انتهى الحلم قبل أن تشرق علينا شمس ريو دي جينيرو...هكذا كتب علينا أن نغفو برهة من الزمن لنحلم بكرة خالية من العفن فنصحو بجسم أشدّ أنينا يترنّح من الوهن... حلمنا يوما بالبرازيل وباللعب مع الكبار فانسحبنا وانكسرنا وصار الحلم فينا كابوسا يتعاظم كلّما احتدّ البصر... صارت البرازيل لعنة تطاردنا كبارا وصغارا... نساء ورجالا... «طيورا» و«نسورا»...من المونديال الى الاولمبياد... كان الحصاد على قدر العتاد... المنتخب الاولمبي يخسر رهان ال«كان» ويعجز عن الوصول إلى برّ الامان في شواطئ ريو دي جينيرو ليضيع بالتالي حلم أجيال وأجيال وتبقى كرتنا حبيسة عتبات «الكان» ودهاليز «الشان»... سيعود الجمع من السينغال وسينفضّ الركب بعد جلسات المعاتبة...وسنحيي كالعادة مراسم المساءلة والمحاسبة... وسنلقي باللوم وباللائمة على الطقس والأرض والصافرة وسنحلم بالمستقبل... وبغد أفضل... وبكرة أشمل... نحن نرصد الكنات والهمسات ولا نسأل ولكن هذه المرّة على غير العادة سنتهّم وسنسائل وسنسأل. هل أخطأ «الكنزاري» ؟ للنجاح ألف أب وللهزيمة عناوين لقيطة..وكل العناوين تشير بلا حياء ولا استحياء الى المدرّب الوطني ماهر الكنزاري الذي قاد كتيبة «النسور» في معمعة ال«كان» فكانت النتيجة خيبة متجدّدة ومشاركة في خبر كان...ودون الخوض في الجوانب الفنية والتكتيكية التي تسلّح بها «الكوتش» في رحلة الأولمبياد هل يجوز القول بأنّ الكنزاري أخطأ في التعاطي مع الحدث ومع ما تقتضيه مثل هذه التظاهرات من خبرة وحنكة وتوفّق في الاختيارات؟؟؟ البداية بالقائمة... نعود أوّلا وكنقطة انطلاق في تحليلنا المتواضع الى مشاركة المنتخب الاولمبي الى القائمة الاسمية التي اختارها الكنزاري لخوض ال«كان» ولنتفّق أوّلا ان هذا الفنّي لا يحظى بإجماع المسؤولين في تونس سواء في الأندية أو خلف أسوار الجامعة باستثناء «البيغ بوص» وديع الجريء الذي رسّمه في المنتخبات الوطنية غصبا عن الجميع وهذا ما يجهله بعض السابحين في فلك الوديع...قلنا انّ الكنزاري اختار قائمة متوازنة من اللاعبين المعروفين في الساحة المحلية وعلى العكس تماما من تقييمات المتابعين للكرة التونسية لهذا الفنّي فانّ القائمة الاسمية في مجملها حظيت بمباركة واسعة باستثناء بعض الاسماء التي أثارت الجدل سواء ببقاء بعضها داخل الديار أو أولئك الذين قطعوا بطالتهم الاجبارية ووجودا أنفسهم بقدرة قادر في النهائيات الافريقية. الجاهزية البدنية سبب البليّة فنيّا لا يختلف عاقلان حول الزاد الفنيّ لكل اللاعبين الذين اختارهم الكنزاري فالرجايبي والجويني والغندري والعابدي وخليل والجزيري والجلاصي والشعلالي والدرّاجي والماجري كلها أسماء لها باع وذراع وهي تشكّل نظريا مستقبل الكرة التونسية بفضل ما تكتنزه من مواهب وإمكانيات فنية وبدنية لكن فات الكنزاري أنّ كل هذه الاسماء تعيش حالة بطالة إجبارية أملتها نفس الاختيارات الفنيّة بقمصانها المحلية... وهي غير قادرة على مجاراة نسق المنتخبات الافريقية التي «تجري» أكثر ممّا تتنفّس... وهذا ما لاح في المباريات الثلاث التي خاضها منتخبنا الاولمبي حيث عجز أبناء الكنزاري عن الوقوف ندّا للندّ أمام منتخبات نقطة قوتها اضافة الى نضجها التكتيكي هو مخزونها البدني الرهيب والفوارق في هذا المستوى لاحت بالخصوص في الأشواط