يعتقد الباحث في الجماعات الإسلامية والإعلامي الهادي يحمد أن كتابه عن الجهاديين السلفيين في تونس انما هو محاولة لفهم الظاهرة ويؤكد ان معالجتها والحد من التحاق الشباب بالجماعات المتطرفة يستوجبان معالجة تربوية لا عقابية بالدرجة الأولى. ويرى ضيف «التونسية» أن التركيز على العامل الإقتصادي لتفسير انتشار التيار السلفي الجهادي في العالم العربي الإسلامي مجانب للحقيقة، مستدلا في ذلك بالتحاق عشرات الشباب من الميسورين بالتيار الذي لا يخلو منه أي مجتمع. حوار: صباح توجاني قال الباحث والإعلامي الهادي يحمد أن عنوان مؤلفه الجديد «تحت راية العقاب: سلفيون جهاديون تونسيون» مستوحى مما يسميه السلفيون الجهاديون «راية العقاب» وهي الراية التي يقولون بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفعها في حروبه، وأضاف قائلا: «هي تعني لغويا الطائر الذي يعلو في المرتفعات ..وكان هذا الإختيار لإسم الكتاب تعبيرا عن هذا التيار السياسي الجهادي الموجود في كافة الدول العربية والإسلامية. والعنوان الفرعي يحدد باننا نتحدث عن السلفيين الجهاديين في تونس. وفي الحقيقة لا يمكن فهم السلفية الجهادية أو تيار السلفية الجهادية بمعزل عن السلفية بشكل عام. فيبدو الإرتباط وثيقا جدا بين جهاديين تونسيين وغيرهم من الجهاديين في العالم العربي والإسلامي في الأدبيات والمرجعيات الفكرية التي أشرت إليها في ثنايا الكتاب والتي خصصت لها فصلا كاملا عنونته «قدموا من هناك». ما هي حقيقة منشإ السلفية الجهادية في ظل تعدد الروايات بهذا الشأن؟ أعتقد ان السلفية الجهادية نشأت وترعرعت كتيار فكري وسياسي في العالم العربي الإسلامي في مصر، حيث تبلور التيار واصبح له كيان تنظيمي وحركي في اواسط السبعينات من القرن الماضي عندما نشأت الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد الذي تورط في اغتيال الرئيس انور السادات عام 1981. فمن المفيد القول إن البذور الأولى لنشأة التيار كانت في السجون المصرية عندما ألف السيد قطب كتابه «معالم في الطريق» الذي أصبح يعد بمثابة « إنجيل» الحركات الجهادية في العالم بأسره. طبعا تعددت الكتابات بعد هذا المؤلف، لتأصيل لفكرة الجهاد والخروج عن الحاكم، وبروز كتاب «الفريضة الغائبة» لصاحبه عبد السلام فرج كأحد المحطات المهمة في التأريخ لفكرة الجهاد ضد الأنظمة. وباستطاعتنا القول بأن كتاب السيد إمام الذي عنونه «العمدة في إعداد العدة» والذي كتبه في منطقة القبايل الأفغانية إبان فترة الجهاد الأفغاني ضد الإتحاد السوفياتي، يعتبر أحد أبرز المرجعيات التي إستندت إليها السلفية الجهادية فيما بعد. إذن كانت ولادة التيار السلفي الجهادي بمرجعياته الفكرية مصرية النشأة لتمتد في ما بعد كتابات المنظرين الى مناطق أخرى من العالم العربي حيث ظهر في ما بعد الأردني أبو محمد المقدسي كأحد أبرز المنظرين لهذا التيار. ثم جاءت في فترات لاحقة مؤلفات أبو قتادة الفلسطيني، لتؤكد تراكم الكتابات الجهادية ولتؤصلها بناء على التطورات السياسية التي عرفتها المنطقة العربية وخاصة مع تأجج أعمال العنف في مصر في فترة التسعينات من القرن الماضي وإندلاع ما يمكن أن نسميه «الحرب الأهلية الجزائرية» في نفس الفترة تقريبا، فضلا عن فتح جبهات جهادية جديدة من قبيل الشيشان والبوسنة والعراق بعد الإجتياح الأمريكي له. كنت من القلائل الذين التقوا ابو عياض «زعيم انصار الشريعة»، ما الذي علق بذاكرتك من يومها وهل كنت وقتها تتصور ان يؤول امر تنظيمه الى ما وصل اليه الأن؟؟؟ دعيني أقول بأنني عندما التقيته في احد مساجد الكرم بالضاحية الشمالية للعاصمة خلال شهر ديسمبر 2011، كان الشخص بمثابة نكرة بالنسبة لأغلبية التونسيين، وكان اجراء ذاك الحوار في تلك الفترة مثار استغراب العديدين باعتبار ان الشخص والتيار الذي يمثله لا يشكلون شيئا في الحياة السياسية في تونس وقتها. أتذكر جيدا ان كل حيثيات اللقاء التي دارت في احدى الغرف التابعة للمسجد كانت تشير الى ان هذا الشخص اصبح فعلا يعتبر نفسه القيادي رقم 1 في التيار، محيطا نفسه بهالة من الكاريزما... وكان يؤكد طوال مجريات الحوار قدرته وقدرة تياره على التاثير وتغيير الأوضاع في البلاد ...