بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عبد اللطيف الحناشي (أستاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن والمحلل السياسي) ل«التونسية»:«داعش» أحد مظاهر الفوضى الخلاّقة الأمريكية في المنطقة العربية
نشر في التونسية يوم 26 - 02 - 2015

الإقصاء والتهميش وغياب الديمقراطية من أسباب التطرّف
حاورته: صباح توجاني
انطلق حوار «التونسية» مع الدكتور عبد اللطيف الحناشي استاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن والمحلل السياسي من تداعيات ما يحدث في الجارة ليبيا على الوضع في تونس والخشية من فرضية نجاح «الدواعش» في استقطاب شبابنا المهمش. كما تطرق الحديث إلى جذور الفكر الإرهابي وانتشاره في العالم العربي الإسلامي. وللدكتور الحناشي رؤية واضحة في ما يتعلق باسباب انتهاج التطرف كسلوك فردي او جماعي. ولضيفنا ايضا اطروحة كاملة بخصوص القطع مع ظاهرة التطرف بمختلف تمظهراتها لخّصها لقراء «التونسية» في نقاط مبسطة.
أية تداعيات لما يقع في الجارة ليبيا على تونس، وهل يخشى من محاولات استدراج الدواعش شبابنا المهمش ليكون وقودا لعمليات ارهابية اخرى ؟
ترتبط ليبيا وتونس بعلاقات تاريخية اجتماعية واقتصادية عميقة.والتفاعل بين البلدين متعدد عبر مراحل التاريخ في السراء والضراء...و بالضرورة فإن لكل ما كان يحدث في أي بلد منها انعكاساته وتداعياته على هذا البلد أو ذاك يكاد يكون حتميا... وتداعيات ما عاشته وتعيشه ليبيا منذ اندلاع الأحداث ضد نظام معمر القذافي كانت واسعة على تونس. فعلى الصعيد الاجتماعي استقبلت تونس آلاف الأجانب النازحين من ليبيا الذي استقروا لفترة كلاجئين ثم غادروا البلاد إلى بلدانهم الأصلية، تماما مثلما استقبلت تونس آلاف العائلات الليبية التي استقرت في مختلف المدن التونسية وبلغ عدد الليبيين حسب بعض الدوائر الرسمية التونسية نحو مليون و800 ألف. ونتيجة للأزمة الليبية رجع آلاف العمال والتقنيين التونسيين الذين كانوا يعملون بالأراضي الليبية(كان عددهم قبل الأحداث أكثر من 50 ألفا)،وظل الجزء الأكبر منهم بلا عمل في تونس معزّزا بذلك نسبة البطالة. أما على الصعيد الاقتصادي فقد أغلقت بعض المؤسسات الاقتصادية التونسية الناشطة في ليبيا كما تضررت العديد من المؤسسات الاقتصادية التونسية التي يرتبط جزء من إنتاجها بالسوق الليبية.
أما على المستوى السياسي والأمني فان تداعيات الأزمة الليبية على تونس كانت متعددة، فنتيجة لغياب السلطة المركزية في ليبيا والفراغ الأمني وتعدد السلطات تزايد عدد المتشددين دينيا(من دواعش وغيرهم) تحولت ليبيا إلى بؤرة لتجمع التكفيريين المتشددين دينيا من مختلف الجنسيات الهاربين من المؤسسات العدلية في بلدانهم أو القادمين للمساهمة في دعم القوى الدينية المتطرفة أو العائدين من بؤر التوتر في كل من سوريا والعراق ومنهم عدد هام من التونسيين...الأمر الذي شكّل ويشكل خطرا مباشرا على البلاد التونسية بحكم وجود هذه المجموعات بمعسكرات قريبة من الحدود التونسية أولا ولوجود عدد هام من التونسيين في صفوف هؤلاء سواء منهم الذين لهم امتداد اجتماعي مع المناطق الحدودية(أقصى الجنوب التونسي)أو غيره من المناطق...
ثانيا، الأمر الذي قد يساعد البعض من هؤلاء وبحكم علاقة القرابة الانتقال الى تونس بطرق سرية وغير شرعية والتواصل مع من يرغبون وربما التمدد والتغلغل إلى داخل البلاد أيضا والتفاعل مع الخلايا النائمة في مناطق مختلف من الوطن وتنفيذ خططهم.
أية إستراتيجية برأيك لضمان «توبة» العائدين من القتال في بؤر التوتر؟
هناك صعوبة في تحديد مخارج نهائية وكاملة للتصدي لهذه الظاهرة المركبة والمعقدة. ومع ذلك فالأمر يتطلّب تظافر مقاربات متعددة الأبعاد والمستويات،يتداخل فيها الثقافي بالاجتماعي والاقتصادي والتربوي بالتعليمي والعائلي، والإعلامي بالأمني والحسم العسكري، باعتبار الطبيعة العنيفة لهذه الظاهرة.لذلك فإن مسألة توبة هؤلاء تبدو محلّ نظر عند البعض وان كانت إمكانية تحقيقها عند البعض الآخر ممكنة في الوقت ذاته...اعتقد انه يجب تمييز صنفين من هؤلاء:
الصنف الأول الذي تشبّع ب«فكر» وسلوك هذا الداء الإجرامي،قبل خروجه من تونس، وأصبح احد أعمدته ودعاته.
أما الصنف الثاني فيتمثل في الشباب الذين دفعهم الحماس والدعاية المركّزة،وربما المال أو اليأس، او الاثنان معا للالتحاق بتلك التنظيمات دون خلفية إيديولوجية واضحة. والذين لم يتبنوا بالضرورة الفكر المتشدد التكفيري الإجرامي والذين لم ينخرطوا بشكل كلي في العمليات الإجرامية لتلك التنظيمات..لذلك يمكن القول انه بالإمكان الاهتمام بهذا الصنف الثاني وتأهيله فكريا وثقافيا ودينيا والمساعدة على إدماجه اجتماعيا واقتصاديا( المساعدة على بعث مشروع اقتصادي او إدماجه في وظيفة ما) ومتابعته ليس أمنيا بل نفسيا واجتماعيا بالأساس..
اما الصنف الأول فتبدو وضعيته أصعب وأشد تعقيدا، فعملية توبة هؤلاء تبدو نسبية بل صعبة التحقق في كثير من الأحيان، فاعتمادا على تجارب أخرى نلاحظ ان النتائج كانت محدودة. فاغلب هؤلاء عادوا إلى أصولهم الفكرية ومارسوا الإرهاب مجددا فالذين قاموا بمراجعات فكرية من هؤلاء في مصر وليبيا أو الذين تبنتهم مراكز تأهيل ذات إمكانيات مركّزة واسعة ماليا ولوجستيا وعلميا تاب عدد قليل منهم وعند أية فرصة لا يتردّدون في العودة للقتال وارتكاب جرائم ضد الإنسانية...لذلك اعتقد ان المسألة تتجاوز الشأن الوطني وهي مرتبطة بالعامل الدولي أساسا فباعتبار ان بعث وتمويل وتسليح وإعاشة والدعاية لهذه التنظيمات هي بالأساس دولية(بمعنى ان دول بعينها هي التي تقوم بكل ذلك لصالح هذا الفكر التكفيري ومنظماته)فإن اندثارها أو كفّ شرّها هو رهين توقف تلك الخدمات التي تقدمها تلك الدول..
