لوبيات سياسيّة وراء تركيبة المجلس الأعلى للقضاء حاورته: خولة الزتايقي يمكن لمهنة عدالة الإشهاد أن تقوم بعدة أدوار في العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، ويمكن أن يكون للحجة دور « في جلب الاستثمارات ومقاومة تبييض الأموال، فجلب الاستثمارات يستوجب توفر عدة معطيات أمنية وإقتصادية وإجتماعية وخاصة إصلاحات تشريعية، لعل منها إصلاح مهنة عدالة الإشهاد وإسناد القوة التنفيذية للحجة العادلة، وهو الذي ينقصها حاليا ويعيقها عن القيام بمهامها باعتبار أن القوة الثبوتية للحجة العادلة لا تكفي وحدها لتنفيذ الالتزامات. كما تعيش مهنة عدالة الاشهاد تهميشا يعود أساسا إلى عدم تطويرها في ظلّ غياب إرادة سياسية تدفع إلى مراجعة النصوص القانونية بالرغم من مطالبة العديد من اهل الاختصاص بإصلاحات جذرية للإطار القانوني التونسي الذي اعتبره البعض منهم «من أكثر القوانين تخلفا في العالم». وقطاع عدالة الاشهاد لم يتعرض الى التهميش على مستوى القوانين المنظمة له فقط بل أصبح يتعرض الى التهميش والاقصاء الممنهج من المجالس والهيئات التشريعية والتنفيذية، من ذلك حرمانه من الانضمام الى عضوية المجلس الاعلى للقضاء. «التونسية» كان لها حوار في هذا الشأن مع عماد عميرة، أول عميد لعدول الإشهاد، وعضو الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والانتقال الديمقراطي، سابقا. ما هو موقع عدالة الاشهاد اليوم في المنظومة القضائية؟ - عدالة الإشهاد اليوم تعيش أزمة كبرى، أثرت تأثيرا سلبيا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي لعدول الاشهاد، باعتبار عدم مواكبة القطاع للتطورات التي عاشتها بعض القطاعات في العائلة القضائية، إذ أن عدل الاشهاد تضرر اقتصاديا، جراء الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادنا بعد الثورة، مما جعله يفقد توازنه حتى على مستوى الطاقة الشرائية كأي مواطن تونسي، خاصة ان عدد عدول الاشهاد في تزايد مستمر، بمعدل 100 عدل في السنة، في حين ان المهام الموكولة لعدل الاشهاد لم تتطوّر، بل ان بعض الاختصاصات التي يمارسها الآن مهددة بالانتزاع منه. ثُلثا العالم يتعامل بالحجة العادلة لضمان الاستقرار والامن التعاقدي لعديد البلدان في العالم، وعدل الاشهاد في العالم في قرابة 90 دولة هو «قاضي السلم»، والقاضي الوقائي، الضامن لحقوق المتعاقدين. بعد الثورة كانت عدالة الاشهاد حاضرة في اهم المحطات التاريخية التي عاشتها بلادنا، كتواجدها في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي، ممثلة في شخصي، وكذلك في الهيئة العليا المشرفة على تنظيم أول انتخابات ديمقراطية في تونس، ممثلة في شخص الاستاذ سامي بن سلامة، لكنّنا الآن نتحدّث عن أزمة داخل القطاع، بعد أن أضرت به التجاذبات السياسية، بإيعاز من بعض وزراء العدل وانخراط بعض قيادات القطاع في هذه التجاذبات، بعد ان كان العمل داخل الهياكل المهنية، متميزا بالحياد التام عن السلطة السياسية. ما هي أبرز المشاكل التي يعاني منها القطاع؟ - أكثر أزمات القطاع، هي اساليب العمل البدائية التي يعمل بها عدل الاشهاد التونسي، كالاعتماد على كابوس اسمه «دفتر المسودة» و«دفتر العمل»، والجليس، كل هذا لم يواكب التطور الدولي لمهنة عدل الاشهاد، لأن المعايير الدولية غائبة عنا في تونس، رغم انتماء الجمعية الوطنية لعدول الاشهاد بتونس للاتحاد الدولي للتوثيق سنة 2010 بعد عام فقط من تكوينها، ونتيجة للحماس الكبير الذي كان يدفع قيادات القطاع للارتقاء بالمهنة نحو الافضل، والذي أدى الى مساءلتي قانونيا من طرف وزارة العدل، واتهامي بالمس من سيادة الدولة والتعامل مع الاجنبي، على إثر بلوغنا اشواطا كبيرة في اتفاقنا مع الاتحاد الجهوي للموثقين (عدول الاشهاد) ب«اكس آن بروفنس» بفرنسا، لإنشاء مدرسة عليا لعدول الاشهاد في تونس، تفرض دراسة علمية اكاديمية، على مستوى دولي، وطبقا للمعايير الدولية، التي يفرضها الاتحاد الدولي للموثقين (عدول الاشهاد). وكان صراعنا الاساسي في تونس حول اكساء الصبغة التنفيذية والقوة التنفيذية للحجة العادلة، كنظيرتها في عديد البلدان في العالم، مما يخفف العبء عن المتقاضين، ويخفّف الضغط عن القضاة. كيف تفسّرون اقصاء عدول الاشهاد ومساعدي القضاء من تركيبة المجلس الاعلى للقضاء؟ - إن عدول الإشهاد، كبقية القطاعات المرتبطة بالعائلة القضائية، مستاؤون من إقصائهم من تركيبة المجلس الاعلى للقضاء، وكأنهم بهذا يعتبروننا أبناء غير شرعيين، وبالتالي، ليس من حقنا الدفاع عن مهنتنا صلب العائلة القضائية في تونس، حيث ان احد الفصول الواردة بمشروع القانون، يجيز للمجلس النظر وصياغة مشاريع القوانين المتعلقة بالمهن المرتبطة بالمنظومة القضائية، بما فيها القوانين المتعلقة بعدالة الاشهاد، ونحن نتساءل هل يكون من الجائز ومن المعقول ان ينظر المجلس ويصوغ قوانين متعلقة بعدالة الاشهاد، دون ان يتواجد ممثل عن عدول الاشهاد داخل المجلس؟ هل يعقل ان يتم إقصاؤنا، وأن يتحكم في مصيرنا من خلال قوانين، لم يكن لنا رأي فيها، ولم تقع استشارتنا فيها، وأخذ رأينا ونحن أهل الاختصاص، ولنا معرفة تامة بالمشاكل التي يعاني منها القطاع، وكيفية معالجتها؟ طبعا هذا أمر غير معقول، وغير جائز، وغير مقبول، ونحن طبعا لن نقبل بهذا الاقصاء، باعتبار ان عدالة الاشهاد جزء من المنظومة القضائية، وأقدم مهنة قضائية، حيث وقع تنظيمها بمقتضى الامر العلي الصادر سنة 1875، وعلى الجميع اليوم ان يعي أهميتها، واهمية الدور الرائد الذي يلعبه عدل الاشهاد، واهمية تواجده داخل المجلس، وانا اؤكد انه لن تستقيم أيّة تركيبة لهذا المجلس في غياب عدول الاشهاد، او غيرهم من العائلة القضائية. تركيبة المجلس الاعلى للقضاء، جاءت نتيجة وجود لوبيات سياسية داخل مجلس نواب الشعب، تساند وتدعم قطاعات على حساب قطاعات اخرى، فإن لم يكن لك «لوبي»، فأنت مقصيّ، واليوم نجد أنفسنا بلا تقاليد في عملنا السياسي، والتاريخ لن يرحم من يمارس الاقصاء. ما هو تقييمك لمشروع قانون المجلس الاعلى للقضاء؟ - قلت في العديد من المناسبات، ان هذا المشروع، جاء نتيجة لتراكمات تاريخية افرزت عدم توازن كلي في التركيبة، فقد سعى النظام السابق الى تقسيم وتفرقة القطاعات المتدخلة في المنظومة القضائية، تحت عقلية «فرّق تسد»، ولم يحاول بتاتا في أيّة مناسبة ان يجمع هذه القطاعات على طاولة واحدة، أو أن يصنع لحمة بينها، علما وأن اجتماعها وتوحدها، كانا سيخلقان قطبا قويا، أو جبهة، يمكن لها أن تتصدى وان تجابه امتداده وتسلطه وديكتاتوريته. فتوازن المنظومة القضائية يؤدي ضرورة الى اسقاط الانظمة الدكتاتورية، وبالتالي كان يسعى الى تهميش القطاعات، وتفرقها، مما يضعف وحدتها، ومطلبيتها، واليوم، بعد الثورة، نجد ان سياسة التهميش مازالت متواصلة، وعقلية التفرقة مازالت قائمة، وذلك نظرا لما نشهده اليوم من تجاذبات بين أهل القطاعات، وعدم قبولهم لفكرة التوحد، والجلوس على مائدة واحدة من اجل النظر في جميع زوايا المنظومة القضائية، رغم اني كنت اول المنادين بإنشاء «المجلس الاعلى للعدالة»، يضم كافة القطاعات