ألف مليار لرأب «الحفر» واستصلاح الطرقات في المدن صعوبات مالية وراء تعطيل «سماء دبي»و«تونس الرياضية» وحلول في الأفق الوكالة العقارية للسكنى عاجزة أجرى الحوار: فؤاد العجرودي شهدت شبكة الطرقات على مدى السنوات الأربع الأخيرة تدهورا لافتا نشأت معه شبكة متكاملة ل«الحفر» لم يسلم منها أي نهج أو شارع أو ساحة تقريبا.. فيما «جمّدت» حلقات هامة من شبكة الطرقات السيارة والمحولات والمسالك الفلاحية والطرقات المرقمة في سائر جهات البلاد. شبكة الطرقات التي تعد أحد شرايين التنمية الاقتصادية والاجتماعية تبدو خارجة لتوّها من «الثلاجة» في غمرة المشاريع الضخمة التي انطلقت أو تستعد لإطلاقها وزارة التجهيز التي تسعى إلى تدارك تراكمات السنوات الأخيرة عبر توظيف كلّ الإمكانيات المتاحة لاستئناف المشاريع المعطلة وإطلاق مشاريع جديدة بالتوازي مع الاستعداد للمستقبل عبر حلول جذرية منها التحوّز على الأراضي قبل الإعلان عن المشاريع أصلا عبر إحداث جهاز عمومي يختص في هذا الجانب بعد أن أثبتت التجربة أنّ الإشكاليات العقارية ولا سيما الجدل مع المالكين حول قيمة التفويت في أراضيهم هي أكبر عائق أمام إنجاز المشاريع. ترسانة من المشاريع الكبرى ستنطلق في الفترة القادمة تهم شبكة الطرقات السيارة والطرقات المرقمة والمسالك الفلاحية إلى جانب شبكة الطرقات السريعة والمحولات في إقليم تونس الكبرى الذي ضاق ذرعا بأزيز المحركات وبات يئنّ تحت وطأة التوسّع السريع لأسطول السيارات. على الجانب الآخر تتشكّل معضلة السكن المؤرقة لقطاعات واسعة من التونسيين.. صعود صاروخي للأسعار.. مضاربة بلغت طور الجنون في كثير من المناطق.. فيما البناء العشوائي يزحف بلا نهاية.. وتقف المساكن الاجتماعية على مشارف الانقراض.. بما قد يستدعي مراجعة جذرية لسياسة السكن في تونس. تلك الملفات الساخنة كانت على أجندا أسئلة «التونسية» في هذا الحديث الشامل مع المهندس محمد صالح العرفاوي وزير التجهيز والإسكان.. الذي تحدّث بخليط من الوضوح والعقلانية والعزم على حلحلة المشاكل في إطار تصور مستقبلي للمدن التونسية والبنية الأساسية للطرقات. الحوار الذي تطرّق أيضا إلى مصير مشروعي «سماء دبي» و«مدينة تونس الرياضية» ونصيب الطرقات من مجمل مسببات النزيف على الاسفلت.. بدأ من الجنوب التونسي. لنبدأ بالزيارة الأخيرة إلى جهة مدنين والتي أطلعت خلالها على سير مشروع الطريق السيارة والإشكاليات العالقة.. ماذا يمكن أن نقول حول أجندا استكمال الطريق السيارة الجنوبية إلى معبر راس جدير؟ - الإشكال الحقيقي يتمثّل أساسا في إعطاء الإذن للمقاولات دون فض المشكل العقاري.. وبالتالي بقيت المقاولات تنتظر منذ نحو عام التحوّز على الأرض حتى يتسنّى لها بدء الأشغال وذلك بسبب الجدل مع المواطنين حول قيمة الأرض وهو مشكل طرح أساسا في القسط الرابط بين مدنين وراس جدير أما في القسط بين قابسومدنين فالإشكال كان أقلّ حدّة. الآن توصلنا إلى فض هذا الإشكال العقاري ما عدا القسط الأخير ونشكر المواطنين الذين قبلوا بالتفويت في أراضيهم مقابل تعهّد الوزارة بتنفيذ الأحكام التي ستصدر عن القضاء بخصوص قيمة الأرض أي التعويضات التي ستُصرف للمواطنين في آجال معقولة وتبعا لذلك ينتظر أن يتم اليوم استصدار أمر انتزاع يخص