رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستُحدد لاحقًا وفق العرض والطلب    بالفيديو: رئيس الجمهورية يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها    قيس سعيد يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها (صور + فيديو)    "نحن نغرق".. سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم جوي (فيديو)    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    كيف سيكون طقس الجمعة 2 ماي؟    طقس الجمعة: خلايا رعدية مصحوبة أمطار بهذه المناطق    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    الرابطة الأولى (الجولة 28): صافرتان أجنبيتان لمواجهتي باردو وقابس    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباحث أنس الشابي ل«التونسية»:«قانون التوبة» يعني تهريب الإرهابيين إنقاذا من العقاب
نشر في التونسية يوم 02 - 10 - 2015


تونس تعرّضت إلى مؤامرة
لا الحكومة حكومة... ولا معارضتها معارضة
دور «النداء» التاريخي انتهى قبل أن يصبح حزبا
حوار: أسماء وهاجر
مازالت التساؤلات مطروحة ونحن نقف على افرازات الائتلاف الحكومي - الذي حقق كما قيل تقاطع «الخطان المتوازيان»- حول مدى نجاح هذا الائتلاف في إعادة تركيز فعلي وحقيقي لمدنية الدولة خاصة بعد «زوبعة» إقالة عدد من الأيمّة واتهام وزارة الشؤون الدينية ب«التغوّل». أين المعارضة بعد أن صعدت أهم الكتل الحزبية للحكم... ماذا قدمت؟ هل كانت في مستوى اللحظة أم اكتفت بجعجعة ولافتات دون طحن؟ وأين «الدساترة»؟... في أي موقع يتمترسون؟ هل فشلوا في التوحد أم أن وراء تشتّتهم إقصاء «بفعل فاعل» رغم محاولات التظلل بهويتهم من قبل عديد الأطراف؟وهل توفقت الديبلوماسية التونسية في تلميع صورة البلاد بالخارج بعد اتهامات بالمشاركة في المحرقة السورية؟ وماذا عن الباجي قائد السبسي؟ هل حافظ على رمزيته بعد ممارسته الحكم؟ هذه بعض محاور حوار «التونسية» مع الباحث في التاريخ والأستاذ الجامعي أنس الشابي.
أحزاب «انقرضت» وأخرى بصدد التفكّك ماذا يمكن أن ينتج المشهد السياسي بعد كل هذا المخاض وهل من سبيل مثلا لتموقع فاعل للدساترة؟
بعد أربع سنوات من «يوم البرويطة» (في إشارة إلى حادثة انتحار محمد البوعزيزي) أنتج لنا المشهد السياسي جسما يسمّى حزب حركة «النهضة» وحوله جملة من الكائنات والشخصيات التابعة له وفي المقابل نلحظ أشتاتا من التنظيمات الميكروسكوبية والشخصيات المنفلتة تنتسب إلى اليسار بمختلف مدارسه وإلى الحزب الحاكم سابقا وكلّها يحاول الدفاع عن مكتسبات الاستقلال ولكن يعوقها عن التوحّد أساسا الأنا المتضخم لدى قياداتها وتبعيتها علنا أو سرا لحزب حركة «النهضة».
أحد الديبلوماسيين أكد أن اقصاء الدساترة كان بقرار خارجي ؟
بصرف النظر عمّا قيل، الثابت أن تونس تعرضت إلى مؤامرة كبرى استهدفت تخريب الدولة وإضعافها وشلّ مؤسّساتها السيادية وتمثل ذلك في اتخاذ جملة من الخطوات من بينها حلّ الحزب الحاكم وإلغاء أجهزة المخابرات والتصرف في القيادات الأمنية عزلا وتقاعدا وطردا وتحويل وجهة وتنحية العُمَد وحراس الغابات وكل الأعين التي كانت الدولة ترى بواسطتها ما يحدث لتصبح بذلك أرضنا مستباحة.