الثانية التي كان فيها منتخبنا يمشي متثاقل الخطوات غير قادر على صناعة الهجمات أو حتى على القيام ببعض التمريرات. المنتخب الأولمبي خسر معركة الجاهزية البدنية فتتالت الصعوبات وتباينت الفوارق الفنيّة. وهنا نعود الى نقطة البداية وهي القائمة الإسمية التي اختارها الكنزاري والتي تحتمل الكثير من العيوب والنقائص بدليل النتائج التي تحقّقت بعد انتصار صعب وهزيمتين مستحقتين. الأسماء قبل الأقدام... مدرّب المنتخب الأولمبي كانت له حساباته وقراءاته وهو محقّ في ذلك لأنّ كلّ مدرّب له تصوراته وفلسفته وكذلك نظرته الخاصة للاعبين ومدى قدرتهم على التأقلم مع خياراته الفنية ورسوماته التكتيكية لذلك هو رأى في قائمة «البطّالة» التي أتينا على ذكرهم ما لا نراه نحن وإذا كنّا نلتمس له العذر لاختياره هذا النهج لأنّ «الكوتش» يؤمن بالموهبة قبل التكوين وهو الذي كان بالأمس «فنّان بخيل» فوق الميادين فإنه مدعو إلى تقبّل قانون اللعبة والاعتراف بالفشل لأنّ حقيقة الميدان كانت لها الكلمة الفصل, والكنزاري رسب بامتياز وكان الأخير في طوابير الفصل... لأنّه ببساطة اختار أسماء قبل أن يختار لاعبين... وكان ضحيّة بعض العناوين التي نفخت في صورة نجوم كرتونيين... ففتح عينا وأغمض «عين» وظلم عديد اللاعبين الذين كان بإمكانهم المساعدة وتقريب حلم الأولمبياد ولو الى حين... مظلمة جماعية... باستثناء الانسحاب المرير وتوديع الأولمبياد...لا شيء علق في الاذهان من هذه المشاركة المخيبة للآمال...وحتى بعض الأسماء التي كنا نعلّق عليها الآمال لاستعادة الأمجاد واجترار الذكريات مرّت هي الأخرى بجانب الحدث... فسعد خانه السعد هذه المرّة وحرّاس العرين لم يكونوا أمناء بالمرّة...والأكيد ان هذا الجيل سيفقد الكثير من بريقه وتوهجه لانّ مرارة الانسحاب ستتعاظم مع اقتراب الاولمبياد ثمّ لن يكون مكانهم محجوزا مع الكبار لأنّهم لم يبلغوا بعد سنّ الرشد الكروي ومكانهم فقط مع الصغار... والأمر قد ينطبق على بعض الأسماء الاخرى التي ظلمها الكنزاري والتي قد لا تقوى على تجاوز مخلّفات الصدمة بما أنها كانت تمني النفس بالتواجد في هذا ال«كان» قبل ان تتبدّد أحلامها وتستحيل سرابا ودخانا... محمد علي الجويني ومنذر القاسمي وسيف الله المسكيني ومهدي الوذرفي وعمر زكري وأشرف بوضياف ساهمت في الوصول الى نهائيات ال«كان» لكن وسوسة بعض العملاء ونصيحة بعض العقلاء دفعتهم خارج القائمة ووحده الكنزاري يتحمّل وزر اللائمة... شبهات... واتهامات... سنطوي صفحة ال«كان» والأولمبياد فقد تعودنا مرارة الابتعاد ثمّ ان «الضرب في الجيفة حرام» وسننظر مضطرين الى القادم بأعين حالمة عساه يتبدّل الحال وتنصلح الأحوال ولأنّ معاول الأمس لا يمكن ان تبني لغد أفضل وجب طيّ صفحة الفشل بكل عناوينها بما فيها المسؤولين على المنتخب الاولمبي وأوّلهم ربان السفينة ماهر الكنزاري الذي حبّذ لو كرم لحيته بيده واستقال طواعية حتى يجّنبنا مزيدا من القيل والقال... الكنزاري تحوم حوله عديد الشبهات والاتهامات منها ما يتعلّق بالسمسرة والمحاباة وبقاؤه مع المنتخب سيزيد في حجم الضغوط المسلطة على الجامعة وفي رقعة الانقسامات والاحتجاجات... هي نهاية رجل شجاع بلا أدنى شكّ نتمناها في المقابل بداية لصفحة جديدة تحجب عنّا ولو لحين هذا السواد الساكن فينا...