وحدة المغرب العربي خير ردّ على تحدّيات العولمة مطلوب من رجال الأعمال قليل من التضحية حاورته: خولة الزتايقي أكد عبد السلام جراد الأمين العام للإتحاد النقابي لعمال المغرب العربي والأمين العام السابق للإتحاد العام التونسي للشغل في حواره مع «التونسية» ان الإتحاد النقابي لعمال المغرب العربي يعمل على دعم حضوره وتطوير مردوده في الساحة النقابية المغاربية، كما تحدث عن الأزمة الحاصلة بين الإتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف، مبديا رأيه في مسألة التعددية النقابية، موضحا أسباب زيارته الأخيرة إلى الجزائر. وفي ما يلي نص الحوار: ما هو فحوى زيارتكم الأخيرة إلى الجزائر؟ هي زيارة عادية، بين الأمين العام للإتحاد النقابي لعمال المغرب العربي وبين منظمة منضوية صلب الإتحاد وهي الإتحاد النقابي للعمال الجزائريين، وذلك بهدف التشاور خاصة أن رئيس الإتحاد النقابي للعمال الجزائريين هو رئيس الإتحاد النقابي لعمال المغرب العربي، ومن الطبيعي أن تقع في مثل هذه الظروف مثل هذه الاتصالات والمشاورات للبحث عن السبل التي يجب توخيها لمواجهة التحديات الموجودة، كما تدخل الزيارة في إطار الإعداد لعقد مؤتمر الإتحاد النقابي لعمال المغرب العربي الذي سيكون في سنة 2016. وسعيا لتفعيل دور الإتحاد النقابي لعمال المغرب العربي، وإلى دعم إشعاعه وتطوير مردوده في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به شعوب المغرب العربي والمتميز بتعقد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واستفحال مظاهر التوتر والعنف وانتشار الإرهاب والتوحش وتأثيراتها السلبية على استقرار مجتمعاتنا المغاربية وعلى مصالح عمالها، اجتمعنا برئيس الإتحاد النقابي لعمال المغرب العربي بمقر الإتحاد العام للعمال الجزائريين، لتدارس الأوضاع في جوانبها المختلفة، حيث اتفقنا على التعجيل بعقد مؤتمر الإتحاد النقابي لعمال المغرب العربي وفق الترتيبات المنصوص عليها في القانون الأساسي، كما تم اقتراح عقد المؤتمر في أجل يقع الاتفاق عليه بالتشاور مع المنظمات الأعضاء، كما تمت دعوة المنظمات الأعضاء إلى تسديد معاليم انخراطها قبل انعقاد المؤتمر طبقا لما ينص عليه القانون الأساسي، مع اقتراح عقد اجتماع الأمانة الموسعة من أجل تحديد التاريخ النهائي لعقد المؤتمر وضبط مكان انعقاده، وتشكيل لجان إعداد المؤتمر بما في ذلك لجنة إعادة النظر في القانون الأساسي، كما أكدنا على الحرص على تنقية الأجواء وتوحيد القيادات النقابية كضرورة ملحة وحتمية من أجل تكثيف الجهود في مواجهة كافة المخاطر التي تهدد مجتمعاتنا المغاربية وعمالها، كما تطرقنا إلى العديد من المواضيع التي تهم الشأن العام وما يخص المنطقة المغاربية، والأخطار التي تهدّدها. الظرف الذي نعيشه في هذه الفترة صعب للغاية يشهد عدة مخاطر، خاصة الوضع الذي تعيشه ليبيا، وتجمّع قوى إرهابية من جميع الجنسيات، وبالتالي الإرهاب أصبح دوليا ومن الضروري أن تتدخل المنظمات الموجودة في المنطقة المغاربية وعليها أن تجد الحلول لحماية المنطقة وشعوبها ولتحسين أوضاعها، وحتى لا تنتشر المجموعات الموجودة اليوم في سوريا، واليمن والعراق أو بعض البلدان الإفريقية والقادرة على التوجه إلى ليبيا بأعداد كبيرة، والتي يمكن لها عندما تجتمع