1 - التبنّي وإلغاء واجب الطّاعة بقلم محمد شلغوم - محام ان القرارات المصيرية والخطوط السياسية العريضة لا يمكن ان تبنى على عاطفة او ارتجال كما لا يمكن ان تقرر وتنفذ بعينين مغمضتين واذنين مغلقتين وعقل معطل . ان مصير الشعوب مهمة يقوم بها الشعب كله وبكل مكوناته ويرعاها بكل عناصره وطاقاته ويتابع الجميع تلك المسيرة لدعمها وترسيخها واصلاح مواطن الخلل فيها وتعديل المسيرة والاتجاه كلما اشارت البوصلة الى وجود انحراف ولو بسيط في خط السير قد يبعدنا عن نقطة الوصول المنشودة واذا كان الامر كذلك فماذا حصل عندنا مع مجلة الاحوال الشخصية ؟ هذه المجلة تم سنها على عجل بمقتضى امر رئاسي في 13 اوت 1956 أي بمقتضى ارادة فردية لشخص رئيس الوزراء الزعيم الحبيب بورقيبة انذاك الذي فرض على الباي الضعيف محمد الامين الاول اصدار ذلك الامر وبذلك كانت تلك المجلة الوحيدة الصادرة بمقتضى امر في عهد الاستقلال رغم اهميتها واهمية التحول التشريعي الذي جاءت به ، ومنذ ذلك الوقت التصقت المجلة ببورقيبة وليس بالباي الذي صدر الامر باسمه . صحيح ان المجلة صدرت بفكر اصلاحي نير وبهدف تخليص المراة التي تمثل اكثر من نصف الشعب من الوضع المتردي والظلم الذي كانت ترزح تحته لكن لا بد من التصريح بان صدورها كان برغبة شخصية فردية من الزعيم الحبيب بورقيبة ولم تكن تحت الحاح شعبي جامح ومطلب شامل . لذلك كانت تلك المجلة شأنها شأن كل الاعمال البشرية وخصوصا تلك الاعمال الفردية التي لم تحض بدراسة عميقة كافية مع ما فيها من جرأة وشجاعة في ذلك الوقت لا تخلو من سلبيات ونواقص كان بالامكان تفاديها . الا انه ونظرا للهالة الكبيرة التي احيطت بها تلك المجلة واعتبارها جزءا من شخصية من اصدرها ومن تاريخ نضاله وانها هي التي حررت المراة ولولاها لما تحرر النصف الاخر من المجتمع فقد حصل نوع من الرهبة في مناقشة تلك المجلة ومقتضياتها ونقد بعض جوانبها السلبية بل ان الذي حصل هو العكس أي حملة من التهليل والتمجيد والتطبيل حتى اصبح اسم تونس مرتبطا بتلك المجلة فزاد الخوف من التعرض لها باي نقد مهما كان بنّاء وكان الاتجاه الوحيد المسموح به في العقلية السياسية الشعبية هو المزيد من المكاسب للمراة عبر المجلة ولا شيء غير ذلك اما الحديث عن اصلاح النواقص او التراجع عن بعض المقتضيات متى ظهرت نتائجها السلبية على المراة او على العائلة وبالتالي على المجتمع فهذا غير مباح اجتماعيا وخصوصا نسائيا . ولقد قرات في بداية سنوات التحول مقالا يتيما لاحد المحامين بعنوان (مجلة الاحوال الشخصية البقرة المقدسة) حسبما اذكر وكنت انذاك اتوقع ان يثير المقال نقاشا وطنيا على جميع الاصعدة القانونية والاجتماعية وحتى الدينية لكن يبدو ان السلبية والخوف طغيا على اصحاب الاقلام فلم يحرك احد ساكنا لذلك اردت ان اطرح مرة اخرى الموضوع للنقاش علّنا نصل من خلال تلاقح الافكار ومقارعة الحجة بالحجة (دون تهجم انفعالي) لما فيه خير المراة والرجل معا وخير العائلة والمجتمع وفي النهاية خير تونس التي تبقى هدفنا جميعا . وللبدء في هذا النقاش فاني اكتفي بطرح المشاكل والعناصر المرشحة لتكون محورا للنقاش ولا يعني