ما رأيك في نفي أي وجود للمعارضة بتونس والقول بأنها كانت تستمد وجودها من التباكي من بن علي ؟
قبل 14 جانفي لم تكن هناك حياة سياسية سليمة حكما ومعارضة. فبالنسبة للحكم لم يكن يحسن اختيار حلفائه في الداخل فتجده يقصي بشدة كل من يبدي اعتراضا أو نقدا لهذا المسؤول أو ذاك لتضيق دائرة الذين يُفترض أن يكونوا مساندين وحزاما له وفي نفس الوقت يقرّب الخصوم الأبديِّين للنظام من ذلك أنه استعدادا للانتخابات الرئاسية لسنة 1989 ذهب في ظن الحكم أيامها أن الاعتراض الوحيد على تجديد ترشح الرئيس سوف يكون من حزب حركة «النهضة» لذا تفتقت قريحة بعض المستشارين على ربط الصلة بالهاشمي الحامدي لأنه في تقديرهم سوف يشق حزب الحركة بمساندته وغيرها من الأوهام وقد روى لي من أثق فيه أن أوّل طلب للهاشمي تقدم به للرئيس أيامها هو تنحية أنس الشابي من وزارة الداخلية ترطيبا للأجواء بتعلة وجوده مفسدا للعلاقة مع حزب الحركة وأن الجامعيين لا يحتملونه... حكم بهذا الشكل لن يفرز إلا معارضة ديدنها اللهاث للحصول على المغانم... أحدهم تحوّل إلى معارض شرس لأنه لم يُعيّن مستشارا والآخر لأنه لم يُعيَّن سفيرا وهكذا دواليك، بعد كل هذا لا عجب إن وجدنا أن الذين وصلوا إلى الحكم بعد «يوم البرويطة» تعاملوا مع الوطن على أساس أنه غنيمة.
هل يمكن أن يمثل مشروع تكوين العائلة الديمقراطية الاجتماعية معارضة صلبة للائتلاف الحكومي ؟
الائتلاف الحكومي ضعيف وهذه العائلة أضعف منه وهناك مثل يقول «اتلم المتعوس على خايب الرجاء» فلا الحكومة حكومة ولا معارضتها معارضة.
تأسس «النداء» لينجز «الإصلاحات الضرورية» إلى ماذا تحيل في اعتقادكم الاصلاحات الضرورية؟
لم يتأسس «النداء» بعد ولم يتشكل في حزب أما الذي انتخبناه فلإقصاء حزب حركة «النهضة» من الحكم وهو الإصلاح الوحيد الذي طالبنا به ولكن للأسف نكص عن ذلك وولى الأدبار.
صالح «النداء» بين الثعالبي وبورقيبة وبن يوسف والدساترة وتمّت الإشارة إلى أن الثعالبي جدّ مشترك بين «النهضة» والدساترة أي معنى لهذه التركيبة ؟
هذه التركيبة لا يسندها لا علم ولا معرفة هي ابنة ساعتها، لمّا وجد الداعون إلى المصالحة أنفسهم بلا أي برنامج مستقبلي أو أداة للتواصل مع شعبهم لجأوا إلى الأسلاف ينتقون منهم بحسب ما هو رائج لدى العامة من تقييمات ساهم في صنعها الغباء والجهل المنتشر والعمل على توظيف أسماء بعينها في معارك اليوم، وكلنا يذكر تلك الحملة التي استهدفت تقديم صالح بن يوسف في صورة الداعية إلى العروبة والإسلام والحال أن الرجل لا يختلف عن الزعيم بورقيبة في إيمانه بالذاتية والشخصية التونسية التي صاغها التاريخ وعركتها الجغرافيا، اليوم نعيش نفس السيناريو مع الشيخ عبد العزيز الثعالبي الذي يقدّم في صورة الجدّ لأطراف إن تشابهت ففي جهلها بالرجل وبتاريخ الوطن، فالثعالبي الخطيب والكاتب والصحفي والرحالة والمؤسّس بكفاءاته وعلاقاته الخارجية أوسع من أن يكتفي بدور محدود في تونس لذا ارتحل بعد تأسيس الحزب وزار العديد من البلدان محاضرا ومشاركا في المؤتمرات ولم يعد إلى تونس إلا سنة 1937 بحيث كان الشيخ غائبا عن المعارك الوطنية طوال تلك الفترة وحتى بالنسبة للحزب الحر الدستوري فقد كان نشاطه بعد سفره محدودا للغاية لا يتجاوز حدود بلدة المرسى التي كانت تُسَمَّى مسقط رأس الحزب لأن أغلب قياداته من سكانها وبالنسبة للدساترة قد نقبل قولهم بأن الثعالبي جدهم باعتباره حائزا على شرف التأسيس أما بالنسبة لحزب حركة «النهضة» فجدّه البنا ووالده سيد قطب ولا علاقة له بتونس لا من قريب ولا من بعيد وذلك ما كتبوه في وثائقهم ومنشوراتهم.
