33 نحتاج إلى ضرب العراق ! في أكتوبر 2003 نشر الكاتب والصحفي المصري الكبير والراحل محمد حسنين هيكل كتابه المعنون «الامبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق» وسرعان ما نفذت النسخ المطبوعة في العالم ليتم طبع نسخة أخرى من الكتاب في ديسمبر 2003 أي بعد شهرين فقط من صدور الطبعة الأولى. ولعل ما يلاحظ في هذا الكتاب مقدمته التي اقتصر فيها الكاتب الراحل على جملتين فقط تحملان بعد نظر الرجل وتكشفان رؤيته للأحداث التي ستتشكل في السنوات القادمة في العالم عموما وفي الوطن العربي خصوصا. وقد جاء في المقدمة: «هذه الفصول قصة وقائع سياسية قائمة، وهي في نفس الوقت تشكل أحوال سياسة قادمة». والذي يطالع ما جاء في الكتاب يكتشف أن هيكل كان يدرك أن غزو العراق الذي كان قد تم لم يكن الاّ حربا أولى في المنطقة سعت اليها أمريكا في اطار مخطّط سرّي لبناء شرق أوسط جديد تعيش اليوم المنطقة على ايقاعاته. فما يحدث اليوم بالشرق الأوسط من حروب ودمار ماهو إلا تعبيرة من تعبيرات سيناريو «الفوضى الخلاقة» الذي وضعته الإدارات الأمريكية المتعاقبة على مدى ال 40 سنة الفارطة لتأمين سيادة مطلقة لأمريكا على العالم. «التونسية» تنشر مقتطفات مطوّلة من كتاب هيكل المليء بالأحداث والأسرار. التقى بوش في الساعة الحادية عشرة والنصف بزعماء الكونغرس وبدأ كلامه معهم بقوله: «إن العدو كان يحلم بأن يقابلنا هنا في هذا المبنى، كان يريد أن يجيء إلى هنا ليحول البيت الأبيض إلى أنقاض. أريد للكونغرس أن يعرف أن تلك لم تكن حادثة منعزلة، ولا أريد أن تتحوّل أنظاركم عن هذه المعركة، بعد شهر من الآن سوف ينهمك الشعب الأمريكي في متابعة مباريات كرة القدم لكأس العالم، لكن إدارتي سوف تكون منهمكة في إدارة حرب لا آخر لها. إن العدوّ ليس جماعة محددة، ولكن عقلية معينة، هذه العقلية تكره المسيحية وتكره اليهودية، وتكره كل شيء يختلف عنها، وعلى بقية الأمم أن تختار». وفوجئ بعض زعماء الكونغرس بلهجة الرئيس، وارتفع صوت زعيم الأغلبية - الأسبق - في مجلس الشيوخ السيناتور «توماس راسل» موجّها كلامه للرئيس قائلا: «أرجوك أن تكون أكثر تحفّظا في ما تقول - وإذا كنت تريد تأييدنا، فإننا نطلب منك الاعتدال ومراعاة وقع كلماتك على أصدقاء الولايات المتّحدة». ثم تدخّل السيناتور «روبرت بيرد» (زعيم الحزب الديمقراطي في فرجينيا وعمره 83 سنة) ليطلب من «بوش» أن يهدئ روعه قائلا له: «إنني تعاملت مع عشرة رؤساء للولايات المتحدة قبلك، ولقد فهمت مما قلته لنا أنك لا تريد منّا قرارا بشنّ الحرب، وإنما تريد منّا تفويضا لك باستعمال القوة، أي أنك تطلب منّا ما سبق للرئيس «جونسون» أن طلبه في فيتنام سنة 1964 (في ما سمي بقرار «خليج تونكين»، وكانت تلك كذبة كبيرة طلب فيها «جونسون» تفويضا من الكونغرس بالردّ على عدوان، ولم يكن هناك بالفعل عدوان). استطرد السيناتور «بيرد» العجوز ليقول لبوش :«لن تحصل من الكونغرس هذه المرة على قرار مماثل لقرار تونكين، الكونغرس لن يسمح لك بهذا، وأمريكا مازال لها دستور يحكمها!». وأخرج «بيرد» من جيبه نسخة من الدستور! وتوتر جوّ الاجتماع! في الساعة الرابعة من مساء يوم 15 سبتمبر - دعي مجلس الأمن القومي إلى اجتماع آخر، وبدأ «بوش» بإلقاء صلاة فتح بها المداولات وكان وزير الدفاع «رامسفيلد» هو الذي بدأ الكلام قائلا: «مازلت مصرّا على سؤال لم أتلق جوابا عنه - هل حربنا ضدّ «القاعدة»؟ أم هي ضد الارهاب عموما؟». وردّ «بوش» قائلا :«شعوري أن الولاياتالمتحدة يجب أن تبدأ ببن لادن أولا - لأنه إذا جرى ضرب تنظيم «القاعدة»، فإن البقية تتداعى تلقائيا». وعاد «رامسفيلد» إلى الكلام: «إننا لا نستطيع أن نقيم تحالفا دوليّا ونحتفظ به على مجرّد ضرب «القاعدة»، لأن ضرب «القاعدة» هدف محدود ويمكن أن يتلاشى سريعا، وعندئذ ينفكّ التحالف ضد الارهاب بوهم أنه أدى مهمّته». وتدخّل نائب الرئيس «تشيني» في الحوار قائلا: «إنني أريد أن أركّز على قضية الدول التي ترعى الارهاب، وأريد أن ألفت النظر إلى أن التركيز على «دول لها كيان واضح» أسهل من التركيز على جماعات ليست لها ملامح« - الدول التي ترعى الإرهاب «متجسّدة»، والجماعات الارهابية مجرد «أشباح»، وأظنّ أننا سوف ننجح أكثر في العمل ضد «جسد»، ولا ننجح بالقدر الكافي ضد «شبح». وكان «بوش» هو الذي ردّ على نائبه قائلا: «إنني متخوّف من تشتيت عملنا، أظنّ أننا لابدّ أن نكون محدّدين أكثر حتى نحتفظ بتأييد الرأي العام، الناس فهموا أن «القاعدة» هي التي سببت لنا كل هذه الآلام في الأيام الأخيرة، وهم ينتظرون منّا أن نضرب في هذا الاتجاه قبل أن نتحوّل إلى غيره - هذا التركيز على «القاعدة» أيضا مهمّ لأصدقائنا في التحالف». وعاد «تشيني» يجادل: «إن تأييد العالم لنا مهمّ، لكنه لا يصحّ أن يقيّد أيدينا عن التصرف، من حقّنا أن نتصرّف بمفردنا، المهام التي يجب أن تحدّد التحالف، وليس التحالف هو الذي يحدّد المهام». وفجأة قال «رامسفيلد»: «أليس من الضروري أن نضرب العراق أيضا وليس «القاعدة» فقط؟ - العراق يمكن أن يكون هدفا متجسّدا أمامنا، وقابلا للضرب على أساس أنه من رعاة الارهاب - «صدام حسين» ليس شبحا وإنّما هو بلد!». أشار «رامسفيلد» إلى معاونين له يجلسون وراءه في اجتماع مجلس الأمن القومي «وفيهم نائبه «بول وولفويتز» ورئيس لجنة التخطيط الاستراتيجي «ريتشارد بيرل»)، واستطرد :«كنّا في اجتماع البنتاغون ولم يكن هناك حول المائدة من لا يعتقد في صميم قلبه أن «صدام حسين» خطر شديد لأنه مصمّم على حيازة أسلحة دمار شامل يمكن أن تصل إلى يد الجماعات الإرهابية». ويستطرد «رامسفيلد» : «ضرب العراق يمكن أن يبدأ بسرعة، والخطط لدينا جاهزة». وتدخل «كولين باول»: «ضرب العراق الآن ليس مناسبا، والأنسب هو التركيز على «القاعدة»، والرأي العام الأمريكي مشحون هذه اللحظة ضد «القاعدة»، وتحويله إلى الاقتناع بعمل ضد العراق، سوف يكون صعبا، والادارة تحتاج إلى تأييد الشعب الأمريكي، والشعب الأمريكي يريد منّا عملا ضد القاعدة». وجاء الدور على الرئيس الذي قال: «موضوع العراق يحتاج إلى وقت، الآن نريد خطة عمل لتدمير تنظيمات الإرهابيين، وأريد على الفور قائمة بأسماء هؤلاء البلطجية، وأريد خطة لتعقبهم، إنني ألاحظ أن كثيرين يعودون بأفكارهم إلى أجواء حرب الخليج السابقة، ويقارنون بين الحالتين - المقارنة ليست الآن صحيحة والشعب الأمريكي ينتظر منّا ضربة كبيرة، ولابدّ أن أقنعهم بأننا بدأنا الحرب ضد الإرهاب، وأن «القاعدة» هي الخطوة الأولى، إنني أطلب عملا سريعا ضد الارهاب، وقد بدأت أشعر