فلولا تخلي تركيا عن مراقبة حدودها (السورية العراقية) لما تمكن آلاف العرب والأجانب من المسلمين من دخول اراضي تلك الدول ولولا ارتخاء الدولة الليبية بل ضعفها لما تمكن القتلة من الانتقال الى ليبيا ومغادرتها الى بؤر التوتر ولولا المال والسلاح الذي يصل إلى تلك التنظيمات من دول ومنظمات لما كان بإمكانها ان تصل إلى ما وصلت اليه ولولا شراء تركيا وبعض الدول الأخرى للنفط الذي تستخرجه «داعش» لما تمكنت من إعاشة المنتسبين إليها....انا اعتبر ان هذه الظاهرة عابرة ومرتبطة اشد الارتباط بالسياسة الدولية وعندما يتوقف الدعم المالي والإعلامي واللوجستي لهؤلاء من قبل الدول ذات المصلحة فسيتوقف شرهم وتنتهي حكايتهم وهو أمر ينسحب أيضا على ليبيا...
قلت سابقا إن ممارسة القتل والإرهاب بكل انواعه هو سلوك واحد، هل يعني هذا ان المجرم المدني يتساوى مع الإرهابي الذي يذبح ويحرق أخيه المسلم ببرودة دم ؟
طبعا المسألة مختلفة في الجوهر وإن كانت تلتقي أحيانا في الشكل، فعندما يرتكب إنسان في حق انسان آخر عملا عنيفا ماديا بشعا(حرقا أو قتلا أو ذبحا او ضربا...) يكون هذا السلوك فرديا على خلفية أسباب اجتماعية أو اقتصادية أو ثأرية. أما عندما يقوم التكفيري المتشدد دينيا بعمل مشابه اجرامي لما قام به «المدني» فان المنطلقات تكون مختلفة اذ ان التكفيري يقوم بتلك الممارسة على خلفية دينية وسياسية وقد يقوم بهذه العمل دون ان يكون مرتبطا بتنظيم(الذئب المنفرد)او يكون على ارتباط بتنظيم يعطيه الأوامر للقيام بذلك وعادة ما يستهدف هذا العمل الارهابي المنظم المجموعات او الافراد لتحقيق غايات سياسية محددة.
هل يمكن أن تحوصل لنا جذور الإرهاب والتطرف في العالم العربي الإسلامي؟
يرتبط التطرف عادة بالانغلاق والتعصب للرأي، ورفض الآخر وكراهيته وازدرائه وتسفيه آرائه وأفكاره. وينظر المتطرف فرداً كان أم جماعة، إلى المجتمع نظرة سلبية سوداوية، ويرفض المتطرف عادة الحوار مع الآخر أو التعايش معه ومع أفكاره، ولا يبدي استعداداً لتغيير آرائه وقناعاته، وقد يصل به الأمر إلى تخوين الآخرين وتكفيرهم دينياً أو سياسياً أو الاثنين معا، وربما إستباحة دمائهم. ويزداد خطر التطرف حين ينتقل من طور الفكر والاعتقاد والتصور النظري، إلى طور الممارسة الذي يعبّر عن نفسه بأشكال مادية من أعمال قتل وتفجيرات وتصفيات واستخدام لوسائل العنف المادي المختلفة لتحقيق بعض الأهداف.
اما بخصوص أسباب التطرف فكرا وسلوكا فيمكن حوصلتها كالأتي:
• على مستوى شخصية المتطرف:
أسباب بيولوجية : العوامل التركيبية الوراثية والعيوب الخلقية والإصابات المخية ...
التغيرات الاجتماعية أو الثقافية أو التكنولوجية السريعة: ففي مراحل التغيرات السريعة يختل التوازن وتتداخل القيم والمفاهيم ويكثر التطرف.
الفقر والتهميش والبطالة وإن كان ذلك ليس في المطلق اذ نجد السلوك المتطرف أيضا عند الأفراد الذين عاشوا في أُسر ميسورة(بن لادن مثلا او زعماء اليسار المتطرف في السبعينات).
عوامل نفسية : الحرمان من رعاية أحد الأبوين أو كلاهما في سن مبكر أو نتيجة صدمة نفسية شديدة خاصة في الطفولة كالعلاقة المضطربة بالأقران، أو اضطراب العلاقة بين الطفل ووالده أو بين الطفل ورموز السلطة في الأسرة أو في المدرسة أو في المسجد، وينمو هذا الصراع ويكبر ويصبح الشخص في صراع مع أي رمز للسلطة على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الديني الاضطراب العصبي كالقلق.
