(تونس) يشهد العالم منذ سنوات حربا عالمية على ما يسمى الارهاب.. حرب دفعت تطوّراتها ومفاجآتها أحيانا دولا بل محلّلين إلى التساؤل عن ماهية الارهاب الذي تجنّد كل العالم لمحاربته .. أهو دول أم اشخاص أم أشباح خاصة في ظل التحالف العالمي الذي تقوده أعتى الدول تسليحا بلا نتائج تذكر... فمنذ تفجيرات 11 سبتمبر - التي يرى بعض المحللين انها صناعة امريكية لغاية في نفس يعقوب - اكتشف العالم إرهاب «القاعدة» مع بن لادن (الذي يقال أنه قتل دون اثبات) والزرقاوي... ثم كان «ارهاب» صدّام حسين ويعيش العالم اليوم على وقع حرب عالمية لمواجهة ارهاب «داعش» دون نسيان ارهاب ما يسمّى بالجماعات الاسلامية الأخرى مثل «جبهة النصرة» و«جند الشام» و«بوكو حرام»... ووسط نار الحروب المشتعلة وأنهار الدماء التي تخلفها يرى البعض أن الارهاب فزّاعة اختلقتها الولاياتالمتحدةالامريكية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي باعتبار انها دولة لا تستطيع أن تعيش في غياب عدوّ تحاربه لأن عقيدتها مبنية على الهيمنة على العالم. في هذا السياق تندرج هذه الدراسة الصادرة عن المركز الديمقراطي العربي بقلم الدكتور محمد الأمين بن عائشة. مع سقوط الاتحاد السوفياتي سارعت الولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل استمرار التعبئة الداخلية في المجتمع الأمريكي، إلى إيجاد بديل جديد بهدف الحفاظ على حالة القوة والتماسك الداخلي في الولاياتالمتحدة، لأن غياب النقيض كما يرى المحللون الاستراتيجيون يؤدي إلى غياب المحفزات والعناصر المحركة للمجتمع، وهكذا فإن حالة من التعب تصيب القوى الكبرى إذا فقدت القدرة على التمسك بهدف استراتيجي يعمل بمثابة محرك لتنشيط وتعبئة مختلف القدرات المجتمعية. لم تحجب نهاية الحرب الباردة أبدا ذلك الحوار التاريخي حول المكانة الإستراتيجية للولايات المتحدةالأمريكية، بل على العكس من ذلك ففي غمرة النصر الأمريكي بسقوط الاتحاد السوفياتي استحضر الأمريكيون نقاش الآباء المؤسسين حول الخصوصية القيمية الأمريكية، ومدى انعكاسها على العلاقات مع بنى المجتمع الدولي ووحداته وهو النقاش الذي أخذ في مراحله المتقدمة صفة المحاورة الانعزالية- التدخلية. لكن هذا لا يعني أن الفكر الاستراتيجي الأمريكي بقي أسيرا لهذه الرؤى التقليدية، ذلك أن دراماتيكية المشهد الأخير من نهاية الحرب الباردة قد حسمت الى حد ما في أمر المكانة الأمريكية في النظام الدولي، على الأقل في مستواها السياسي، وإن لم يمنع ذلك أن تتخذ هذه المحاورة صيغا مختلفة وأشكالا جديدة، فتعددت المنظورات التي تستطلع الشأن الدولي لما بعد الحرب الباردة وإتخذ التنظير في العلاقات الدولية في هذه المرحلة حركية جديدة، ورغم هذا التعدد والتنوع المنظوراتي، فإن المهم أمريكيا هو أنه يحمل ذات المضامين العميقة، حتى وإن تعارضت صيغ التعبير، وربما يشكل هذا عنصرا ضابطا لحركية الفكر الاستراتيجي ومرونته. فترعة التميز الأمريكية يمكن أن تتخذ صيغتين غير متعارضتين في الجوهر وإن إختلفتا في النتائج العملية، هما إما شكل النموذج الفريد الذي يتعين حفظه وحمايته، أو شكل الحرب المقدسة لنشر «قيم النموذج الأمريكي السامية. يقول جورش بوش الابن «بعد ثلاثة أيام فقط من الإحداث فإن الأمريكيين لا يمتلكون البعد التاريخي للحدث إلا أنهم يدركون تماما مسؤوليتهم التاريخية الوطنية وهي الرد على هذه الهجمات وتخليص العالم من« الإرهاب». لقد شنت الحرب علينا بالخفية والخدعة والقتل. إن هذه الأمة هي امة مسالمة ولكنها شرسة عندما ينتابها الغضب. لقد بدأ الصراع بتوقيت وأسلوب الآخرين إلا انه سوف ينتهي بطريقة وفي ساعة هي من اختيارنا نحن». (الرئيس بوش واشنطن دي سي (مبنى الكابتول) 14\ 09\ 2001). ويعد «الإرهاب» العابر للحدود من التهديدات غير التقليدية، التي أصبحت تمثل مساسا بأمن