المتدخلة في الشأن القضائي، يعمل على دراسة جميع القوانين وحل الاشكالات التي تطرأ من حين الى اخر بين القطاعات او حتى بين الاشخاص، لكن للأسف، لم يقع مساندة هذه الفكرة، لوجود عقلية المطلبية، ونظرا لمصلحة كل قطاع. وأنا أرى أنّ المجلس الاعلى للقضاء لن يكون له مستقبل، نظرا لكونه بني اساسا على الاقصاء، ولكون مشروع القانون المنظم له، كان فيه انقلاب على المضامين الدستورية، وانقلاب على حق قطاعات في التواجد وفي تقرير مصيرها المهني. كنتم عضوا في الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والانتقال الديمقراطي، لو تُقيّم لنا تلك التجربة؟ - اولا أعضاء الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والانتقال الديمقراطي، هم الوحيدون الذين عملوا مجانا، دون المطالبة بأجر، رغم أن الموضوع طرح ، وهذا افتخر به كثيرا، خاصة وان البعض من نواب المجلس الوطني التأسيسي طالبوا بمنحة التقاعد، في حين ان البعض من هيئتنا ضحوا، بأعمالهم، ومصالحهم، ومكاتبهم، بإعتبار أن الجلسات، كانت صباحية ومسائية، وقد طرح موضوع المنحة، ولكن أغلبيتنا رفضوا ذلك، رغم وجود عديد من الاعضاء الممثلين عن الجهات عاطلين عن العمل، نظرا لإيماننا بقداسة عملنا. كانت الهيئة أول منبر ديمقراطي، يقع تبادل وجهات النظر فيه، نظرا للحدة في المواقف، كنت في الايام الاولى منبهرا، بإعتبارها اول تجربة ديمقراطية ابان الثورة، دون اي خوف من أيّة مساءلة، قد تحدث في وقت لاحق. وصلب الهيئة، صادقنا على العديد من مشاريع القوانين الأساسية، والتي تهم الجمعيات والانتخابات، وإقرار مبدإ التناصف داخل المجالس النيابية، واهم ما كان يميز الهيئة هو التنوع الذي كان يتخللها، والاطياف السياسية التي اثرتها. هناك مشروع لانشاء نقابة لعدول الاشهاد؟ - لقد اتصلت بي العديد من الاطراف المعروفة بمصداقيتها وإشعاعها في المهنة وعرضت عليّ إنشاء نقابة مهنية، تابعة لإتحاد الصناعة والتجارة، وانا بصدد دراسة هذا المشروع، علما وأنّني لا أعارض المبدأ، باعتبار وأنّي متأكد أن الفكرة ستكون إثراء للمشهد وركيزة جديدة قد تساهم في النهوض بقطاع عدالة الاشهاد، خاصة وإنّي أعرف أن القائمين على هذا المشروع هم من خيرة ابناء المهنة وبناتها، الذين يسعوون الى النهوض اقتصاديا وماديا واجتماعيا بعدل الاشهاد، ومهما تعددت الجهات، ستكون الغاية دوما إنقاذ المهنة من التهميش، التي باتت كالديناصورات، يهددها الانقراض. هل ستكون النقابة في علاقة بالغرفة، أم منفصلة عنها؟ - ستكون العلاقة بين نقابة عدول الاشهاد والجمعية الوطنية لعدول الاشهاد تكاملية، للدفاع عن مصالح مشتركة، وهي مصلحة عدل الاشهاد في تونس والنهوض به وبالمهنة لبلوغ المعايير الدولية، وليصبح فعلا عدل الاشهاد في تونس عنوانا للأمن التعاقدي، وعنوانا لقاضي السلم، وللقاضي الوقائي، لأن العالم أصبح في ظل الازمات الاقتصادية يؤمن إيمانا راسخا بالحجة الرسمية او الحجة العادلة، كأداة أساسية للقضاء على تبييض الاموال والعقارات، في ظل بلد ينخره الفساد والإرهاب. كلمة الختام - اكبر مكسب لبلادنا بعد الثورة، هو حرية الإعلام، وأرجو أن تواكب بقيّة القطاعات هذه النقلة النوعية، وخاصة قطاع القضاء، وعائلته الموسعة، بإعتبار انه لا يمكن ضمان الاستثمار أو ضمان حقوق الإنسان، بلا قضاء عادل وعائلة قضائية متماسكة، ومنها عدالة الاشهاد التي بات من المتأكد ضرورة النهوض بها، نظرا الى امكانية ان تكون درعا واقيا لإقتصاد بلادنا من مخاطر تبييض الاموال والعقارات، والقضاء على الفساد.