تشهد المناطق الحدودية الجنوبية توسعا غير مسبوق في نفوذ المهربين حتى باتوا يحتجون على الدولة مطالبين إياها بفك الحصار الذي تضربه القوات الأمنية والديوانة على تجارتهم في المعابر مع ليبيا . ونفذ مؤخرا عدد من مهربي البنزين وقفة احتجاجية في إحدى الساحات العامة بمنطقة بن قردان مطالبين الحكومة بتمكينهم من بطاقات مرور إلى القطر الليبي كحل وقتي عند جلب البنزين . و هدد مهربو البنزين بالتصعيد في احتجاجهم بغلق الطريق الرابطة بين منطقة بن قردان والمعبر الحدودي رأس جدير، إذا تواصل منعهم من تهريب البنزين عبر المسالك الصحراوية والتصدي لهم من قبل الوحدات العسكرية على طول الشريط الحدودي. ويؤكد العديد من الخبراء أن توسع نشاط التهريب في المنطقة الحدودية الجنوبية حوّل مدينة بن قردان التي تعد نقطة ارتكاز مهمة في التجارة الموازية إلى ما يشبه الدولة داخل الدولة وهو ما أدى إلى احتجاج تجار الوقود المهرب على أنهم أصحاب حق مطالبين الدولة بتسهيل عملهم «غير الشرعي» . وحسب بيانات رسمية نشرها البنك الدولي في أحد تقاريره يشتغل نحو أربعة آلاف شخص من أبناء المنطقة ممن تتراوح أعمارهم ما بين 20 و35 عاما في التجارة الموازية والتهريب وتجارة صرف العملة في السوق السوداء. وقال البنك الدولي إن « هذا النوع من التجارة له دور اقتصادي واجتماعي مهم في المناطق الحدودية حيث التجارة غير الرسمية من الأنشطة الاقتصادية المهمة». وارتفعت وتيرة عمليات التهريب بين ليبيا وتونس بعد الإطاحة سنة 2011 بنظامي الحكم في البلدين، ومع دخول ليبيا في حالة فوضى أضعفت الدولة وممّا جعل التجارة الموازية في المحروقات وغيرها من أهم مصادر الكسب لأهالي منطقة بن قردان وغيرها من المدن المجاورة للمعابر الحدودية . ورغم تذمر شركات توزيع البترول من تراجع نشاطها في الجنوب إلى أكثر من 70 بالمائة تقف الحكومة التونسية عاجزة عن وقف نزيف التهريب تخوّفا من انفجار الوضع الاجتماعي والأمني بهذه المناطق الحساسة الأمر الذي قد يسهل تسرب الجماعات الارهابية المتشددة التي تنتعش في مناخات الفوضى والفراغ الأمني . ويقول رئيس غرفة محطات توزيع الوقود محمد الصادق البديوي إن أغلب محطات الوقود في ولايات الجنوب أغلقت أبوابها ما عدى القلة القليلة للشركات الحكومية التي تكتفي بتزويد السيارات الإدارية وأسطول النقل الحكومي لافتا إلى أن الدولة لن تستطيع السيطرة على مهربي الوقود . وأكد نشطاء في المجتمع المدني بالجنوب التونسي أن الساتر الترابي الذي اقامته الحكومة على الحدود الجنوبية قلص من تحركات المهربين وجعلهم يحتجون علنيا رغم نشاطهم غير القانوني متوقعين أن تبادر السلطات الجهوية بإيحاد حلول وقتية لامتصاص غضب هؤلاء التجار. ويعد المساس بمصالح مهربي البنزين بمثابة الخط الأحمر بالنسبة إلى أهالي بن قردان الذين قايضوا تعطل مشاريع التنمية في منطقتهم مقابل النشاط في التجارة الموازية. وحسب تقرير نشره البنك الدولي ديسمبر الماضي يتكبد الاقتصاد التونسي سنويا خسائر بقيمة 1.2 مليار دينار بسبب «التجارة الموازية» مع الجارتين ليبيا والجزائر. وذكر البنك ان التهريب والتجارة غير الرسمية يمثلان «أكثر من نصف المبادلات التجارية مع ليبيا» وأن 328 ألف طن من السلع المهربة تمر سنويا عبر راس جدير في بن قردان. ويعتبر التهريب صمام أمان في تونس التي تعاني من إرتفاع نسب البطالة والفقر. وكان مدير ديوان رئاسة الجمهورية الجزائرية أحمد أويحيى قد أعلن منذ نوفمبر الماضي أن رفع اسعار الوقود قد يسهم في الحد من ظاهرة تهريب هذه المادة الى المغرب وتونس الذي يسبب خسارة للبلاد بقيمة ما يقارب ملياري دولار سنويا. وأكد أويحيى: «نحن نسقي شمال إفريقيا بأكثر من ملياري دولار من المحروقات، ديزل وبنزين وغير ذلك». أمّا الحكومة الجزائرية فقد أعلنت منذ بداية العام الحالي عن خطة استنفرت فيها 4 وزارات لمقاومة التهريب والنزول بنسبة الاقتصاد الموازي من 50 بالمائة إلى 20 بالمائة في غضون السنوات الأربع القادمة عبر تعصير أجهزة الديوانة . وتكشف الدوريات المشتركة بين الأمن والديوانة باستمرار عن شبكات منظمة للتهريب الحدودي وتقوم بحجز كميات كبيرة من الوقود المهرب كما نجحت هذه الفرق منذ العام الماضي في الإطاحة بأشهر الشبكات الناشطة في مجال التهريب بالجنوب التونسي ومصادرة سلعها .