أن تؤثر على المنطقة المغاربية بأكملها، باعتبار تجمعها في الوقت الراهن في منطقة تنتمي إلى المغرب العربي، وما يحدث في ليبيا اليوم يهدد الأمن العام، ويمكن له أن يضرب الاقتصادات والأمن والاستقرار في كل البلاد، ولذلك نريد أن نستعجل في القيام بمؤتمر نطرحه من خلاله المشاكل الخطيرة التي تعاني منها المنطقة وإيجاد حلول وطرق التصدي لهذه الآفة، كما تطرقنا إلى الأوضاع التي يجب أن تكون في مستوى دور النقابات ودور الاتحادات القطرية في علاقة مع المنظمات الدولية والمنظمات الإقليمية، ومساهمتها في المسار نحو إقناع الحكومات لوضع سياسة تهم الوضع في المنطقة، خاصة أن الجزائر تعيش أزمة اليوم في تدهور أسعار البترول، وهو ما جعل إتحاد المغرب العربي يطلب التعجيل لعقد قمة مغاربية للنظر في هذه الأوضاع وإيجاد الحلول، وقد قدّمنا اقتراحا في كيفية التنسيق والعمل المشترك بين بلدان المغرب العربي في ما يخص الإرهاب وحماية الحدود، كما تطرقنا إلى الأوضاع الاقتصادية، وكيف يمكن أن يكون للوضع المغربي وحدة اقتصادية. طبعا قدمتم توصيات بهذه المناسبة؟ هذا أكيد، حيث ذكرت الأمانة العامة أن الأحداث التي تعيشها المنطقة المغاربية ما انفكت تؤكد صواب تحاليلها وصحة قراءاتها لخصائص الواقع ولتوقعاتها ومشروعية هواجسها وتخوفاتها، وهي بالتالي تنبه إلى خطورة التمادي في نفس النهج المتعثر وتحمل مسؤولية ذلك بالأساس إلى الأنظمة القائمة والمؤتمنة على هذا المشروع الكبير. كما نبهنا إلى خطورة ما يحدث في القطر الليبي الشقيق وإلى ما يتهدده من أطماع وتدخلات سافرة في شؤونه باتت ترتهن أمنه واستقراره، ودعونا كل الفرقاء الأشقاء في ليبيا إلى تحكيم العقل والتحلي بالحكمة وروح المسؤولية الوطنية والجلوس إلى مائدة الحوار من أجل تسوية الخلافات على قاعدة تغليب المصلحة العليا للوطن. كما أكدنا على ضرورة بذل جميع الحكومات والأحزاب ومكونات المجتمع المدني بالمغرب العربي كل ما في وسعها لتحقيق المصالحة وتقريب ذات البين، داعين الدول المغاربية إلى الوعي العميق بجسامة التحديات المحدقة بمنطقتنا في ظل تسارع نسق العولمة وتفاقم خطر الإرهاب، وذلك عبر التسريع بعقد مجلس رئاسة إتحاد المغرب العربي وتنشيط المؤسسات والهيئات الإقليمية والشروع في تنفيذ الاتفاقيات المشتركة وتحيينها ووضع رزنامة تكرس الوحدة المغاربية في أقرب الآجال، كما دعونا إلى التعجيل بتنقية الأجواء المغاربية وتغليب عوامل الوحدة على عوامل الاختلاف والانصراف لتكريس المشروع المغاربي بمنأى عن التجاذبات، وجددنا تأكيدنا على ضرورة إنجاز المشروع المغاربي والسوق المغاربية باعتبارها الرد الملائم على تحديات العولمة ومعضلات التنمية وهو الخيار الأسلم لبناء الهوية المغاربية المتوازنة وحماية شعوبنا من التهميش في إطار تجمع إقليمي تسوده الديمقراطية وروح المواطنة، ونشدد على ضرورة التمسك بالخيارات الاجتماعية وتوحيد الجهود للحد من تأثيرات النموذج الليبرالي المجحف الذي أثبت فشله في تلبية استحقاقات التنمية المستدامة والعادلة. ودعونا إلى إحداث مجلس اقتصادي واجتماعي بوصفه المنبر المناسب لخوض حوار ثلاثي إقليمي بين أطراف الإنتاج حول مستقبل التنمية بالمنطقة المغاربية. كما أكدنا على أهمية ترسيخ الحريات الفردية والعامة وإحلال مناخ الديمقراطية وروح المواطنة ومبادئ حقوق الإنسان، وخاصة احترام الحقوق والحريات النقابية وحرية الإعلام والتعبير ومقاومة العنف والإرهاب وكل مظاهر الانفلات والتعصب، ونحن ندعو كافة قوى التقدم والحرية في العالم وفي طليعتها الحركة النقابية العالمية إلى تكثيف نضالها من أجل إقامة سلام عادل بمنطقة الشرق الأوسط يضمن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. ما هو موقفكم من الأزمة الحاصلة بين الإتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف؟ أنا كنت أمينا عاما للإتحاد العام التونسي للشغل، وكنت لما يقارب 25 سنة عضوا في المكتب التنفيذي، وبالتالي لا يمكن لي اليوم نكران مطالب الشغالين في تحسين أوضاعهم، ولا يمكن لي أن ألوم موقف اتحاد الأعراف على اعتبار أن الجميع يرى أن الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد وانهيار المؤسسات لا يسمحان بالمطالبة بمثل هذه المطالب، لكن يجب ألاّ ننسى ضرورة استثمار الشؤون الاجتماعية، ذلك أنه لا يمكن أن تستقر البلاد وتحقيق استقرار اقتصادي يؤدي طبيعة إلى الاستقرار السياسي دون أن نهتم بسواعد الإنتاج، وضمان حقوقهم، وإخراجهم أو إبعادهم عن حالات التهميش. اليوم الجميع يعرف ويعي كيف أصبحت المقدرة الشرائية وكيف نشهد ارتفاعا في الأسعار، ومنذ سنة 2010، أًصبحنا نشهد تدهورا بنسبة 40 بالمائة في المقدرة الشرائية للعمال، كذلك تدهور قيمة الدينار ووصوله إلى وضع لا يمكن أن يوصف له تأثير على الوضع الاجتماعي. منظمة الأعراف هي الطرف الاجتماعي الذي يجب أن نجد معه حلولا، صحيح هناك بعض التناقضات التي يمكن أن تحدث، ولكن لا يمكن لها أن تؤثر على حقيقة العلاقات التي تجمعها بالإتحاد العام التونسي للشغل، لأن الإتحاد لا يمكن له أن يتجاهل المؤسسات ووضع المؤسسات، ولا يمكن له أن يطلب تحسين الأوضاع إذا كانت المؤسسة منهارة، ولا يمكن له ضمان ديمومة الشغل إذا كانت المؤسسة منهارة، لكن لا بد من التضحيات، لأن العمال في وضع حرج، والمؤسسات في وضع حرج، والسؤال كيف يمكن أن نصل إلى ما يسمى بالقناعة المشتركة والتي سترجع الثقة بين المنظمتين، والتي ستساهم في تقوية الإنتاج وبالتالي تقوية نسبة النمو. إذا لم نستطع تقوية الإنتاج، وإعطاء العامل الثقة في مؤسسته لا يمكن لنا أن نتقدم. من الضروري على أصحاب المؤسسات والأعمال أن يقوموا ببعض التضحية في الوقت الحاضر من أجل البلاد والتضامن مع الوضع الذي يمر به العمال اليوم وهم سواعد العمل، ويجب أن نتجنب ما يقال عنه ب «الإتحاد عمل هكا، إذن أنا رد الفعل بالطريقة هذي»، هذا أمر يضر باقتصاد البلاد ولا يخدمها، وأنا واثق من أن الإتحاد بمسؤوليته الوطنية والتي أعرفها جيدا وبقياداته التي كانت شريكة معي سابقا في المكتب التنيفذي وبشعورهم الوطني قادرون على إيجاد الحلول التي إلى حد ما يقبلها العمال والطبقة الشغيلة عامة، لأنه في حال القيام باتفاقية لا يقبلها العمال لا يمكن لنا أن نتقدم وكأننا لم نفعل شيئا يذكر، إذن من الضروري إيجاد حلول ترضي الطرفين، وهو ما سيقوي الاستقرار الاجتماعي والأمن الاجتماعي الذي لا يمكن أن يقوم إلا بالعمال. كيف ترون قبول الحكومة الزيادة في الأجور؟ الحكومة ليس لديها إمكانية، ولكنها رأت أنه يجب عليها قبول مسألة الزيادة في الأجور أو إن صح التعبير التعديل نوع ما في الأجور، الحكومة ليس لديها امكانات، ولكن «عملت من الضعف قوة»، حتى تضمن استقرار المؤسسات الحكومية والعمومية، وهو ما نطلبه من أصحاب المؤسسات الخاصة ورجال الأعمال من أجل المحافظة على السلم الاجتماعي، وهو ما أنا متأكد من حصوله، البلاد مسؤولية الجميع، وعلينا جميعا العمل والتكاتف وتقديم بعض التضحيات من أجل الحفاظ على مؤسساتنا وعلى إقتصادنا. ماذا تقولون في قضية الارهاب؟ الإرهاب قادم من منظمات مدعمة عالميا، «داعش» من أسسها؟ أسستها أمريكا لأسباب معينة من أجل ضرب استقرار وتوحد الشعوب العربية، وضرب مشاريعها وإبعادها عن محاولة فض المشاكل الحقيقية التي تعيشها وخلق حروب أهلية إيديولوجية وفكرية وسط البلد الواحد، من أجل الحفاظ على سلام إسرائيل، فالهدف الحقيقي هو منع البلدان العربية من التقدم والنمو والازدهار، وجعلها في حالة انحطاط، وما أؤكده أن أمريكا وتركيا تعملان ظاهريا ضد الإرهاب، ولكنهما هما المصدران الأساسيان للإرهاب. طبعا السؤال محير، إذا كانت ليبيا هي مصدر الارهاب وأن الوضع في ليبيا سينعكس على تونس، فلماذا تمسّ كل العمليات الإرهابية الشريط الحدودي الجزائري في حين أن الجنوب التونسي يعيش في أمان؟، هنا أقول وأؤكد أن هذا يدخل ضمن «تكتيك» إستراتيجي إرهابي، لأن تونس ليست هدف الإرهابيين وإنما الهدف الحقيقي والوجهة هي الجزائر، يجب علينا أن نبتعد جميعا عن الرؤية الضيقة للأمور والتناحر على المناصب والكراسي ومحاولة إيجاد حلول فعلية للتصدي للإرهاب في المنطقة كلها، وخاصة في تونس. ولا يمكن التصدي للإرهاب في تونس بالبلاتوهات بل بوضع إستراتيجية واضحة، من خلال تقوية المؤسسات وتشغيل الشباب وتوعيتهم وإبعادهم عن التهميش، ويجب أن يكون هناك تضامن بين المؤسسات وأصحاب الأعمال، لتجنب الفقر واليأس والإحباط والتشاؤم وهي عوامل تتسبب في وجود الإرهاب، ولذلك يجب مقاومته من خلال خلق المشاريع للشباب وبعث الأمل الحقيقي فيهم. ما هو موقفكم من التعددية النقابية؟ لقد نصصنا منذ سنة 2012، على أن التعددية النقابية أصبحت واقعا مشتركا بالنسبة لجميع الأقطار المغاربية، وهو واقع مرتبط بالمشهد السياسي الجديد الذي أصبحت عليه تلك الأقطار، ولم يعد من المسموح تجاهله، فالتعددية أصبحت تمثل معطى جديدا يتوجب التعامل معه بكثير من الحكمة حفاظا على مصالح القوى العاملة وعلى وحدة الموقف النقابي تجاه ما يتربصه من محاولات التقسيم والتوظيف والاحتواء. وفي التعددية النقابية خطر كبير، إذ عندما يكون لك مشكل مع الدولة أو مع أحد الأحزاب يخلق لك التعددية النقابية من أجل تعطيلك فقط، وبالتالي يمكن أن تتحول التعددية النقابية إلى معطل كبير، وهنا لا يمكن أن نعتبرها تعددية نقابية نابعة من أعماق ومن قرارات وحاجات العمال، وإنما هي تعددية نقابية لإضعاف المنظمة المناضلة الحقيقية والمدافعة عن الحقوق، فالمنظمة لا تدافع عن حقوق الشغالين فقط، وهنا أقول عندما قام فرحات حشاد بإنشاء منظمة الإتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946، لم يقل إن الإتحاد سيدافع عن حقوق الشغالين فقط، قال «لكل الفئات»، ولم يقل لحزب فقط بل قال لكل الأحزاب ولكل الناس، وكان الرئيس الشرفي وقتها الفاضل بن عاشور، قد جمع الجميع بكل