لأننا نعتبر أنفسنا شريكا فعّالا في الحوار المدني حول مشروع إصلاح التعليم في تونس انطلاقا من مهمّتنا الاعلامية في توهّجها التربوي ضمن جريدة «التونسية» الرائدة فالأمر يدعونا حتما بوضوح إلى فتح ملف البرنامج الدراسي بكل مجالاته التعلّمية وأهمها مجال «التنشئة الفنية والبدنيّة» المتكوّن من مواد «التربية التشكيلية» و«التربية الموسيقية» و«التربية البدنية» حيث الاستغراب يفرض نفسه منذ التأشير على نشاط هذه المواد في المدارس الابتدائية باعتبار أن المعلّم ليس صاحب اختصاص وغير مؤهّل لتدريس هذه المواد في قسمه والأكثر من هذا ان المعلّم لم يخجل إطلاقا في الاعتراف بعدم إلمامه خاصة بطرق ومحتويات هذه المواد التي تستوجب حتما الموهبة إلى جانب المعرفة مثلما يحصل مع أساتذة الموسيقى والتربية التشكيلية والبدنيّة الذين يدرسون خلال المرحلة الجامعية في معاهد عليا تختصّ بكل مجال على حدة بينما ما يأتيه المعلّمون من ممارسات فعليّة مع تلاميذهم فهي ما شابه ذرّ الرماد على العيون خاصة مع غياب التأطير والتكوين والإرشاد من قبل الخبراء. والدليل حتما يتّضح في مادة التربية الموسيقية التي تهدف إلى تمكين المتعلّم من الإنشاد المساير بالأنشطة الايقاعيّة.. والاستماع والتذوّق.. وتعرّف الآلات الموسيقية والتمييز بينها.. واكتساب معرفة موسيقية ملائمة لقدراته ثمّ التعبير والتواصل باللغة الموسيقية وهي عناوين للأمانة عسيرة ومعقّدة على معلم التعليم العام فما بالك والمدارس الابتدائية تفتقر إلى وسائل الايضاح الموجّهة لهذه المادة وآلات العزف والإيقاع. وتزداد الحيرة في مادة التربية الموسيقية لما تؤشر البرامج الرسمية إلى عدّة توجيهات تقنيّة تهمّ كيفية التنفّس أثناء الإنشاد والتحسيس بالأصوات الصاعدة والنازلة من خلال النشيد باعتماد الاشارات اليدويّة المبرزة لحركة الصّوت.. واعتماد جمل موسيقية معروفة ذات هدف تعليمي لإبراز الاستقرار في الصوت إلى جانب حركتي الصعود والنزول وهي مفاهيم لا يقدر على فهمها واكتسابها غير أهل الميدان الموسيقي وخاصة الخبراء منهم. وفي نفس التمشي التربوي والبيداغوجي فإن مادة التربية التشكيلية كأحد فروع الفنون تساعد المتعلّمين على إذكاء الحسّ الجمالي وإنماء الذكاء وقدرات التعبير والتواصل والابداع ومنها تملك التقنيات وتحقيق اندماجها وفق المبادئ التشكيلية وتفعيل وتنظيم العلاقات بين العناصر التشكيلية باعتماد التقنيات وهي أيضا خارجة عن سيطرة معلّم القسم بل يجهلها تمام الجهل وان اجتهد فهي مجرّد محاولات بسيطة مثلما يحدث مع مادة التربية البدنية التي يتعسّف فيها المعلم على تلاميذه خاصة في غياب ميادين تعاطي هذا النشاط الذي يتطلّب معرفة موجهة تهم خاصة مراحل التنشيط باعتبارها تتوجّه إلى الجسم بما فيه من طاقة وقدرة ومرونة. وأمام هذه الوضعية الموغلة في الحيرة والاستغراب لمواد يسند لكل واحدة منها عددا من 20 ممّا يؤثر على المعدّل العام فالحلّ قد يكون في تحويل هذه المواد الثلاث التي تعتمد خاصة على الموهبة إلى أنشطة ضمن النوادي المدرسية لتخرج من دائرة النشاط البيداغوجي والتعلّمي ومن التقييم وتفسح المجال إلى فكّ كماشة الزمن المدرسي على التلاميذ حيث تصبح اختياريّة وحسب الميولات الفردية.