اضطراب الشخصية البارانوي : وهذا الشخص المتعالي المتسلط يرى أنه جدير ( وحده ) بتوجيه الناس إلى ما يريد ، وأنه على كل الناس أن يسمعوا ويستجيبوا ، وإذا اعترضوا فلابد من قهرهم ولو بالقوة .
• أسباب إيديولوجية ودينية:
التأويل الخاطئ للنص الديني (القرآن والتوراة والإنجيل) أو الإيديولوجي من خلال تطويع النصوص المقدسة لتحقيق أهداف معينة ولتفسير الظواهر المختلفة،تماما كما تخضع الإيديولوجيات السياسية الحديثة لنفس الأمر..فرغم ان الحداثة شكلت ومثلت قطيعة مع ما قبلها من الفكر الديني فإنها بدورها مارست إرهابا متنوعا ضد شعوبها(الثورة الفرنسية التي ابتدع فيها مفهوم الإرهاب)، النازية والفاشية والماركسية المتطرفة التي تدعو إلى ممارسة العنف للتغيير(العنف الثوري)وما عرفته أوروبا خلال السبعينات من القرن الماضي من تنظيمات عنيفة مارست الإرهاب(«بادر ماينهوف» و«العمل المباشر» في فرنسا و«الألوية الحمراء» في ايطاليا واليابان..).
اتساع الهوة بين القيم السائدة والقيم المعلنة، مما يعطي رسالة مزدوجة للشخص تتركه في حيرة وقلق ، وهذا يجعله يشك في مصداقية من حوله ، وبالتالي يصبح أكثر عدوانية نحوهم.
استفزاز المشاعر الدينية من خلال تسفيه القيم أو الأخلاق أو المعتقدات أو الشعائر بالقول أو بالفعل مع عدم إعطاء الفرصة للرد على ذلك.
ضعف الوعي، والفهم الخاطئ لبعض المفاهيم الشرعية، مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وآليات تنفيذ ذلك المسموح والممنوع في التطبيق.
ضعف مؤسسات التوجيه الديني الرسمية في الدول العربية، وعدم استقلالية هذه المؤسسات، وتبعيتها المطلقة للسلطة السياسية، وخضوعها الكامل لمواقفها وتوجهاتها، بل ومبالغتها في الدفاع عن كافة سياسات السلطة وتوجهاتها. ممّا أفقدها ثقة المواطن، وجعلها غير مؤثرة في التوجيه والتوعية والترشيد.
المبالغة في الاستخفاف بالدين وبالمقدسات الدينية، وفرض توجهات فكرية علمانية من قبل بعض الجهات الرسمية، يشكل نوعاً من الاستفزاز، ويؤدي إلى ردة فعل معاكسة نحو المزيد من التشدّد.
• عوامل سياسية، منها:
عوامل داخلية:
التفرد بالسلطة وعدم تداولها، وغياب الحرية والديمقراطية في العالم العربي ، وانسداد أفق التغيير السلمي أمام الحركات والأحزاب السياسية، تسبب في حالة إحباط ويأس – لدى البعض - من إمكانية حدوث إصلاح سياسي ضمن الأطر والأنظمة السياسية القائمة أو عبر الوسائل السلمية، الامر الذي يدفع نحو التطرف والعنف في هذا السياق يرى الدكتور الجابري أن «من أسباب ظهور التطرف سواء باسم الإسلام أو العرق أو باسم الطائفة أو باسم أي أيديولوجيا ما، هو أولاً وقبل كل شيء غياب الديمقراطية، إضافة إلى الظروف الاجتماعية الاقتصادية». ويضيف: «عندما يمارس الإقصاء على هذه الفئة أو تلك يكون رد الفعل هو التطرف».