حساسياتهم وبمختلف إيديولوجياتهم، ولم يُقص أحدا من أجل المحافظة على التنوع الذي يمتاز به الشعب التونسي، من أجل أن يظهر أنه يمكن للشعب التونسي أن يتعايش باختلافاته معا صلب منظمة، ولكن مع تحديد الحدود الدنيا. ويجب ألاّ تكون التعددية النقابية سببا في ضرب منظمة وأن تكون في يد أحزاب معينة، ولذلك اعتبرنا أن التعددية يمكن أن تكون خطرا في بعض الأحيان إذا لم تحترم شروط معينة، ومن الأكيد أن الإقرار بالتعددية النقابية كمعطى من معطيات المشهد المغاربي الجديد لا يتناقض بأي حال من الأحوال مع مبدإ الوحدة والتضامن المكونين الرئيسيين لكل عمل نقابي أينما كان، فوحدة الفعل النقابي ووحدة النضال العمالي هما الأساس ويبقى السعي إلى الوحدة والعضوية أمرا موكولا لصيرورة النضال المشترك، وحتى إن تكونت تعددية نقابية من صميم واقع العمال وبإرادتهم يجب أن تكون هناك وحدة بينهم، ويجب أن يكون العمال أنفسهم هم من قرروا إرساء منظمة عمالية بإرادة وعن طواعية. بالنسبة للإتحاد النقابي لعمال المغرب العربي، عليه أن ينشغل في هذه المرحلة بالبحث عن التوازن الصحيح بين أهمية التكلم بصوت واحد كعمال وكنقابيين، وهو ما يفترض ترك الانقسامات والحساسية المذهبية والإيديولوجية جانبا، وبين أهمية الاعتراف بالتعددية النقابية كإفراز طبيعي من إفرازات المسار الانتقالي الذي تعيشه بلداننا في أعقاب سقوط دكتاتوريات الحزب الواحد والرأي الواحد. إن الوحدة النقابية مسار إرادي لا يسقط بقانون أو يفرض بقرار، مسار يأخذ بعين الاعتبار عامل الزمن ويتقدم بحسب تطور العلاقة بين الفصائل النقابية المتواجدة على الساحة، ونحن نؤكد على اهتمامنا بوحدة العمال والنقابيين، كما ندعو إلى ضرورة التنسيق والتشاور قبل اتخاذ أي قرار، كما يتوجب على الإتحاد النقابي لعمّال المغرب العربي مراعاة آراء المنظمات المؤسسة قبل البت في أي طلب للعضوية، وطبعا التعددية النقابية موجودة ونقر بها في تونس وفي منظمة العمال الدولية والبلدان الأجنبية إلا في ألمانيا، ويجب أن تكون التعددية ناشئة عن إرادة العمال وان تكون لها مراجع ومنخرطين وقانون أساسي ونظام داخلي ولوائح تنظيمية وأن تكون مؤتمراتها شفافة. هل ترى أن تونس مستعدة اليوم لإنشاء تعددية نقابية؟ أنا لا يمكن لي أن أقر بوجود تعددية نقابية في تونس إلى حد اليوم، لأن التعددية النقابية تفرض وجود العديد من الشروط، وقد سبق لمنظمة العمال الدولية القدوم إلى تونس، والتي كنت نائب رئيسها من أجل القيام بتحقيق، وأكدت على عدم وجود المواصفات أو اللوائح التي تسمح بإمكانية انشاء تعددية نقابية في تونس، كوجود نظام أساسي، أو لوائح أو كيفية تنظيم الهيكلة وغيرها من المعطيات التي تنشئ التعددية، وأقرت عدم الاعتراف بهذه المنظمات الموجودة اليوم في تونس، طبعا هذه المنظمة بعيدة كل البعد عن أي استعمال سياسي، ولدينا علاقات متميزة بها، الأمر الذي لا يسمح لنا بالاعتراف بمثل هذه المنظمات، ولا يمكن لنا الأخذ بما أقرته الحكومة، فالحكومة ليست مقياسا، والمقياس هو المنظمات الدولية النقابية ومنظمة العمال الدولية، أنا لست ضد التعددية النقابية، ولكن عندما تتوفر المواصفات الدولية وعندما يقع الاعتراف بها دوليا، طبعا نحن لا نخضع لقرارات الحكومة، نحن نخضع للقرارات الدولية والمراجع القانونية الدولية والمواقف الدولية النقابية، وبالتالي لا يمكن لنا الاعتراف بمثل هذه المنظمات. هل سيتم قبول النقابات الجديدة في الإتحاد النقابي لعمال المغرب العربي؟ لا، طبعا لا، إلى أن تتوفر فيها الشروط القانونية الدولية. يرى بعض الملاحظين وجود حرب باردة، والبعض يسميها صامتة بين زعامات الإتحاد العام التونسي للشغل وزعامات النقابات الجديدة، ما موقفكم من هذه «الحرب»، وهل تخدم البلاد، خاصة ان التوجه العام هو توجه توافقي؟ أنا لا أؤمن بالحرب الباردة أو بوجود زعامات نقابية، لا وجود لزعامات نقابية في العمل النقابي، يجب أن يكون هناك تواضع ونكران للذات، لأن العامل النقابي المسؤول هو خادم أمين للسهر على حفظ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والإتحاد العام التونسي للشغل بمسيرته ونضاله ومواقفه وعماله والتزاماته ليس في حاجة إلى زعامة نقابية، وطبعا لا يمكن لنضالاته أن تسمح له بالدخول في حروب مهما كانت مع أي طرف. كيف ترون الوضع العام للبلاد خاصة مع الانشقاقات والخصومات الواقعة في الحزب الحاكم في البلاد؟ أريد أن أؤكد على موقفي الشخصي، تونس بلادنا ومن واجبنا أن نحميها ونحمي مكانتها وشعبها، نحن مع كل الحريات والنقد من كل الأحزاب المعارضة لإنارة السبيل أمام الحكومة لإصلاح وضعها، وقد مرت البلاد بعدة مراحل وبعدة حكومات، وقمنا بانتخابات شفافة ونزيهة، ولكن اليوم أمام انقسام في صلب الحزب الحاكم المسؤول عن مستقبل البلاد، المشكل أن سبب الخصام في «نداء تونس» هو الكراسي ومن سيتولى المسؤوليات، لم يكن الإشكال حول البرامج والتوجهات، الانشقاقات والتطاحن صلب «نداء تونس» أثّرت بصفة جدية على وضع البلاد، أما بالنسبة للمعارضة فلم تقدّم ما كان منتظرا منها للشعب. التفكك بين الرباعي في الحكم زاد في هموم تونس، وكان بإمكان الحكومة القيام بالأفضل، ولكن ما كان ينقصها هو التنسيق بين وزرائها، وعدم قيام بعض الأطراف بالدعوة إلى إسقاط الحكومة.. لقد تمّتْ عرقلة المسار، حتى أن هيبة الدولة لم تكن في المستوى المطلوب، يجب علينا التكاتف اليوم وتقديم المزيد من أجل دفع تونس إلى الأمام، وجعل مصلحة تونس هي الأولى والابتعاد عن المصالح الجهوية الضيقة، وهو ما نتمنى تحقيقه في 2016. ماذا تعني لكم جائزة نوبل للسلام؟ مثل كل التونسيين، أعتز بها كثيرا، فهي وسام للشعب التونسي وليست لأربع منظمات فقط، وطبعا الرباعي لم يكن له أن ينجح لولا مساعدة الأحزاب السياسية والمنظمات الدولية، أنا أحيي الرباعي الراعي للحوار لجهوده المبذولة، ولكن أريد أن أحيي بصفة خاصة المنظمات والأحزاب السياسية وكل الأطياف التي تفاعلت بشكل إيجابي للوصول إلى برّ الأمان، وعلى الشعب التونسي أن يستغل هذه الجائزة. كلمة الختام؟ أتمنى لتونس كل خير، وأتمنى في سنة 2016 أن ينسى الشعب التونسي مشاكله وآلامه التي عاشها في سنة 2015، وأن يشعر كل مسؤول وكل مواطن تونسي أن البلاد في مسؤوليته وفي حمايته ويشعر أن استقرار البلاد وأمنها هي مسؤولية ملقاة على عاتقه، وأتمنى أن ننجح في الوصول بتونس إلى بر الأمان وتحقيق نسبة نمو تصل إلى 4 أو 5 بالمائة، كما أشكر «التونسية» وجميع مسؤوليها وصحافييها، ونتمنى لهم كل النجاح والتوفيق في أداء مهمتهم وهي الإعلام وما أدراك ما الإعلام.