بالإحباط!». وقال «كولين باول»: «إن هناك فرصا كبيرة للحرب ضد الإرهاب - ضد «القاعدة» وحتى «طالبان»، بطريقة تختلف عن تلك التي شنّها السوفيات». نحتاج إلى ضرب العراق! بعد أربعة أيام من الصدمة، وفي أول عطلة نهاية أسبوع تليها، وبالتحديد يوم 15 سبتمبر - دعا الرئيس «جورج بوش» أركان إدارته إلى اجتماع غير رسمي، لمناقشة أكثر هدوءا في منتجع «كامب دافيد»، وقد طلب من المشاركين في الاجتماع أن يحضروه بملابس غير رسمية، حتى يكون اجتماعهم حوار زملاء وأصدقاء - صريحا مفتوحا - مرتاحا ووديّا! ودخل الرئيس نفسه إلى القاعة بقميص أزرق فتح ياقته، وفوقه جاكيت أخضر اللون، واتخذ مقعده وسط قاعة الاجتماعات المعدّة في المبنى المسمّى «لوريل لودج»، وعلى يمينه جلس نائبه «ريتشارد تشيني» وعلى يساره جلس وزير خارجيته «كولين باول»، واصطفّ الباقون حول المائدة، ولاحظ وزير الخارجية أن وزير الدفاع «دونالد رامسفيلد» اصطحب معه نائبه «بول وولفويتز»، كما أن «جورج تنيت» مدير المخابرات المركزية اصطحب معه اثنين من مساعديه هما نائبه «جون ماكلولن» ومدير شؤون العمليات في إدارته «كوفر بلاك»، وأبدى «باول» دهشته قائلا :«إنه لم يكن يعرف أن مساعدي الوزراء مدعوّون للاجتماع، وإلا لجاء معه بنائبه «ريتشارد أرميتاج»». وفتح «بوش» الاجتماع بتلاوة الصلوات، ثم دعا وزير المالية للكلام عن تأثيرات الانهيار الذي حدث في بورصات أمريكا للأوراق المالية ، مبديا خشيته أن ذلك سوف يؤثر على كل الناس، خصوصا صناديق التأمين والمعاشات، وكلها تستثمر أموالها في السوق، وعرض وزير المالية تقديره للأحوال. ثم التفت «بوش» إلى وزير الخارجية «كولين باول» يدعوه لشرح مواقف دول التحالف، وقال «باول»: إن وزارة الخارجية بدأت العمل على الفور - متواصلا وملحّا - بادئة من نقطة ملخصها كما سمع من الرئيس «إن الهجمات على نيويورك يمكن اعتبارها فرصة لإعادة تشكيل العلاقات الدولية على مستوى العالم، والطريق إلى ذلك بناء تحالف دولي واسع لابد من إشراك أعضائه في المعلومات والسياسات والأفكار، وقد اتصلت في اليومين الأخيرين برؤساء خمس وثلاثين دولة، أشرح لهم أن ذلك لم يكن هجوما على أمريكا، ولكن هجوما على الحضارة ذاتها». ثم انتقل الرئيس «بوش» إلى الكلام في صلب الموضوع الذي دعا الاجتماع في كامب دافيد من أجله، واختار له هذا الجوّ المريح والهادئ، وكان سامعوه يصغون إليه عارفين أنه صوته - لكن أحدا منهم لم يكن واثقا أن لسان الرئيس ينطق بعقله، واذا لم يكن فمن الذي قام بتلقينه الدرس - وعلى الأقل فقد كان واضحا للجميع أن «بوش» يتحدّث بخليط ممّا عنده ومما عند غيره. واستفاض «بوش» في الكلام: «الشعب الأمريكي يريد عملا كبيرا، مهولا، فرقعة عظيمة (استعمل «بوش» تعبير الانفجار العظيم Big Bang الذي يصف به علماء الطبيعة تلك اللحظة الهائلة التي انفجر معها خلق الكون). لا أريد معركة واحدة، ولكن أريد حربا ممتدّة يشعر بها الشعب الأمريكي ويتأكد أننا نواصل الدفاع عنه حتى أقاصي الأرض. لا يهمّني اعتقال رجل واحد ولا اعتقال عدّة رجال، وإنما يهمني أن نتوصّل إلى صيغة فعل تعطينا تفويضا مفتوحا لعمل حيث نشاء - لا يهمني أن يحاول أحد منّا أن يضع حدودا وهميّة على فعل القوة الأمريكية، أو حدودا مالية تقيّد مجال عملها».