ما رأيك في استغلال اسم الدساترة لإنشاء أحزاب وجمعيات آخرها منتدى العائلة الدستورية ما هي قراءتك للمسألة خاصة ان الدساترة تعرضوا إلى موجة من الشيطنة في بداية الثورة ؟
اليوم لا نكاد نعثر على من يصحّ وصفه بأنه دستوري لأن البلاد بعد السابع من نوفمبر عرفت تحوّلات كبرى من أبرزها أن الحزب الحاكم دُمِّر تماما خصوصا خلال العشر سنوات الأخيرة من حكم بن علي حيث أنه كان يتم تعيين مختلف القيادات الحزبية ببلاغات شأنها شأن الوظائف الإدارية كما أن الخطط السياسية العليا لم تعد وقتئذ تسند لاعتبارات حزبية بل تسند للولاءات الشخصية الأمر الذي أدّى إلى انهيار كامل للحزب ولا أدلّ على ذلك من «مظاهرة السيارات» ليلة 14 جانفي 2011، أليس غريبا أن يلاحظ اليوم المرء أن حزبا حكم البلاد طوال ستين سنة يعجز عن تقديم قيادي واحد يتكلم باسمه ويدافع عنه؟ ألا نتعجب لمّا نجد أن آخر أمين عام له يشارك في احتفالات «يوم البرويطة» وهو اليوم الذي سقط فيه حزبه؟ ثم ألا تصيبنا البهتة لمّا نجد أن بعض من اشتغلوا مع النظام السابق في المواقع الأولى هم اليوم مستشارون لدى أحزاب تحكم الساحة؟
باعتبارك باحثا في التاريخ ما هي هوية حزب «نداء تونس» ؟
«نداء تونس» ليس حزبا هو تجمع انتخابي يستهدف تحقيق مهمة واحدة هي المحافظة على مكتسبات الاستقلال والدولة خصوصا بعد أن عاين المواطنون الهجمة الجاهلية الجهلاء ل«الدواعش» على كل ما حققه التونسيون من مكتسبات في التعليم والأحوال الشخصية والإدارة والأمن والعلاقات الخارجية بحيث لم ينج أي مجال حيوي من تخريب لذا نهض منتفضا كل من شعر بالخطر المحدق بالوطن وساند من أبدى نيته في مقاومة هذا «الجراد» الذي كاد أن يأتي على الأخضر واليابس وقد كان الباجي قائد السبسي هو الشخص الذي اختارته الأقدار فالتف حوله الناس من مختلف التيارات والمذاهب ومكنوه من الفوز بالانتخابات ولكن ما حدث من تآلف بين «النداء» و«النهضة» فيما بعد أدى إلى تفكك هذه الجبهة فانفض المساندون وشرع المنتسبون داخل «النداء» في الاختصام على المناصب والذي يهمّني التأكيد عليه أن «النداء» انتهى دوره التاريخي بالتآلف قبل أن يصبح حزبا.
