حمل مشروع مجلة الاستثمار في صيغتها المحيّنة والمعدلة من حكومة الحبيب الصيد العديد من الإجراءات والقرارات الهامة التي ستقطع جذريا مع العديد من الممارسات في مجال الاستثمار بتونس وتؤسّس لمرحلة جديدة ترغب من خلالها الحكومة في الدفع بصفة قوية في نسق الاستثمار واستحثاث إحداث مواطن الشغل وإطلاق حرية المبادرة الاقتصادية وتخفيف القيود الإدارية عن المستثمرين التونسيين والأجانب. وتهدف المجلة التي جاءت في 25 فصلا وتحصلت «التونسية» على نسخة منها، إلى النهوض بالاستثمار وتشجيع إحداث المؤسسات وتطويرها تجسيما لأولويات الاقتصاد الوطني خاصة عبر الرفع من القيمة المضافة والقدرة التنافسية والمحتوى التكنولوجي للاقتصاد الوطني على المستوييْن الإقليمي والدولي وإحداث مواطن الشغل والرفع من كفاءة الموارد البشرية، وتحقيق تنمية جهوية مندمجة ومتوازنة وتحقيق تنمية مستدامة وضبط النظام القانوني للاستثمار الذي يقوم به أشخاص طبيعيون أو معنويون، تونسيون أو أجانب، مقيمون أو غير مقيمين في جميع الأنشطة الاقتصادية. وتصنّف المجلّة الأنشطة الاقتصادية وفق «التصنيفة التونسية للأنشطة» تعتمدها بصفة موحدة كل المصالح العمومية المتدخلة في الاستثمار. وتضبط التصنيفة التونسية للأنشطة بمقتضى أمر حكومي. النفاذ إلى السوق اعتبر المشروع المعروض ان الاستثمار حرّ مع مراعاة التشريع الخاص بممارسة الأنشطة الاقتصادية، وأنّ التراخيص وآجال وإجراءات إسنادها تُضبط اعتمادا خاصة على مقتضيات الأمن والدفاع الوطنيين مع مراعاة ترشيد الدعم والمحافظة على الموارد الطبيعية وعلى التراث الثقافي وحماية البيئة والصحة. وتنصّ المجلّة على أنه يتعيّن تعليل قرار رفض الترخيص وإعلام طالبه فورا وكتابيا أو بكل وسيلة تترك أثرا كتابيا. وأنّ السكوت بعد انقضاء الآجال المنصوص عليها بالفقرة الثانية من هذا الفصل (4) يُعتبر ترخيصا. وبينت المجلّة أن المستثمر حرّ في امتلاك العقارات وتسوغها واستغلالها لإنجاز عمليات استثمار مباشر أو مواصلتها. وأنّه يمكن للمستثمر التونسي امتلاك الأراضي الفلاحية وتسوغها واستغلالها لإنجاز عمليات استثمار فلاحية أو مواصلتها مثلما يمكن للمستثمر الأجنبي الاستثمار في القطاع الفلاحي دون أن يؤدي ذلك إلى امتلاكه الأراضي الفلاحية. كما نصّت المجلة على أنّه يمكن لكل مؤسسة انتداب عشرة إطارات أجنبية، وبترخيص من الوزارة المكلفة بالتشغيل فيما زاد عن ذلك طبقا لأحكام مجلة الشغل وعلى أنّ إجراءات انتداب الإطارات الأجنبية تخضع لأحكام مجلة الشغل باستثناء الفقرات 1 و1 و4 و2 من الفصل 123منها. مجلس أعلى وهيئة للاستثمار ويقترح المشروع على النسخة الأخيرة المعدلة والتي نظر فيها مجلس الوزراء مؤخرا، إحداث «مجلس أعلى للاستثمار لدى رئاسة الحكومة» يترأسه رئيس الحكومة. ويضبط المجلس سياسة وإستراتيجية وبرامج الدولة في مجال الاستثمار، ويكلف خاصة باتخاذ القرارات اللازمة للنهوض بالاستثمار، وتقييم سياسة الدولة في مجال الاستثمار في تقرير سنوي ينشر للعموم. وقد تمّ إحياء هذا المجلس بعد أن تمّ تجميده في عهد بن علي. وكشف وثيقة مشروع مجلة الاستثمار عن بعث «الهيئة التونسية للاستثمار» «تحت إشراف الوزارة المكلفة بالاستثمار ويكون مقرّها بتونس العاصمة ولها تمثيليّات جهوية. وتقترح الهيئة على المجلس السياسات والإصلاحات ذات العلاقة