واستقرار الدول والنظام العالمي ككل، ورغم تعدد مظاهر «الإرهاب» والتطرف، فإنّ أغلب المحللين يركزون على «الإرهاب» المرتبط بالتطرف الديني المنسوب للجماعات الإسلامية. فعندما قدم «صاموئيل هنتنغتون»(Samuel.p.Huntington) أطروحته حول «صدام الحضارات»، والذي تعد الحضارة الإسلامية أحد أطرافه الرئيسية، تزايد تخوف الدول الغربية خاصة من خطر الإسلام، وإمكانية تحوله إلى عامل مزعزع لاستقرارها ومصالحها في ظل: -ظهور الحركات«الإسلامية» – التي سميت كذلك لأسباب سياسية-، أو ما يعرف ب«الإسلام السياسي»(political Islam)، ومعارضتها للمفاهيم الغربية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، ونظمها الاقتصادية والاجتماعية، وبروز تيارات متشددة ضمنها، عرفت ب «الأصولية الإسلامية»(fundamantalist Islamic)،وتطورها إلى العمل المسلح الذي حمل معه ظاهرة «الإرهاب »(terrorism)، الذي اعتبر من أكبر الأخطار المهددة للغرب، يقول «ويلي كلاس» (willy claes)، الأمين العام السابق لحلف الشمال الأطلسي: «الإسلام السياسي هو أخطر تهديد للأمن الغربي». في كتابات كثير من الغربيين في بداية التسعينات والأمريكان تحديدا ما يسمى بالخطر الأخضر أو الخطر الإسلامي ثم جاء كتاب صامويل هنتنغتون حول صراع الحضارات ليرسخ هذا المفهوم ويثبت أن الإسلام هو الخطر ولكن السؤال هو: إذا كانت الصين والهند من ناحية، وإذا كانت أوروبا الموحدة من ناحية أخرى في المفهوم الاستراتيجي هما الخطر الكامن الذي يهدد الولاياتالمتحدة فلماذا تحديد الخطر الإسلامي واختياره كهدف أساسي لاستهدافه من قبل الولاياتالمتحدة؟. المشكل هو ليس في الإسلام أو المسلمين المشكل هو من يستعمل الدين كذريعة لتحقيق مآرب سياسية، فالدين الإسلامي هو دين الله وهو دين لكل البشر وهو من وضع الله وليس من صنع البشر. يجب أن نفرق بين المصطلحات المتداولة إعلاميا ، فالدين الإسلامي هو ليس السياسة الإسلامية بل يجب أن نقول السياسة عند المسلمين فشريعة الله منزّهة وبعيدة عن كل خطإ، ولما نقول التيارات والجماعات الإسلامية فهي بعيدة كل البعد عن الشريعة الإسلامية فهي جماعات مفبركة ومصنّعة ليست لها علاقة بالإسلام والمسلمين، المشكل هو في العقيدة والإستراتيجية الغربية وخصوصا الأمريكية التي تقتضي وجود عدو دائم بمعنى أن السياسة الخارجية الأمريكية بحاجة الى عدو لتستمر في البقاء، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي أصبحت الولاياتالمتحدةالأمريكية في فراغ استراتيجي فليس هناك من عدو جديد بمستوى الاتحاد السوفياتي فسعت مراكز الفكر في أمريكا للبحث عن عدو جديد فوجدت الإسلام والتطرف الإسلامي كأفضل عدو ، باعتبار أن الإسلام له طابع عالمي وكوني ولا يقتصر على أمة واحدة مما يتيح للولايات المتحدةالأمريكية التواجد في كل مكان من العالم لمحاربة هذه الظاهرة ، وكل هذا يدخل في إطار الصراع الإيديولوجي والحضاري الذي تكلم عنه صامويل هنتنغتن وغيره من المنظرين للاستراتيجية الأمريكية. والحرب على «الإرهاب» أو الحرب العالمية على «الإرهاب» ويطلق عليه البعض تسمية الحرب الطويلة ومؤخرا أصبحت تدعى «مكافحة الارهاب» هي عبارة عن حملة عسكرية واقتصادية وإعلامية تقودها الولاياتالمتحدة وبمشاركة بعض الدول المتحالفة معها وتهدف من هذه الحملة إلى القضاء على «الإرهاب» والدول التي تدعمه. لقد مثل انهيار جدار برلين -كأحد معالم عصر الحرب الباردة- لحظة استراتيجية فارقة أمام الفكر الأمريكي، بغية إحداث عملية إحياء استراتيجي شامل ومراجعة نظرية وتطبيقية بغرض التكيف مع معطيات البيئة الدولية الجديدة، التي اتسمت بالتحولات المتسارعة والجذرية التي مست العلاقات الدولية، ذلك أن انتهاء الحرب الباردة جعل الولاياتالمتحدةالأمريكية أمام وضع استراتيجي استثنائي، وهو حالة «الفراغ الاستراتيجي» التي يطبعها