بدأ العد التنازلي لمؤتمر حركة «النهضة» وسط استعدادات لوجستية مكثفة اذ يعد المؤتمر الحدث الأبرز على الإطلاق في الساحة السياسية وقد يحظى أيضا بحضور رئيس الجمهورية. المؤتمر الإستثنائي يصفه القائمون عليه بالمضموني بالنظر إلى التغييرات التي تترقبها الحركة صلب هيكلتها وتوجهاتها العامة فضلا عن التداعيات المرتقبة لنتائج المؤتمر على تماسك الحركة وحظوظها في الاستحقاقات السياسية القادمة . وإذ تبدو الأجواء على ما يرام في «مونبليزير» إلا أن المقربين من الحركة يؤكدون أن التنافس على أشده صلب الحزب من أجل الظفر بمقعد صلب المكتب السياسي القادم لاسيما وإن الترشح للمؤتمر سيكون ولأول مرة في تاريخ الحزب حرا وهو ما يؤكد أن حجم الترشحات سيكون هاما فضلا عن إمكانية قلب المعادلة عبر صندوق الاقتراع . وتتطلع الحركة في هذا المؤتمر، عبر فتح باب الترشح لكل أبنائها، الى تعزيز الصورة التي ترسمها قياداتها منذ فترة بأن الحزب يتطلع إلى ارساء دعائم الديمقراطية في تونس كما يهدف إلى تركيز الدعائم ذاتها صلب هياكله. وقد أسرت مصادر ل «التونسية» أن الإعداد اللوجستي للمؤتمر سيضمن طريقة جديدة في التصويت عبر اللوحات الرقمية بما يغلق باب الطعن نهائيا في نتائج التصويت . ويعتبر المراقبون للشأن العام والمقربون من الحركة أن الترشح الحر سيجعل المؤتمر سيد نفسه لا سيما انه لن يجوز بعدها للغاضبين الاعتراض على نتائج الصندوق خلافا لما كان يتم سابقا بحصر قائمة المترشحين في أشخاص دون غيرهم ، وهو ما من شأنه أن يقلص من فرضيات الانشطار صلب الحزب على غرار ما يحصل عقب جل المؤتمرات الحزبية . مؤتمر حركة «النهضة» الذي سيكون فاتحة لمؤتمرات حزبية لاحقة على غرار مؤتمري «النداء» و«المشروع» قد يكون أيضا فاتحا لشهية هذه الأحزاب التي لم تنقطع حركة التململ صلبها منذ التأسيس من أجل ترسيخ الممارسات الديمقراطية صلبها و بناء كيانات حزبية أكثر تماسكا وهو ما سيكون له بالضرورة انعكاسات هامة على العمل البرلماني والحكومي في المرحلة القادمة . فالديمقراطية داخل الحركة والبلاد شعار رفع منذ تكوينها في سنة 1979 كأوّل تمظهر هيكلي وتنظيمي لحركة «النهضة» اليوم ويبقى التأكيد على البعد الديمقراطي الداخلي في بعض الأحيان معطى متخماً لأسئلة المؤتمر الحقيقيّة على الرغم من تباهي قواعدها بكونها الحزب الكبير الوحيد الذي قام بمؤتمر بعد الثورة التونسية ويستعد لمؤتمره الثاني فيما تتّسم جلّ الأحزاب بالانشطارية حتى قبل وصولها لعقد مؤتمراتها. وبالرغم من أن مسألة فصل الدعوي عن السياسي كانت النقطة الأكثر جدلا في الحديث عن مؤتمر «النهضة» فإن سؤال «الفصل والوصل» بين الدعوي والحركي كما يحلو لأبناء الحركات الإسلامية في العالم أن يصفوه ليس سؤال المؤتمر الحقيقي. فحركة «النهضة» اليوم لا تقوم بدور دعوي فهي تشتغل في السياسة فقط ومدركة تمام الإدراك بأنّ الشعب التونسي شعب مسلم إن احتاج للدعوة فلن تكون عبر حزب سياسي يدعوه للصلاة ثم يدعوه للتصويت له في الانتخابات وهو ما يجعل تفاعل «النهضة» الحقيقي يكمن في كيفيّة إرضاء الناخب التونسي وتقديم حلول عمليّة للفقر والظلم والمرض والفساد والبطالة. وعليه إذا لم تجد حركة «النهضة» لها دوراً في المجتمع التونسي وفي إيجاد حلول لمشاكل البلاد الحقيقية والمظلومين، فلن تكون غير رقم حاضر في السياسة غائب في المجتمع باعتبار أنّ القواعد الانتخابية للحركة وغيرها من الأحزاب لن تنتظر أقل من حلول شجاعة في الطرح وفي التحرّك من أجل تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي المحتقن ، فالمنوال الاقتصادي يحتاج لكفاءات تدرك ما تفعل ولمناضلين لا يخافون المبادرة.