وهو ما اكدته الأحداث وفي ما بعد من خلال عمليات الإغتيال والهجومات التي تبنتها جماعات من صلب «انصار الشريعة». وأنت الباحث المختص في الجماعات الإسلامية، برأيك ماذا يدفع الشباب التونسي إلى الزج بنفسه في تنظيمات أو تيارات دموية قتالية؟ أعتقد أن الجانب العقائدي يلعب دورا أساسيا في دفع هذا الشباب الى الإنتحار أو الإستشهاد بحسب مصطلحاتهم... يجب أن نفهم كيف يفكر هؤلاء. وفي اعتقادي أن الميراث الفكري وعملية الشحن العقائدي التي يقوم بها هذا التيار لأفراده وللشباب الذين يريدون الإنخراط فيه، تدفعهم آليا إلى أن يفقدوا كل إمكانيات ووسائل السيطرة على أنفسهم. فهذا التيار يشحن الشباب بالعشرات من المقولات العقائدية التي تدفعه الى القيام بالعمليات الإنتحارية، وهو مُقبل غير مدبر، بحسب تعبيرهم.. هل يمكن الجزم بأن البيئة الفقيرة التي نشأ فيها هؤلاء الشباب هي المحدد لإنسياقهم وراء هذا التيار؟؟؟ أنا من المعتقدين بأن التفسير الإقتصادي لإنتشار الظاهرة السلفية غير كاف لفهم هؤلاء الشباب. وبخلاف الذين يقولون بأن معظم الشباب الذين يقاتلون في صفوف الجماعات الجهادية، هم قادمون من بئات فقيرة، فقد أثبتت التجربة والأمثلة أن العشرات من الشباب المنخرط في هذه الجماعات قادم من الأحياء المترفة مثل الضواحي الشمالية للعاصمة أو المنازه. وما يؤكد هذا التحليل، هو نسبة الخليجيين الموجودين في تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يسمى ب«داعش» والذي يقول لنا بأن هناك شباب انخرطوا في الجماعات الجهادية وهم يعيشون حياة مترفة لا ينقصها شيئ... وقد تركوا أموالهم وثرواتهم وفضلوا العيش في مناطق صحراوية ومفقرة وويلات الحرب في سوريا والعراق. ثم إن ما يدعم ما قلته هو انضمام العشرات من الشباب الأوروبي إلى «داعش» وهو الشباب الذي يملك كافة وسائل النجاح في البيئة الأوروبية... إذن في اعتقادي إن العامل الإقتصادي من فقر وتهميش لا يفسر وحده الظاهرة ولكن هناك عوامل ثقافية وعقائدية من المهم البحث عنها لفهم آلية وتحرك هؤلاء الشباب ضمن تيار السلفية الجهادية. برأيك هل يمثل الزجر والسجن أساسا الحل المناسب للقضاء على هذا التيار؟ يبدو لي أن كل الحلول الأمنية والعسكرية التي تجابه بها هذه الظاهرة ستبقى قاصرة... حيث أثبتت التجربة أن الحرب الأمريكية في أفغانستان واعتقال الشباب السلفي الجهادي بالمئات وسجنهم بغوانتانامو لم ينه المشكلة...كما اثبتت التجربة ان الإعتقالات التي وقعت لشباب هذا التيار في المنطقة العربية الإسلامية منذ السبعينات الى اليوم لم تضع حدا لتوسع التيار ولم تنه وجوده ...بل بالعكس ازداد التيار انتشارا ولقيت افكاره رواجا كبيرا في صفوف الشباب العربي. ويأتي هذا التوسع وهذا الإنتشار حسب رأيي في وقت تغيب فيه بدائل ثقافية وتربوية حقيقية لمعالجة الظاهرة في أصولها. من الواضح ان ملء السجون بالجهاديين اصبح يمثل مشكلة اضافية حيث اضحت هذه السجون حاضنة حقيقية يقع فيها استقطاب عناصر جديدة فضلا عن مزيد تعبئة الشباب الذي دخل حديثا للمؤسسة السجنية. وبالتالي فان الحد من توسع هذا التيار وافكاره ينطلق بالأساس من المعالجة التربوية والثقافية في موازاة مع التصدي لكل أعمال الإرهاب التي تقوم بها هذه الجماعات. ظلت الدولة على مدى عقود تحارب التطرف الديني بجر المجتمع الى الإنفتاح الى أن انتجنا مجتمعا هجينا لا صلة له بالهوية التونسية الأصيلة، فهل نحتاج اليوم الى إعادة النظر في المنظومة التربوية لمجتمع برمته؟ أرى ان من شأن الحديث عن مشروع ثقافي تربوي أن يحد من امتداد التيارات المتشددة، ينبع من طرح سؤال أساسي يتعلق بالهوية الثقافية للمجتمع، من المهم طرح السؤال التالي: أية ثقافة نريد تكريسها في مجتمعنا؟ وهذا ما يجرنا الى طرح سؤال اساسي اخر : أي إسلام نريد اليوم؟ وكيف السبيل الى تصالح الإسلام مع مقتضيات العصر؟ وهو السؤال الذي يطرح منذ بدايات النهضة العربية المُجهضة. وبالتالي فإن الخروج من هذا النفق، نفق الحيرة الثقافية يتطلب مراجعة المنظومة التربوية في المدارس والمعاهد والجامعات ..والأمر في اعتقادي يتجاوز مجرد طرح إعلامي الى مشروع ثقافي حقيقي تطرحه الدولة بمساندة كل مثقفي ومفكري البلاد من مختلف التيارات التي تؤمن بالمشروع المدني للدولة».