31 ضربة 11 سبتمبر والبحث عن عدوّ في أكتوبر 2003 نشر الكاتب والصحفي المصري الكبير والراحل محمد حسنين هيكل كتابه المعنون «الامبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق» وسرعان ما نفذت النسخ المطبوعة في العالم ليتم طبع نسخة أخرى من الكتاب في ديسمبر 2003 أي بعد شهرين فقط من صدور الطبعة الأولى. ولعل ما يلاحظ في هذا الكتاب مقدمته التي اقتصر فيها الكاتب الراحل على جملتين فقط تحملان بعد نظر الرجل وتكشفان رؤيته للأحداث التي ستتشكل في السنوات القادمة في العالم عموما وفي الوطن العربي خصوصا. وقد جاء في المقدمة: «هذه الفصول قصة وقائع سياسية قائمة، وهي في نفس الوقت تشكل أحوال سياسة قادمة». والذي يطالع ما جاء في الكتاب يكتشف أن هيكل كان يدرك أن غزو العراق الذي كان قد تم لم يكن الاّ حربا أولى في المنطقة سعت اليها أمريكا في اطار مخطّط سرّي لبناء شرق أوسط جديد تعيش اليوم المنطقة على ايقاعاته. فما يحدث اليوم بالشرق الأوسط من حروب ودمار ماهو إلا تعبيرة من تعبيرات سيناريو «الفوضى الخلاقة» الذي وضعته الإدارات الأمريكية المتعاقبة على مدى ال 40 سنة الفارطة لتأمين سيادة مطلقة لأمريكا على العالم. «التونسية» تنشر مقتطفات مطوّلة من كتاب هيكل المليء بالأحداث والأسرار. في الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر 11 سبتمبر 2001، وبعد أن استجمع الرئيس الأمريكي بعض أعصابه في أعقاب صدمة تفجيرات البرجين، دعا إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن القومي على الشبكة الالكترونية الرئاسية، وكان «بوش» ساعتها في قيادة القوات الجوية بولاية «نبراسكا»، ولأنّه لم يكن قرّر بعد موعد عودته إلى العاصمة، فقد أراد أن يكسب وقتا، وتمت الترتيبات اللازمة بسرعة، وكان أوّل المتحدّثين في هذه الجلسة الالكترونية هو «جورج تنيت» مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الذي ظهر جالسا على مكتبه في واشنطن قائلا: «سيادة الرئيس، نستطيع أن نقول في شبه يقين (near certainty) أن «بن لادن» وراء الهجوم على نيويورك صباح اليوم، فلقد وجدنا من بحث قائمة الركاب على شركة الطيران الأمريكية للرحلة رقم 77 (التي ضربت مبنى البنتاغون) أن أحد الركاب هو «خالد المدحار»، وذلك رجل تابعنا نشاطه قبل سنة في ماليزيا، وقد تمكن «عميل في خدمة الوكالة» من تحديد موقعه في تنظيم القاعدة، ووقتها قامت الوكالة بإخطار إدارة المباحث الفيدرالية F.B.I كي تضع هذا الرجل على قائمة الممنوعين من دخول الولاياتالمتحدة، لكن المخابرات المركزية فوجئت عندما وجدت اسم «المدحار» ضمن ركاب الرحلة 77، ومعنى ذلك أنه تمكن من التسلّل إلى الولاياتالمتحدة. يوم 12 سبتمبر (اليوم التالي للصدمة الكبرى)، دُعي مجلس الأمن القومي لاجتماع خاص في البيت الأبيض (اجتماع بشر من لحم ودم وليس ترددات ذبذبات الكترونية مشفّرة)، وكان «جورج تنيت» أوّل المكلّفين بعرض الموقف، وألقى «تنيت» بالمسؤولية على القاعدة، وبعدها على حكومة طالبان التي تؤويها، وبعدها على المخابرات العسكرية الباكستانية التي دعّمت حركة طالبان ومكّنت لها، واعتبرتها المؤتمنة على الجهاد الإسلامي في أفغانستان (ضد الاتحاد السوفياتي السابق)، وصاحبة دولته الحاكمة في ذلك البلد، وعلق «بوش» قائلا: «الحملة ضد الإرهاب فرصة عظيمة لإقناع روسيا والصّين بالانضمام إلينا». ثم التفت الرئيس إلى وزير الدفاع «دونالد رامسفيلد» وقد أخطره بالأمس أن الكرة في طريقها إلى ملعب القوات المسلحة) يسأله عما توصل إليه، وكان «رامسفيلد» قد أعد ورقة أمامه كتب عليها مجموعة أسئلة يريد طرحها، والحصول على إجابات عنها تكون توجيها واضحا للقوات المسلحة. «إذا كنا سنوجّه ضرباتنا ضد القاعدة، فنحن نريد أن نعرف: 1 ما هي الأدلة المتوافرة لدينا على مسؤولية هذا التنظيم عمّا جرى بالأمس؟ 