مسألة تحييد المساجد من بورقيبة إلى بن علي إلى أزمة الأيمّة مؤخرا... كيف تقرؤونها ؟
مصطلح تحييد المساجد مصطلح مغلوط لأنه يشير إلى أن مواقع القرار في الدولة متعدّدة بحيث يلجأ المرء إلى الدعوة إلى التحييد والحال أن المساجد شرعا وقانونا تعود بالنظر إلى الدولة التي تعيِّن الإمام وتتعهد أماكن العبادة بالرعاية والعناية والذي يحدث لدينا من سرقة للمساجد واختلاس للإمامة ناتج عن ضعف الدولة وهوانها وتجرؤ الساسة عليها ذلك أنّه إذا قدّرت الدولة أن بقاء المسجد أو الجامع مفتوحا يمكن أن يهدّد الأمن العام لها أن تغلقه. قال الإمام ابن عرفة فيما نقله عنه إمام الأمة وشيخها محمد الطاهر ابن عاشور في تحريره وتنويره: «وغلق أبواب المساجد في غير أوقات الصلاة حفظ وصيانة» وأذهب إلى ما هو أبعد إن استعصت هذه المساجد على الانصياع فتُهدم على من فيها لأن درء المفسدة التي هي اختطاف المسجد مقدم على جلب المنفعة التي هي الصلاة ومسألة المساجد المنفلتة لم يعرفها الوطن إلاّ بعد الثورة.
وإلى أي مدى نجحت «النهضة» في الظهور كحزب مدني غير دعوي ؟
الفصل بين ما هو دعوي وما هو سياسي فصل وهمي تروّج له الأحزاب الدينية، ففي المؤتمر التاسع لحزب حركة «النهضة» رُحّلت المسألة إلى المؤتمر العاشر ويروج هذه الأيام أنها ستُرَحَّل إلى ما بعد ذلك وفي تقديري أن الحديث عن مدنيَّة حزب الحركة تعني وجود حزب آخر مختلف تماما عن هذا الذي نعرف، وممّا يؤكد هذا الذي ذهبنا إليه موقف الحركة من قضيّتي المساجد والأيمة علما بأن مسألة الفصل الوهمي شاهدناها في مصر حيث أنشأت حركة الإخوان المسلمين ذراعها السياسي ممثلا في «حزب الحرية والعدالة» وثبت بالتجربة أن المرشد العام هو الحاكم الفعلي للحركة وللحزب حتى بعد أن أصبح رئيس الحزب الذي هو مرسي رئيسا للبلاد والسبب في ذلك يعود إلى طبيعة هذه الحركات فهي في الظاهر سياسية ولكن الانتماء إليها هو انتماء ذو بعد وأساس ديني يقوم على السمع والطاعة بعد أداء يمين البيعة والخلاصة أن السياسي يقوم على الحوار والنقاش والتنازل والاتفاق أما الدعوي فأساسه الاعتقاد ثم السمع والطاعة.
أشرت في إحدى كتاباتك الأخيرة إلى تغوّل وزارة الشؤون الدينية التي قلت إنّها أصبحت جهازا إداريا ضخما يفوق وزارات السيادة أهمية. ماذا تقصد بذلك ؟
بالعودة إلى القانون الأساسي الذي نشر في الرائد الرسمي وأعدّه نور الدين الخادمي نلحظ تكوين هيئة عليا يعيّنها الوزير تشرف على كل ما يتعلق بالشأن الديني بعيدا عن سلطة الدولة كما استحدث لها إدارات جهوية فضلا عن الترفيع في ميزانيتها وعقدها الاتفاقيات الخارجية دون عودة إلى السلطة المركزية وهو ما حدث مع حكومة بن كيران في المغرب وبطبيعة الحال بلادنا ليست في حاجة إلى كل هذه المصاريف فقد كان المشرف على الشأن الديني أيام الزعيم بورقيبة إدارة الشعائر الدينية فقط، ولكن نفهم أن هذا التغوّل مقصود حتى يتمكن حزب «النهضة» من العمل والانتشار من خلال نسيج وزارة الشؤون الدينية وبأموال المجموعة الوطنية.