- نظرة بعض القطاعات إلى بعض الحكومات العربية والإسلامية على أنها غير وطنية وعميلة ومرتبطة بقوى معادية للأمة، دفع تلك القطاعات إلى القناعة بعدم جدوى الحوار مع تلك الحكومات، وبأن استخدام العنف هو الخيار الوحيد المجدي للتعامل معها.
عوامل خارجية: قد تشجع بعض الدول في إطار صراعها مع دول أخرى لأسباب مختلفة مجموعات متطرفة للقيام بعمليات معادية وقد تشجع نفس تلك الدول الفكر المتطرف.
كيف تنظر الى انتشار الجماعات الإرهابية المسلحة في فضاء دول الربيع العربي دون غيرها؟ وكيف تحلل اعلان هيلاري كلينتون بأنّ «داعش» صناعة امريكية؟؟؟
أولا بالنسبة لانتشار الجماعات الإرهابية المسلحة في فضاء دول الربيع العربي دون غيرها يبدو الامر شبه طبيعي اذ كان ذلك نتيجة تراجع سلطة الدولة ومؤسساتها المختلفة الأمنية والعسكرية وغياب قوى سياسية قادرة على مواجهة هذا التيار والتحالف الموضوعي في مرحلة ما،بين الإخوان المسلمين وتلك المجموعات،واتساع منسوب الحرية غير المقيدة الذي تمتعت به تلك الدول بالإضافة للدعم الاعلامي والمالي والدعوي الذي تلقته تلك الجماعات..
اما بخصوص ما كتبته هيلاري كلينتون بأن «داعش» صناعة أمريكية فهو أمر معروف لدى اغلب المحللين والباحثين وجاء هذا الموقف من كتابها ليؤكد هذا الأمر في اطار نظرية الفوضى الخلاقة التي باشرتها في العراق...كما كانت «القاعدة» أيضا صناعة أمريكية عربية...فهدف الأمريكان كان ولا يزال إغراق المنطقة في حروب طائفية لتدمير النسيج الاجتماعي اولا وتدمير جيوش المنطقة واقتصاداتها ثانيا وذلك خدمة لمصالحها ولمصالح إسرائيل ويظهر ان دول غربية وإسلامية(تركيا) قد رغبت في ذلك لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية ..
تتعدد المقترحات من طرف خبراء أمنيين لايجاد حل لتفشي ظاهرة الإرهاب، هل نجد لديك مقترحا علميا يستند الى الخصوصية الإجتماعية والسياسية التونسية ويكون بالتالي قابلا للتطبيق الفوري من أجل قطع دابر الإرهاب من بلادنا ؟
باعتبار أن الإرهاب السياسي، هو في الأصل عنف فكري واعتقادي، على أساس أن الفكر يولد السلوك ويحدّد شكله ومداه، فإن عملية التصدي لهذه الظاهرة يجب معالجتها، من خلال إقامة إستراتيجية واضحة تعتمد على:
-قراءة تاريخية لأصل التطرف الفكري ونشأته، وأهم رموزه وأهدافه ومقرراته ووسائله وأساليبه ومحاضنه.
-تفكيك الجذور الفكرية التي يستند عليها الإرهاب ويتغذى منها وذلك بالاعتماد على علماء الدين المتمكّنين والمتعمّقين، العارفين بتفاصيل وخصائص الشريعة ووسطية الإسلام السمح ولا يمكن للعالم أن يتصدى لفساد وبطلان فكر التطرف، ما لم يكن مقتنعاً لدرجة اليقين بفساد فكر هؤلاء، مالكاً لأسلوب بيداغوجي يعتمد الحجة والدليل وقوة الإقناع الحقيقي...
_ومن الضروري، في هذا المجال، إعطاء الفرصة لهؤلاء العلماء لاعتلاء منابر العبادة لتعزيز الوسطية والاعتدال، واحترام التنوع الفكري والتعايش السلمي بين أتباع الأديان السماوية بالتوازي، مع فتح أبواب المنابر الإعلامية المختلفة، لهؤلاء العلماء، وخاصة الفضائيات ومساعدتهم على نشر أفكارهم وتفاسيرهم في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة...