الأراضي الواقعة في ولايتي قابسومدنين لكن علينا أيضا أن ننتظر حكم القضاء ليتسنّى استكمال إجراءات الحوز الفعلي. ومن هذا المنطلق سنتمكن من إنجاز المشروع قبل الآجال المحدّدة أي بعد عام بالنسبة إلى قسط قابسمدنين وبعد عامين لقسط مدنين راس جدير علما وأنّ الكلفة الجملية تناهز 1817 مليون دينار أما طول القسطين فيعادل 385 كلم. وهل توضّحت الرؤية بالنسبة إلى الأقساط المتبقية من الطريق السيارة الشمالية أي من وادي الزرقاء إلى الحدود الجزائرية؟ - بالنسبة للقسط الرابط بين وادي الزرقاء وبوسالم توفقنا في فض كل المشاكل ونسبة تقدّم الأشغال أدركت ٪60.. وتبعا لذلك ينتظر أن يفتح هذا القسط للجولان في أواخر صائفة 2016 بما في ذلك الطريق السريعة التي ستربط هذا القسط بمدينة باجة. في المقابل نحن بصدد الإعداد لبدء الدراسات التنفيذية بالتوازي مع البحث عن التمويل لقسط جندوبة ثم الحدود الجزائرية وكذلك تشخيص المسلك الملائم نظرا لطبيعة التضاريس الوعرة والمكلفة بهذه المنطقة. نأتي الآن إلى الوسط والجنوب الغربي للبلاد حيث كانت الحكومة وضعت في بداية 2011 مخطّطا يقضي بربط كل المدن الداخلية بالطريق السيارة الجنوبية بشبكة للطرقات السريعة.. هل تمّ الإبقاء على هذه الصيغة أو اختيار حلول أخرى؟ - بالنسبة لهذا الملف تقرّر مدّ طريق سيارة من تونس إلى مدينة جلمة عبر القيروان بطول 180كلم ويتشكل مفترق في مستوى مدينة جلمة لمسارين رئيسيين الأول باتجاه القصرين والثاني باتجاه قفصة عبر سيدي بوزيد ونعتبر هذه الأقساط من الأولويات التي ينتظر إدراجها ضمن المخطط الخماسي علما وأنّ الدراسات الفنية للمشروع أدركت مراحل متقدمة. إقليم تونس الكبرى يحتاج بدوره إلى متنفسات جديدة في ظل الاختناق الحاصل في الحركة المرورية خاصة من خلال استكمال شبكة المحولات على الطريق الحزامية «x» واستكمال الطريق الحزامية «x20»؟ - بالنسبة للطريق الحزامية «x» قمنا بإعطاء الإذن بانطلاق الأشغال بخصوص محول «الزهروني» كما نعتزم إنجاز جسر على مستوى «سوق الخردة» لكن هذا يقتضي أولا حل الإشكال العقاري القائم. أما بخصوص استكمال الطريق الحزامية «x20» وربطها بالطريق السيارة تونس الشمال الغربي قمنا بالتوقيع على اتفاقية التمويل مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي لكن يبقى إطلاق طلبات العروض رهين فض المشكل العقاري علما أنه يهدف تسريع إنجاز هذا المشروع الذي ينتظر ترسيمه في ميزانية 2016 تقرر انطلاق الأشغال التحضيرية على الأراضي المملوكة للدولة لحين استكمال إجراءات التحوّز بالنسبة لبقية الأراضي الواقعة على هذا المسلك. وتجدر الإشارة في نفس الإطار إلى أنّ الفترة الأخيرة شهدت انطلاق إنجاز محوّل على مستوى مستشفى محمود الماطري بأريانة، فيما ينتظر استكمال إنجاز محول حي الخضراء في ظرف عام من الآن. ونعتبر من جهة أخرى أن واقع حركة المرور في إقليم تونس الكبرى يتطلّب حزاما ثالثا وتبعا لذلك تقرر إحداث طريق «x30» وبدأنا بتحديد المسلك وإعداد الدراسات الأولية تمهيدا لإجراءات التحوّز على العقارات واستكمال الدراسات التنفيذية وينتظر أن ينطلق إنجاز هذا المشروع في ظرف ثلاث سنوات من الآن. حلم متساكني مدينة بنزرت بإحداث جسر ثابت فوق القنال ظل مؤجّلا منذ عقود.. وهو ما أدّى إلى تواصل اضطراب حركة المرور من وإلى المدينة.. هل حسمت الحكومة في هذا الملف؟ - الدراسات الخاصة بهذا المشروع الذي تناهز كلفته 500 مليون دينار بلغت مراحل متقدمة وينتظر أن تستكمل في جوان القادم كما قدّمنا مقترحات بخصوص تمويل هذا المشروع حتى يتم إدراجه ضمن مشاريع المخطط الخماسي القادم. أثبتت التجربة أنّ مشاريع الطرقات تتعطل كثيرا بسبب المشكل العقاري ألا تفكر الوزارة في إحداث هيكل يُعنى بهذا الجانب من منظور استشرافي حتى تكون الأراضي جاهزة قبل تحديد أجندا الإنجاز؟ - هذا المشكل يُعدّ فعلا من أكبر معوقات الإنجاز وتبعا لذلك فإنّ الوزارة تعتزم إحداث هيكل عمومي يختص في إنجاز الدراسات والقيام بإجراءات التحوّز للأراضي، أي هيكل بمثابة بنك للمعطيات ستكون له آثار إيجابيّة عميقة على مستوى آجال إنجاز المشاريع. شبكة الطرقات المرقمة مازالت تعاني من عديد النقائص التي تراكمت على مدى السنوات الأخيرة حيث أن حيزا هاما منها مازال دون المعايير الدولية ولا سيما وجوب ألا يقل عرض الطريق عن 7 أمتار كما تحتاج الكثير من المسالك الفلاحية إلى التعبيد أو على الأقل التهيئة.. هل للوزارة تصور شامل لتدارك هذه النقائص؟ - المشكل في هذا الإطار هو أنه على مدى السنوات الأربع الأخيرة لم يتم الحصول على تمويل أجنبي لهذا الصنف من المشاريع.. كما أن عديد البرامج التي كانت مقرّرة لذات الفترة لم يتم إنجازها.. الآن حصلنا على الموافقة الأوّلية للتمويل الأجنبي قصد إنجاز برنامج ضخم يشمل ألف كلم من المسالك الفلاحية و700 كلم من الطرقات المهيكلة أيّ تدارك تراكمات السنوات الأربع الأخيرة وذلك من منطلق تعهّد الحكومة الحالية بتنفيذ تعهدات كل الحكومات السابقة. نأتي الآن إلى معاناة أصحاب السيارات ممّا أعتبره «ثورة الحفر» في السنوات الأخيرة والتردّي الواضح لحالة الطرقات في المدن والأحياء.. وهو ما يقتضي حلولا جذرية.. كيف تتفاعل الوزارة مع هذا الملف؟ - هذا المشكل مطروح فعلا في المدن ونحن واعون بأثاره السيّئة على المواطن وكذلك الجانب الجمالي وبالتالي نحن بصدد إعداد تصوّر شامل والبحث عن صيغ التمويل لمشروع ضخم بكلفة مليار دينار يشمل الطرقات الواقعة داخل المدن. عديد الأطراف ترى أنّ الحالة المترديّة للطرقات تجعلها أحد الأسباب الرئيسية لحوادث المرور في تونس؟ - غير صحيح.. الحوادث تحصل أساسا وكما هو معلوم نتيجة الأخطاء وعدم احترام قانون المرور.. أما الطرقات فلا تتدخل إلاّ بنسبة لا تتعدّى ٪10 في أقصى الحالات ضمن أسباب حصول الحوادث في تونس ومع ذلك فالوزارة ومثلما ذكرت منذ حين تسعى إلى إحداث نقلة هامّة في واقع شبكة الطرقات بما يتلاءم مع تطوّر الحراك الاقتصادي والاجتماعي وتطلعات المواطن وحتى تكون الطرقات رافدا أساسيا للنمو بكافة أبعاده. نأتي الآن إلى الشغل الشاغل للمواطن وأعني بذلك «قبر الحياة» أي موضوع السكن.. هناك اليوم شبه انقراض للسكن الاجتماعي.. المضاربة بلغت أرقاما قياسية.. هل تفكر الوزارة في حلول جذرية؟ - المشكل الأساسي هو أنّ ٪37 من المساكن التي تنجز سنويا تقام بشكل عشوائي لأنّ المواطن لم يجد بديلا منظما وبالتالي فإن حلحلة معضلة السكن تقتضي أساسا التوفق في توفير نظير مهيّأ لعدد المساكن العشوائية وهو ما يقتضي مراجعة جذرية لمنظومة السكن برمتها تقوم على الاستشراف وتوفير الأراضي المهيّأة بشكل مسبق. الوضع الحالي يتسم بمعوقات كبيرة حيث تتطلب المرحلة بدء إعداد أمثلة التهيئة إلى الشروع في البناء نحو 7 سنوات.. أمثلة التهيئة تتطلب 6 سنوات أحيانا فيما يستغرق إعداد مثال التقسيم قرابة العام ورخصة البناء تتطلب 6 أشهر. القانون كذلك لا يطبق بشكل يؤمن النجاعة في منع البناء العشوائي فهو يتجه عادة إلى المواطن أي المخالفات أثناء مرحلة البناء فيما يهمل صاحب الأرض الذي باعها كما اتفق رغم العقوبات الصارمة المخولة في هذا المجال. ومن هذا المنطلق سنقوم قبل موفى العام الحالي بمراجعة مجلة التهيئة والتعمير لسنة 1994 وسياسة السكن برمتها، باتجاه توفير الأراضي المهيأة للاقتصادي والاجتماعي حتى نتحكّم في كلفتها وبالتالي نوجه البناء نحو المنظم. ألا تعتقد أنّ حلّ هذا المشكل يتطلّب جهازا يختص في توفير المدخرات العقارية وتهيئتها حتى يتوفّر رصيد من الأراضي المهيّأة يعادل الطلب وبشكل مسبق؟ - بالفعل الوزارة تسعى إلى إحداث هيكل مستقل مهمّته توفير الأراضي وفض الإشكاليات العقارية لتوضع على ذمة الباعثين العموميين والخواص حتى يتسنّى توفير مقاسم ومساكن حسب احتياجات وإمكانيات مختلف الشرائح.. كما أنّ مشمولات هذا الهيكل لن تتوقف عند ميدان السكن بل تشمل توفير مدخرات الأراضي لمشاريع الطرقات والمنشآت العامة بما في ذلك السدود. وقبل ذلك نحن بصدد توظيف كل الإمكانيات المتاحة لتوفير المقاسم الاجتماعية في المناطق المهدّدة بالتوسّع العشوائي في مختلف المدن.. وقمنا مؤخرا بتوفير قطعة أرض في مدينة القصرين لإحداث تقسيم اجتماعي مهيّأ. الوكالة العقارية للسكنى هي الآن غير قادرة على تلبية ٪90 من المطالب.. بما يعني أن هذه النسبة تتجه إما إلى الخواص أو إلى الفوضوي.. منطقة البحر الأزرق في الضاحية الشمالية على سبيل المثال تحوّلت إلى مأساة بكلّ المقاييس بفعل البناء الفوضوي الذي يستنزف الأراضي بشكل عشوائي وتتطلّب تهيئته كلفة باهضة مقارنة بالتهيئة المسبقة.. هذا فضلا عن آثاره على جمالية المدن. هذه التوجهات الجديدة هي جزء من تصوّر مستقبلي للمدن التونسية من أركانه أيضا فك التلاصق في توسّع البناء عبر إحداث قرى سكنية ذات صبغة اجتماعية واقتصادية بعيدا عن مراكز المدن وتتوفّر فيها جميع مرافق الحياة. حكومة الترويكا الأولى كانت قد أعلنت عن مشروع إنجاز 30 ألف مسكن اجتماعي لم يبن منها أيّ مسكن إلى حدّ الآن؟ - هذه المبادرة يمكن اعتبارها قرارا شعبيا موجّها إلى الطبقات الضعيفة.. وإعادة طرحها تقتضي أولا الوضوح مع الناس بصفة مسبقة خاصة بشأن المساهمة الذاتية.. ومراعاة القدرات الحقيقية لإنجاز المساكن المتاحة للباعثين في العام والخاص ثم طرح مشكل التمويل. لم تقدم الحكومة منذ سنوات أيّ تفسير بخصوص الجمود الذي ضرب مشروعيْ «سماء دبي» و«مدينة تونس الرياضية» لدرجة أنهما يكادان يدخلان طيّ النسيان.. هل تمّ العدول عن الإنجاز؟ - ما يمكن أن نقوله في هذا الإطار هو أنّ الجهة التي كانت ستنجز هذين المشروعيْن تعاني من صعوبات مالية في الوقت الراهن والحكومة منكبّة على دراسة كلّ الإمكانيات للتوصّل إلى حلول في أقرب الآجال للانتقال إلى طور الإنجاز الفعلي.