غياب العدو المباشر. وهي حالة أشبه بتلك التي أطلق عليها سكرتير تشرشل وصف « الفراغ القاتل» بين عامي 1944 و1946. اهتزت مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر الفرضية الأمريكية التاريخية الخاصة بعلاقة الأمن بالحرية كمحور ارتكاز لأية سياسة أمريكية، حيث ارتدت هذه العلاقة الإشكالية ثوبا جديدا يتسق وطبيعة المرحلة الراهنة من تطور النظام الدولي والسياسات العالمية، ومن تطور السياسات الأمريكية على وجه خاص، وهي المرحلة التي تتسم ببروز دور الأبعاد الثقافية والحضارية كمحرك لهذه السياسات والتفاعلات. وقد بدا منذ اللحظات الأولى التي أعقبت هذه الهجمات أن الادارة الأمريكية تتجه نحو تعزيز سياساتها الأمنية الدفاعية ولو على حساب المساس بالمنظومة القيمية للمجتمع الأمريكي وتهديد الحريات المدنية والسياسية التي ظلت الولاياتالمتحدة تعتبرها مصدرا للنموذج الامريكي العالمي. ويعبر كل من وليام كريستول وروبرت كيغان في دراستهما: Toward a New Reganite Foreign policy نحو سياسة ريغانية خارجية جديدة عن الأفكار التي اعتبرت في ما بعد مرجعية لمضامين الخطاب الاستراتيجي والأمني الأمريكي بعد 11 سبتمبر والتي تتمثل في الأطروحات الخاصة برفض فكرة تراجع القوة الأمريكية وتثمين الأدوات الحربية والقطيعة مع الأنظمة المستبدة والوضوح الأخلاقي والرهان على الهيمنة الأمريكية مسلكا لضمان أمن العالم ورفاهيته. وهذا ما يمثل تكريسا للافتراضات الأساسية للتصور الأمني الواقعي، الذي ينطلق من إيلاء الأهمية القصوى للقوة العسكرية في تحقيق الأمن القومي. ولذلك، فقد مثلت الحرب على الإرهاب محورا لإستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، وتعددت بذلك القراءات الإستراتيجية لأشكال مواجهة هذا التهديد، ومن أبرزها وثيقة «استراتيجية أمريكا في حربها على الإرهاب» التي قدمها المحافظون الجدد بقيادة دوغلاس فايث وكيل وزارة الدفاع الأمريكية. «أحداث الحادي عشر من سبتمبر »2001، التي قررت الإدارة الأمريكية في أعقابها شن حرب وقائية على الإرهاب، أفضت إلى تسليط الأنظار على طبيعة التهديدات الحقيقية التي تواجهها أمريكا. حيث تقول «كوندوليزا رايس» في هذا الصدد « إن تهديدات اليوم لا تتأتى من الجيوش الجرارة بمقدار ما تنبع من عصابات صغيرة ضبابية من الإرهابيين ولا تصدر عن دول قوية بمقدار ما تأتي من دول مفلسة حيث أنه لا شك في أن أمريكا بعد 11 سبتمبر تواجه تهديدا وجوديًا لأمنها لا يقل عن الحرب الأهلية أو الحرب الباردة»، وفي سياق آخر قالت إن الولاياتالمتحدة بوصفها الدولة الأقوى في العالم تقع على عاتقها مسؤولية العمل على جعل العالم أكثر أمنا حيث أنه ليس ثمة أي شرط أخلاقي أو حقوقي يلزم بلدا معينا بانتظار التعرض للهجوم قبل أن يصبح قادرا على التعامل مع تهديدات وجودية». بناء على ما سبق يمكن القول إنّ الحرب العالمية على «الإرهاب» هي مجرد شعار رفعته الإدارة الأمريكية من أجل ضمان مصالحها الجيوستراتجية في العالم وكسب المزيد من الشرعية، فمحاربة «الإرهاب» هو مصطلح أنتجته مراكز الفكر في أمريكا بكل ذكاء فهو مصطلح مطاطي ليس له تعريف محدد وواضح ، استطاعت الولاياتالمتحدةالأمريكية من خلاله إقناع العالم بخطر «الإرهاب»، هذه الحرب التي توجت بمقتل أسامة بن لادن -في وسائل الإعلام- من دون أن يرى العالم جثة هذا الرجل، هذه الحرب التي راح ضحيتها العراق وصدام حسين وذلك خوفا من التشكيك في قوة أمريكا وقدراتها، هذه الحرب التي راح ضحيتها الآلاف والآلاف من الضحايا ، هذه الحرب التي تورط فيها العالم لمحاربة شبح لا وجود له إلا بعد أن تقول أمريكا ذلك ولا أحد غيرها سيستطيع تحديده ، فالحرب العالمية على «الإرهاب» هي فعلا أكذوبة القرن دعمتها ما يسمى ب« داعش» كبديل لبن لادن والزرقاوي في إنتظار الجديد بعد نهاية مسلسل داعش.