هذا انني سآتي على جميع فصول المجلة ونواقصها ولكني سأركز على بعضها الاشد الحاحا حسب رايي ولتكن الاسبقية لغيري في عناصر اخرى . وهذه العناصر هي: 1) التبني: هذا الموضوع لئن كان في ظاهره قد جاء لحل مشكلة الاطفال مجهولي النسب الذين كانوا يسمون باطفال بورقيبة فانه لا بد لنا الآن وبعد قرابة نصف قرن ان نقف وقفة تامل بشان هذا الموضوع سواء من الناحية الدينية حيث يتفق جميع العلماء والمذاهب على عدم جوازه او من الناحية الاجتماعية وذلك بدراسة عميقة متأنية وشاملة لحالات التبني ونتائجها على اصحابها وخصوصا عندما يكبر المتبنى ويكتشف انه لا ينتمي للعائلة التي يحمل اسمها وانه تم الكذب عليه بادعاء بنوته للابوين المنسوب اليهما فينقم على نفسه وعلى كل محيطه الذي اخفى عنه الحقيقة . والحالات المأساوية عديدة واعرف العديد منها وقد عالجت بعضها ولكن الموضوع يبقى محتاجا الى مراجعة اكيدة وعاجلة واقترح العودة الى الحل الاسلامي وهو «فان لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم» (سورة الاحزاب الاية 5) وذلك بتطوير نظام الكفالة المنظم بالفصول من 3 الى 7 من القانون ع27دد لسنة 1958 المتعلق بالولاية والتبني . 2) إلغاء واجب الطاعة : لقد كان الفصل 23 من المجلة ينص على طاعة الزوجة لزوجها في شؤون الزوجية ثم حذف ذلك الواجب ليحل محله التفاهم . ان ذلك التنقيح جعل السفينة العائلية بلا ربان فكل اعوان السفينة لهم صفة الربان وعليهم ان يتفقوا . لكن ما الحل اذا لم يتفقوا ؟ عليهم ان يتفقوا وكفى ! لكن اذا لم يتفقوا هل تذهب السفينة الى قاع البحر ام لا بد من ربان يكون له القرار الاخير؟ هذا ما لم يستطع الفصل 23 في صيغته المنقحة الاخيرة الإجابة عليه وبالطبع فان الطاعة لها بعدان: بعد اجتماعي له تاثير على استقرار العائلة ومستقبل الابناء وبعد ديني . والى متى نهمل العنصر الديني وخصوصا بعد الثورة المباركة والعودة إلى قيم الحرية والكرامة والمشاركة في الحكم بين الحاكم والمحكوم دون تسلط ولا علوية ولا اسقاط للقرارات الجاهزة . وهذا ما نتركه لعلماء الدين وعلماء الاجتماع ليفتونا في المسألة. واذا راى البعض ان الطاعة قيمة دنيوية وليست واجبا دينيا ولم تعد ضرورية بعد ان تعلمت المراة واصبحت عنصرا فاعلا في المجتمع تنعم بالمساواة الكاملة مع الرجل فعندئذ علينا ان نطبق قواعد الشركات التجارية والجمعيات في انتخاب رئيس واذا تساوى المترشحون للرئاسة في الاصوات فاننا نرجح كفة من كانت له اعلى الشهادات فان تساووا نرجح الاكثر مالا ( اسهم) فان تسووا نرجح الاكبر سنا وربما نصل في النهاية الى الاقوى بنية وعضلات . لكن المهم ان نسد الفراغ الحالي ونرفع الظلم عن ذلك الزوج المسكين الذي لم يبق له من رئاسة العائلة سوى الناحية المادية فقط في واجب الانفاق المحمول عليه اساسا ، اما في غير الانفاق فهو ليس رئيسا وبذلك تكون رئاسته مالية وفي اتجاه واحد فقط ودون مقابل . يالها من مفارقة عجيبة ان تكون المجلة التي حررت المراة هي نفسها التي تجعل الرجل خادما طيعا وبقرة هولندية حلوبا عليه ان يعمل ويكد ويجلب المال للعائلة اما ما كان سوى ذلك فمسالة فيها نظر .