ما رأيك في من يرى أن جواز فتح باب المصالحة الاقتصادية مع رجال أعمال مدخل لقبول مبدإ التوبة أو المصالحة مع الإرهابيين وذلك في نطاق قاعدة المساواة بين التونسيين ؟
فتح باب المصالحة الاقتصادية ضرورة ما دامت الجرائم مقتصرة على الأموال ولم يتمّ فيها الاعتداء على الذات والحرمة الجسدية ومن المحبّذ أن تشمل الفترة السابقة ليوم 14 جانفي 2011 فقط باعتبار أن الذين جاؤوا إلى الحكم بعد هذا اليوم من المفترض فيهم وفق ما وصفوا أنفسهم بأنهم ثوار وقدموا للمحاسبة ونشر الشفافية وحماية المال العام. أما بالنسبة للإرهابيين فلا مصالحة معهم لأنهم ذهبوا إلى البلاد الأخرى للذبح والقتل والترويع أي أنهم صنعوا ما صنعوا عن سابقية إضمار وترصّد وإعداد وتخطيط فضلا عن أن العدالة تقتضي معاقبتهم على الجرائم التي ارتكبوها في الأماكن التي حدثت فيها وكل حديث عن التوبة هو محاولة لتهريبهم إلى تونس للفرار من العقوبة فالذين ارتكبوا جرائمهم في سوريا يجب أن يعاقبوا في سوريا ونفس الشيء مع بقية البلدان ولا ننسى أن المحرضين يجب أن يحاكموا كذلك باعتبارهم فاعلين أصليين بجانب كل من ساهم في تدمير سوريا وتشريد شعبها، أما المساواة بين التونسيين فتكون في الحقوق والواجبات وليست في الجرائم.
هل يمكن أن نتحدث عن ثورة اصلاحية مع الائتلاف الحكومي على ضوء مردود بعض الوزراء ؟
ما يقوم به بعض الوزراء لا يتناول سوى تفاصيل التفاصيل وجزئيات الجزئيات التي هي من مشمولات التفقد الإداري وكل حديث خرج هذا الإطار «كعك ما يطيّر جوع».
وماذا عن السياسة الخارجية؟... هل توفّق حزب «النداء» في تجاوز هنات وأخطاء «الترويكا» ؟
لمّا تعود علاقاتنا مع سوريا إلى وضعها العادي عندها فقط نتحدث عن تجاوز الأخطاء.
باعتبارك تؤرخ لاهم الشخصيات التاريخية والأكثر تأثيرا من هي الشخصية اليوم التي يمكن أن تكون جديرة بالدرس ؟
الباجي قائد السبسي.
من أية زاوية يمكن ان يعتبر السبسي شخصية جديرة بالدرس ؟
لاعتبارات متعدّدة أهمها أن مسيرة الرجل تختصر مرحلة كاملة من تاريخ تونس بداية من الاستقلال وانتهاء بهذه الأيام ولا يجب أن يغيب عن أذهاننا أنه ساهم في دفع «النهضة» إلى التراجع المؤقت عن الكثير من أهدافها لأسباب خارجية وداخلية أحسن استغلالها. كل هذا بجانب أن مجرد عودته إلى الساحة السياسية منع حصر كل ما عرفته تونس من إنجازات ومكتسبات منذ الاستقلال في لفظ واحد هو «الاستبداد»، وأخيرا يمكننا أن نلاحظ أن سي الباجي يمتلك معجما لغويا سياسيا خاصا به هو في حاجة إلى الدرس عماده الآيات القرآنية والأمثال الشعبية والاستشهاد بأسلافنا وأخبارهم.
هل تعتقد ان الباجي قد احسن اختيار بطانته التي تحيط به في القصر؟
أعتقد أن مُعَيَّنِي الحاكم أيا كان إنما يختارهم بناء على التوجهات السياسية التي يصوغها، على هذا الأساس المحيطون بالرئيس اليوم هم من المنفذين لسياسته القائمة على التآلف.
وهل كان وفيا لما وعد به أم ان قدر تونس «براقش» بأسماء مختلفة ؟
الوفاء حكم أخلاقي وفي السياسة التقييمات مختلفة تستلزم مراعاة المستجدات والوقائع والحذر من الخيانات وفي المحصلة العبرة بالنتائج.
وما رأيك أخيرا في تضارب القرارات والمواقف بين أطراف الحكومة... هل هذا علامة فشل أم تلك سمة الائتلافات: كل يريد ان يغني على ليلاه ؟
لو كان هناك برنامج محدّد لهذه الحكومة لما حدث هذا الذي تفضلت به ولكن الجمع بين المتنافرات في سلة واحدة لا يفرز إلاّ الإخلالات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.