين لمنابر رسول الله يلوكون خطب الجمعة ينقلونها من كتبهم الصفراء ويلوّثون بها عقول الشباب والشيب والنساء، ويمهّدون –عن وعي بذلك أو عن جهل- السبيلَ أمام مارد الظلام ليكتسح الجميع، يدفعهم إلى الجنون بعد أن خرّب عقولهم وأفسدها.. تعالوا لأرينّكم جناية الموروث الفقهفكري علينا، ومقدار مساهمة المروّجين له في مختلف المنابر والمواقع والساحات في صناعة الدواعش وضمان استمراريتهم، لندرك ساحات المنازلة الحقيقيّة وأدوات النزال ونَعْلَمَ عُيُوبَنَا وهي فينا، ونكتشفَ أعداءنا وهم بيننا... حينها، وحينها فقط، نعرف ما هي داعش وأخواتها، ونفهم لماذا ظهرت واكتسحت العقول والحقول وصارت الخطر الأكبر الذي يتهدّدنا ويتهدّد وطننا وأبناءنا. ولأنّ تعرية الحُجب عن الموروث كلّه تتطلّب كتبًا، بل مجلدات، سنكتفي هاهنا بإبراز بعض الحجج عما أصدرنا من أحكام ننقلها من كتب الطبري وما يُسمّى عن غير صواب أو هداية بصحاح مسلم والبخاري وغيرهما من مبتدعي الحديث المنسوب زورًا للرسول(ص) الذي نهى عن كتابة أحاديثه وتوعّد محترفيها، وأسفار ابن تيميّة أبو الإرهاب وتلميذه ابن القيِّّم الجوزية، صاحب كتاب «إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين» الذي نصّب نفسه وشيخه وآخرين، أهلاً لكي يصدرون الأحكام باسم ربّ العالمين ويوقّعون عليها نيابةً عنه، ونلخّص من كلّ ذلك إلى جملة من الأفكار نتناولها ضمن العناوين التالية: مركزيّة فكرة التكفير وحدّ الردّة. الحرق بالنار ممارسة مشروعة لدى الخلفاء الراشدين. أبغض الكذب على الرسول (ص). فرية الناسخ والمنسوخ. نتولى تحليلها تباعًا، نعقبها بختام الكلام.