2 ما هي الأهداف التي يمكن أن نوجّه إليها ضرباتنا لكسر التنظيم؟ 3 ما هو التوقيت المقترح لبداية ضرباتنا؟ وتوقف «رامسفيلد» لحظة ثم استكمل: «أريد أن أكون واضحا: 1 ليست لدينا خطط طوارئ جاهزة للتعامل عسكريا مع تنظيم «القاعدة». 2 ليست لدينا قوات معبّأة للعمل في مناطق تواجد هذا التنظيم في أفغانستان. 3 إذا أردنا توجيه ضربات جوية متواصلة في أفغانستان، فنحن نحتاج في الإعداد والتحضير والنقل وتشوين الأجهزة إلى مدة ستين يوما. وتدخل وزير الخارجية «كولين باول» يبدي دهشته من أنّ وزير الدفاع يطرح أسئلة كان واجبه تقديم إجابات عنها. ورد «رامسفيلد» بأنه لاحظ في سير المناقشات أنّ بعض زملائنا «لا يتصوّرون أن ننتظر ستين يوما قبل أن نضرب»، بل وسمع أحد مستشاري الرئيس يقول: «إنه لا يمكن تصوّر الانتظار حتى يوم 11 نوفمبر حتى تردّ الولاياتالمتحدة على حدث وقع يوم 11 سبتمبر»، وهو يريد أن يعرف الجميع أنّ توجيه ضربة عسكرية تختلف عن الإدلاء بتصريحات مرسلة إلى وسائل الإعلام، وأضاف «إنّ الأسئلة التي طرحها حقيقية وهي ليست أسئلته الوحيدة، وإنّما لديه بعد ما ذكر قائمة طويلة». فيها السؤال عن «أيّة حدود سوف نلتزم بها في توجيه الضربة؟».وفيها السؤال عن «من هم حلفاؤنا في توجيه هذه الضربة؟». وفيها السؤال عن «هل هناك حلفاء لنا يساعدون القاعدة؟ وإذا كان فهل نوجه إليهم ضرباتنا أيضا؟». ثم قال «رامسفيلد» بلهجة درامية: «إن القوات تحتاج إلى توجيهات محدّدة!».وقال «تشيني»: «إنه يفهم أنّ أفغانستان على بعد سبعة آلاف ميل من أمريكا، وأنّ عدد سكانها 26 مليون نسمة، أي أنّها في حجم تكساس (ولعل «تشيني» أراد بهذه المقارنة أن يقرب الصّورة إلى عقل «بوش») فماذا سنفعل بالضبط؟». وتدخل «بوش» ليقول «كما فهما فإنّنا كنّا نتابع «بن لادن» حتى خروجه من السودان في ماي سنة 1998 هذا عرفته مما قرأته بعد ذلك ذهب «بن لادن» إلى أفغانستان وهناك احتضنته حكومة طالبان أبلغوا طالبان أننا نفضنا أيدينا منهم طالبان والقاعدة هما نفس الشيء». وتدخل «رامسفيلد» يرد الجميل لباول فيقول: «نحن نقترب أكثر من تحديد هدفنا، ولكني أظنّ أنّنا نحتاج قبل أن نتحدّث عن العمل العسكري إلى الحديث أيضا عن الدور الذي يمكن أن تقوم به القوة الأمريكية في مجالات غير عسكرية، وفي التمهيد لهذا العمل العسكري حين يجيء وقته، فهناك ضرورات لعملية إعداد سياسي وقانوني وديبلوماسي ومالي ومخابراتي، وكل ذلك لازم قبل أن تبدأ الضربات، لهذا قلت أنّنا نحتاج إلى ستين يوما ليس فقط للعمل العسكري، ولكن لمقدّماته وتجهيزاته غير العسكرية». وتدخل «جورج تنيت» مدير المخابرات المركزية يقول «إنّ قيادة القاعدة موجودة في أفغانستان، ولكن نشاطها عالمي، وهي موجودة في كلّ القارات، ونحن لدينا قائمة بستين بلدا رصدنا فيها تحركات «للقاعدة».ورد «بوش» يقول «لنأخذهم بلدا بعد الآخر لأننّنا نستطيع التصرّف معهم جميعا في نفس الوقت». وعاد «رامسفيلد» يقول «المسألة ليست فقط «بن لادن»، ولكن هناك دولا كثيرة تتعاون أو تتهاون مع الإرهاب!».وختم «بوش» المناقشة في هذا الموضوع بقوله «علينا أن نرغمهم أولا على الاختيار، إما نحن وإما القاعدة، إما معنا وإما معهم، إما حلفاء لأمريكا وإما حلفاء للإرهاب».