بالاستثمار وذلك بالتشاور مع القطاع الخاص، كما تتولى متابعة تنفيذها وتجميع المعلومات المتعلقة بالاستثمار ونشرها وإعداد التقارير التقييمية حول سياسة الاستثمار. وتتولى الهيئة النظر في مطالب الانتفاع بالمنح وإقرار إسنادها بناء على تقرير فني يعده الهيكل المعني الذي يتابع إنجاز الاستثمار. ضمانات المستثمر وواجباته تم ضمن هذا المحور التنصيص على أن يُعامل المستثمر الأجنبي معاملة لا تقل رعاية عن تلك التي يعامل بها المستثمر التونسي عندما يكون في وضعية مماثلة لوضعيته وذلك في ما يتعلق بالحقوق والواجبات المنصوص عليها بهذه المجلة. كما نصّ هذا المحور على حماية أموال المستثمر وحقوق ملكيته الفكرية طبقا للتشريع الجاري به العمل وعلى أنه لا يمكن انتزاع أو تأميم أموال المستثمر إلا من أجل المصلحة العمومية وطبقا للإجراءات القانونية ودون تمييز على أساس الجنسية ومقابل تعويض عادل ومنصف. وعلى أنه يمكن انتزاع أموال المستثمر تنفيذا لقرار قضائي أو لحكم تحكيمي وعلى أنّه للمستثمر حرية تحويل أمواله إلى الخارج بالعملة الأجنبية وفق التشريع الجاري به العمل المتعلق بالصرف وعلى أنّه في الحالات التي يقتضي فيها التحويل إلى الخارج الحصول على ترخيص من البنك المركزي التونسي، تنطبق أحكام الفقرات 1 و1 و4 من الفصل 4 من هذه المجلة. كما يتعيّن على المستثمر احترام التشريع الجاري به العمل المتعلق خاصة بالصحة والشغل والضمان الاجتماعي وحماية البيئة والجباية والتهيئة الترابية والتعمير وتوفير كل المعلومات المطلوبة في إطار تطبيق مقتضيات هذه المجلة مع ضمان صحة ودقة وشمولية المعلومات التي يقدّمها. ولعلّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد ما هو مآل هياكل المساندة والتأطير على غرار وكالة النهوض بالصناعة والتجديد ووكالة النهوض بالاستثمار الخارجي ووكالة النهوض بالاستثمار الخارجي والديوان الوطني التونسي للسياحة وهل سيقع إلغاء هذه الهياكل أو إلحاقها بالهيئة التونسية للاستثمار؟ الصندوق التونسي للاستثمار كما نصّ مشروع مجلة الاستثمار على إحداث هيئة عمومية يطلق عليها اسم «الصندوق التونسي للاستثمار» تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلالية الإدارية والمالية تلحق ميزانيتها ترتيبيا بميزانية الوزارة المكلفة بالاستثمار. ويخضع الصندوق لقواعد التشريع التجاري وكذلك لقواعد التصرف الحذر في ما لا يتعارض مع أحكام هذه المجلة ومع نصوصها الترتيبية. المنح والحوافز وأقرّ المشروع إمكانية إسناد المنح بعنوان إنجاز عمليات الاستثمار المباشر تتوزع على منحة الرفع من القيمة المضافة والقدرة التنافسية ومنحة تطوير القدرة التشغيلية ومنحة التنمية الجهوية اعتمادا على مؤشر التّنمية الجهوية، في بعض الأنشطة في قطاعات الصناعة والخدمات بعنوان إنجاز عمليات الاستثمار المباشر والمصاريف الناتجة عن أشغال البنية الأساسية الخارجية، وإقرار منحة التنمية المستدامة بعنوان استثمارات مقاومة التلوث وحماية البيئة. كما يمكن الجمع بين المنح المنصوص عليها بهذه المجلة أو في إطار نصوص تشريعية أخرى على ألا يتجاوز مجموعها في كل الحالات ثلث كلفة الاستثمار وذلك دون اعتبار مساهمة الدولة في مصاريف البنية الأساسية الخارجية. وتضبط نسب وأسقف وشروط الانتفاع بهذه المنح والأنشطة المعنية بها بمقتضى أمر حكومي.