_ورغم أنه لا علاقة لمعتقدات الناس وأفكارهم مباشرة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، في ما يتعلق بالتشدد والمغالاة، فإن قطاعا واسعا من الشباب بحكم واقع التهميش الاجتماعي وأحيانا النفسي والقيمي، يجد نفسه منجذباً لأفكار التطرف والإرهاب. لذلك، من الضروري التأكيد على تحقيق التنمية المستدامة بمفهومها الشامل (الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية....)، وتوفير مواطن الشغل للشباب وتحفيزه على العمل والعطاء، وحبّ الحياة من خلال مساعدته على فتح آفاق جديدة لتحقيق ذاته والتصالح مع مجتمعه....
_دور المؤسسات التربوية: ومنها المدارس والجامعات، وأهمية هيئاتها التدريسية في إيصال الرسالة التربوية الواضحة للطلاب، من خلال تعزيز مهارات الاتصال، وتعزيز ثقافة الحوار والتسامح وقيم المواطنة، وقبول الآخر بما يسهم في الارتقاء بالوعي الوطني، وتعزيز القيم الإيجابية، وتنمية الشخصية المتوازنة للشباب المتعلّم، ونبذ العنف والتطرف، والمحافظة على الهوية الثقافية للمجتمع بما يتلاءم والتطور التقني والتكنولوجي الهائل، وتوظيفها لتحقيق هذا الهدف، بالتوازي مع تطوير المناهج الدراسية التي تُعنى بالمشاريع والنشاطات المختلفة، والتي تُنَمّي القدرات الإبداعية لدى الطلاب
_نشر الثقافة الديمقراطية القائمة على الانفتاح واحترام الرأي الآخر، وعلى الحرية والعدالة وتأصيل الثقافة الشاملة، ونشر الثقافة الإسلامية التي تدعو إلى التراحم والتسامح والمحبة والتعايش والإخاء، والعمل على مواجهة ثقافة الفتنة والتطرف.
أما في ما يتعلق بالإجراءات الواجب اتخاذها فتتلخص في ما يلي:
_إعادة هيكلة المؤسسات الدينية الرسمية، وعزل رموزها التي تدعو إلى التطرف، أو على الأقل تأهيلها، وفتح المجال أمام الكفاءات القادرة على تقديم خطاب ديني متسامح معتدل متحرر، يتفاعل مع قضايا الإنسان المعاصر وهمومه المادية والثقافية.
_العمل على إيجاد مراكز بحوث اجتماعية أمنية، لمتابعة مثل هذه الجماعات والخلايا المتطرفة والتكفيرية وتوعية المجتمع حول كيفية تلافيها وعلاجها.
_عقد الندوات والمؤتمرات العلمية التي تهتم برصد وتشريح الأسس الفكرية والدينية، التي تستند إليها وعليها تلك المجموعات، وتحليل بياناتها السياسية والطرق المُعتمدة من قبلها، لاستهداف الشباب، وتنظيم الندوات الثقافية التوعوية العامة التي يشارك فيها أهل الثقافة والعلم والعلوم الدينية...
_دور القانون والقضاء: ضرورة تشريع قوانين زجرية، لمكافحة كل من ينخرط في أي شكل من الأشكال لدعم الإرهاب، مادياً أو معنوياً، أو لوجستياً أو ممارسته، في داخل الدولة أو خارجها، على أن تراعي حقوق الإنسان الأساسية في ذلك....
_دور العائلة: من الضروري أن تكون الأسرة متوازنة ومتماسكة اجتماعياً ونفسيًا للأسرة، الأمر الذي يسمح لها برعاية أبنائها ومراقبتهم، سواء داخل البيت (علاقة الأبناء بالآخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي)، أو من حيث نوعية أصدقاء الأبناء في المدرسة والجامع والنوادي....وطرق تمضية أوقات الفراغ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.