إن كان يمكن تقييم الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة الحبيب الصيد أول أمس تحت قبة البرلمان من مختلف جوانبه السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الإيديولوجية، فإن أهم ما يميز هذا الخطاب هو جدلية الحزم والمكاشفة. خطاب الصيد وإن بدا مطمئنا في ظاهره، فقد كان واضحا وصريحا وقويا، حيث ظهر رئيس الحكومة ولأول مرة منذ تسلمه السلطة صارما وماسكا بخيوط اللعبة السياسية إن صح هذا التعبير، إذ كشف الصيد المطبّات التي تعرضت لها حكومته وتحدث عن التركة الثقيلة أمنيا واقتصاديا و اجتماعيا التي ورثها عن الحكومات السابقة. و أكد الصيد أن الصعوبات موجودة بل جمّة وأن الإنجازات كذلك موجودة وأنها ستتواصل في حال تم تفعيل الهدنة الاجتماعية والتزم الجميع بالعمل والإنتاج وبعض الصبر خاصة حتى يتسنى تحقيق التنمية ومحاربة الفقر وغيرها من الأهداف التي اعتبرها مشروعة لكنها تحتاج إلى توفر المناخ المناسب لتصبح واقعا عوض تشتيت الجهود في معالجة الإضرابات القطاعية والاحتجاجات الشعبية. لا لرجل المطافئ رئيس الحكومة أوحى لنا بأنه لا يجب أن يلعب دور رجل المطافئ بين الحين والآخر لحلحلة الإشكاليات الاجتماعية مؤكدا أنه مهما كانت مشروعية المطلبية الاجتماعية فإن ملف مكافحة الإرهاب يبقى أولوية قصوى وعاجلة في عمل حكومته وبالنسبة لكل التونسيين لأن التشغيل والرفاه الاجتماعي لا يتحققان إلّا بتوفر الأمن والإستقرار. إنجازات أمنية و ذكر في ذات الإطار بأن حكومته حققت إنجازات أمنية لا تخفى على أحد من خلال تفكيك عديد الخلايا والشبكات الإرهابية والقبض أو القضاء على عدة عناصر إرهابية مضيفا أن استراتيجية مكافحة الإرهاب تحولت من مرحلة رد الفعل والدفاع عن النفس إلى مرحلة استباق العمليات الإرهابية، وبالتالي تم تحقيق نوع من الاستقرار الأمني في البلاد كان مفقودا خلال السنوات الأخيرة. مناعة تونس خط أحمر الصيد أكد كذلك في نبرة وعيد وتحذير أن «مناعة تونس واستقرار الدّولة ووحدة شعبها خطّ أحمر لا يمكن تخطّيه». وشدد على أن حكومته « ستتحمل مسؤولياتها كاملة في التصدي لكل تهديد للوحدة الوطنية واستضعاف للدولة واستهداف المسار الديمقراطي». رسالة مشفّرة للساعين للفتنة وتطبيق القانون بكل حزم و شدد في رسالة مشفرة على أن الأطراف الساعية إلى نشر الفتنة والفوضى في الجنوب مكشوفة ومعلومة لديه وإن لم يسمها مضيفا أن لا أحد فوق القانون وأن القانون سيطبق على الجميع وبكل حزم. لا لإضرابات الأجندات وأوضح الصيد في خطاب الصراحة أن « تعدّد الإضرابات العشوائية وغير المؤطَّرة يثير التساؤل حول خلفيات هذه الانفلاتات وأجندات الذين يقفون وراءها. وتابع بأنه لا «يُمكن قَبولَ بأيّ حالٍ من الأحوال الاضرابات العشوائيّة وتعطيل حرّية العمل» محذرا من خطورة توظيف هذه الإحتجاجات لتخريب المنشآت الوطنية والاعتداء على مقرات السيادة التي تُسهل اندساس الإرهاب أو تسربه من الجبهة الليبية الخطر الداهم والجاثم الذي يهدد أمننا القومي. ضعف الدولة يساوي الاستعاضة عنها بدولة الفوضى و أكّد الصيد أن « ضعف الدولة يعني الاستعاضة عنها بالتنظيمات الموازية والعصابات المنظمة واستشراء الفوضى، مبينا أن «ضعف الدولة يعني فقدان الأمان وانكماش الاستثمار وتفاقم البطالة والخصاصة الاجتماعية». تونس موحدة وليست قابلة للتجزئة و قال رئيس الحكومة منبّها بأن «من يشعل نيران الفتنة لا يمكن أن يطفيها» مؤكدا في رسالة مشفرة ثانية إلى الجهات الساعية إلى ضرب وحدة التونسيين وتقسيمهم بين تونسيي الشمال وتونسيي الجنوب، أن «تونس بلد موحد غير قابل للتقسيم والتجزئة بأي شكل من الأشكال». الدولة لن ترضخ لمحاولات لي الذراع و شدد الصيد في حوار الجرأة والمكاشفة والحزم على أن الدولة لن ترضخ لمحاولات ليّ الذراع التي يريد تكريسها البعض بإعلانه ولأول مرة وبلهجة صارمة بأن حكومته « لن تقبل بالإبتزاز ولن تسمح بالفوضى والتطاول على القانون من أي طرف كان». هيبة وكيان الدولة مسؤولية الجميع الصيد حمّل كذلك مسؤولية ترسيخ أركان الدولة وترسيخ مؤسساتها وتدعيم هيبتها وتفادي كل ما من شأنه تعطيل دواليبها وإرباك أدائها لجميع الأطراف من مواطنين ومجتمع مدني ومنظمات نقابية وأحزاب وأطراف سياسية بعينها موجها نداء واضحا إلى الجميع بضرورة تغليب المصلحة العليا للبلاد وعدم التلاعب بالأمن القومي لتحقيق مآرب شخصية أو سياسية ضيقة ملمحا بأن فتيل الفتنة إن اشتعل سيحرق الجميع مبيّنا بصوت عال أن «من يشعل نيران الفتنة لا يمكن أن يطفيها». تخطيط للمستقبل في المقابل، لم يكتف الصيد بكشف الصعوبات التي تعترض حكومته كما لم يكتف بعرض ما تحقق من إنجازات في ال100 يوم من عمل حكومته، بل تعدى كل ذلك لرسم مخططاته للمرحلة المقبلة في تكريس الإصلاحات الهيكلية والقطاعية في مختلف المجالات بهدف تحقيق الأهدف المرجوة من تنمية وتشغيل واقتسام الثروة. وأخيرا العصا لمن عصى في كلمة جاء خطاب الصيد ولأول مرة منذ تولّيه الحكم مشخصا للواقع التونسي في مختلف تشابكاته وتعرجاته وملوّحا بالوعد والوعيد في آن معا في رسالة مضمونة الوصول للجميع مفادها أنه على كل طرف تحمل مسؤولياته في حماية البلاد من مخاطر غير مسبوقة تتهددها ومن لم يفهم الرسالة فنصيبه المثل الآتي: «العصا لمن عصى».