ما حقيقة «صناعة الشر».. وما علاقة الأعشاب بالشعوذة؟ العجز الجنسي أول أسباب إقبال الرجال على الأعشاب تحقيق : سنيا البرينصي يعتبر «سوق البلاط» الواقع في قلب مدينة تونس العتيقة أشهر سوق لبيع الأعشاب الطبية في البلاد، فجولة صغيرة بين أرجاء المكان العابق بالأسرار و الغموض تعيدك إلى زمن الأساطير و اللاهوت، و لا غرابة، فهناك تنشط تجارة الأعشاب بزخم رهيب صباحا مساء و يوم الأحد وهو ما يعكسه ازدحام المواطنين اللافت خاصة من كبار السن و النساء على عتبات المحلات المترامية هنا طلبا للشفاء من أمراض و أدواء مستعصية وقف الطب أمامها عاجزا وفق تقديرهم. هذا جاء بحثا عن دواء ناجع للبروستات و ذاك يروم الشفاء من العجز الجنسي، و آخر أرّق حياته البوصفير و ضغط الدم فقطع المسافات الطويلة من داخل الجمهورية نحو السوق، عله يجد مبتغاه. و بين هذا و ذاك نساء و فتيات من مختلف الأعمار يبحثن عن «الروامة» و «عرق تبعني» و غيرها من الأعشاب التي يعتقدن أنها ناجعة في تسهيل «المكتوب» و فك طلاسم عقدة تأخر سن الزواج، و غير بعيد عن هذا المنحى، تتجول طوابير من الناس بين محلات السوق بحثا عن «الحية و الميتة» أو «أم البويا الحية» التي تفك السحر الأسود و تحصن من يأكلها ضدّه وفق ما يعتقد البعض. المعهد الحفصي على نحو بضعة أمتار من أحد المحلات المتخصصة في بيع الأعشاب الطبية، علّق بائع ملابس على الموضوع بقوله:« إن تجارة الأعشاب الطبية هي التجارة الوحيدة بالمدينة العتيقة التي حافظت على درجة رواجها و عدد زبائنها، مؤكدا أن الإقبال على شراء أعشاب سوق البلاط منقطع النظير و لم يشهد كبوة كغيره من القطاعات الأخرى خلال السنوات الأخيرة، بل إن عدد مرتاديه تزايد. «التونسية» و في جولة ميدانية بسوق البلاط ، حاولت فك شيفرة تجارة الأعشاب المتأصلة في الحقيقة في التاريخ و الهوية بحكم عراقة و أصالة هذه السوق التي يرجع العلماء تاريخ ظهورها إلى العهد الحفصي أو الحسيني رغم أنه لا يوجد اتفاق بين العلماء حول تاريخ ظهور هذه السوق وتحديدا، تحدثت إلى عدد من التجار و كذلك مع عدد من المواطنين في الريبورتاج التالي: تحضير الأعشاب الحاج محمد وهو مختص في بيع الأعشاب الطبية قال إنه يعمل في هذا الميدان منذ 48 سنة، مضيفا أنه امتهن هذه الحرفة التي يحبها كثيرا منذ سنوات الصغر. و تابع بأنه يقوم بتحضير الأعشاب بنفسه للزبائن الذين يتوافدون على محله بغاية البحث عن علاج للأمراض المستعصية كالسرطان و الروماتيزم و البوصفير و موانع الحمل و غيرها. و لاحظ أن محله يعرض الأعشاب الطبية بالتفصيل و الجملة و أن زبائنه من كل الفئات الإجتماعية ، فبينهم البسطاء و الأغنياء و بينهم المتعلم المثقف وغير المتعلم و محدود المستوى الثقافي أيضا، مبينا في الإطار نفسه أن عددا من النساء و الفتيات يتوافدن على محله كذلك لإنهاء العراقيل التي تقف حاجزا دون الزّواج وفق اعتقادهن. و أشار الحاج محمد إلى أن الأعشاب الطبية جيّدة و شافية و لكن يبقى كل ذلك رهن الإرادة الإلهية و رهن نوايا الزبائن و توفر إرادة الشفاء لديهم، مؤكدا أن العامل النفسي يلعب دورا محوريا في هذا المجال. «روامة الغزالة» و عن الأعشاب الطبية التي تطلبها النساء و الفتيات لجلب الحظ أو العثور على زوج، أوضح الحاج محمد أنها عديدة، منها «عرق تبعني» و «الحب استحباب» و «روامة الغزالة» و «روامة الناقة» و غيرها. مستطردا أن الرجال كذلك يأتون إليه بحثا عن وصفات أو أعشاب تستعمل لجلب الرزق ؟ الأمراض المستعصية في الصّدارة الحاج الصادق وهو بائع متخصص في بيع الأعشاب الطبية بدوره أشار إلى أن كل الفئات الاجتماعية تقصد محله بحثا عن الأعشاب الطبيعية المداوية من الأمراض، مؤكدا أن الطلبات على أعشاب علاج الأمراض المستعصية تحوز على نصيب الأسد من مجموع طلبات زبائنه. كما بيّن أن محله بمثابة الصيدلية التي تؤمها كل الشرائح الإجتماعية بحثا عن الشفاء، مضيفا أن كل الأعشاب الطبية متوفرة في «صيدليته الطبيعية» لعلاج أمراض المعدة و الروماتيزم وعديد الأمراض الأخرى، مبيّنا أن هناك العديد من كبار السن يزورون محله بحثا عن حلول لأمراض الروماتيزم و كذلك الفتيات اللاّتي تقدمن في السنّ بحثا عن الزواج. حلم الزواج يتحقق و أكد في الأثناء أن بعض حريفاته عدن لزيارته، ليخبرنه بأنهن تزوجن بعد استخدام الأعشاب ومن بينها عشبة «الشنغورة» التي تستعمل لفك التعطيل و علاج مرض السكري. و أضاف في ذات الصدد أن «الشنغورة» تستعمل كشراب أو يتم الإستحمام بها لتحقيق «المكتوب المعطل» . أسعار هزيلة و عن أسعار هذه الأعشاب، أفاد محدثنا بأنها زهيدة و في المتناول و أن هناك أعشابا تستخدم في علاج السرطان ب 500 مليم فقط، معقّبا بأن أغلى وصفة طبية لا تتجاوز 50 دينارا كسقف أعلى، منهيا كلامه بأن «الشافي يبقى الله في النهاية». حسين وهو حريف التقيناه و هو بصدد الدخول إلى أحد المحلات التي تبيع الأعشاب الطبية، أخبرنا بأنه قدم إلى سوق البلاط بحثا عن دواء «الأوميغان» الذي يستعمل لعلاج الروماتيزم، مبينا أن هناك من نصحه بالتوجه الى سوق الأعشاب الطبيعية لعله يشفى من مرضه. و استطرد أنه يريد أن يجرب التداوي بالأعشاب حتى ينتصر على المرض. في المقابل اعتبر كمال (شاب) أن القطاع طافح بالتحيل و الغش، و أن هناك من يستخدم الأعشاب الطبية في السحر و الشعوذة و إلحاق الأذى بالناس. و أشار إلى أن هناك عرافة مشهورة تعتلي المنابر الإعلامية لتقول إنها تشفي من الأمراض الخطيرة و تزوج الفتيات بمبالغ مادية زهيدة والحال أنها تخدع الناس لأن من يذهب إلى محلها يصدم بأسعارها النارية و كذلك بدجلها. و أكد أن أمثال هذه العرافة كثيرون وكثيرات يمتهنون فقط التحيل على المواطنين و خاصة البسطاء. دخلاء مواطن ثان رفض تصويره، أجاب عن سؤالنا بأن أغلب زوار سوق البلاط يأتونه بغاية الحصول على وصفات لإلحاق الأذى بالناس و خاصة فئة النساء. أما بدر الدين الفورطي وهو اخصائي في بيع الأعشاب الطبية فقال إنه توارث هذه المهنة أبا عن جد. وأكد اأن كل الأصناف الإجتماعية تزو ر محله بحثا عن العلاج من الأمراض المستعصية، مضيفا أنه عالج وبواسطة أعشابه الطبية فتاة أصيبت بمرض السرطان. كما اعتبر أن الدخلاء اقتحموا قطاع التداوي بالأعشاب، موضحا أن بعض التجار لا يتقنون طرق تحضير الوصفات الطبية في هذا المجال و تنقصهم الخبرة اللازمة خاصة في تحضير خلطات الأعشاب الطبيعية التي يطلبها الحرفاء.و أعقب بدر الدين أن محله يستقبل معدل 8 نساء يوميا بحثا عن أعشاب و بخور لتسهيل الزواج و الحمل، مضيفا أن أغلب الحشائش التي يكثر عليها الإقبال في هذا الخصوص هي «بخور الصالحين» و «بخور الجلب» التي تجعل حلم الحصول على زوج قابلا للتحقيق في ظرف 40 يوما حسب اعتقاده. و أكد محدثنا أن عددا من الرجال يقصدون محله بغاية الحصول على وصفات عشبية طبية تمكنهم من الشفاء من العجز الجنسي. شعوذة سمير (مواطن) أشار من جانبه إلى أن أغلب حرفاء سوق البلاط هن من النساء اللاتي يأتين بهدف الإضرار بالآخرين و خاصة النساء اللواتي يمتهن السحر و الشعوذة.و أضاف سمير أن في القطاع إخلالات عدة في الأسعار و جودة المنتوج لأن الباعة هم من يقومون بتحضير الوصفات الطبية بأنفسهم معتبرا أن النساء الوافدات على هذه السوق يمتهن «صناعة الشر» .