ايداع 9 من عناصرها السجن.. تفكيك شبكة معقدة وخطيرة مختصة في تنظيم عمليات "الحرقة"    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العجمي لوريمي ل «التونسية»:التوافق والشراكة خيار استراتيجي ل «النهضة»
نشر في التونسية يوم 18 - 12 - 2015

لا مبرّر للارتياب من تحوّل «الربيع العربي» إلى ربيع نهضوي
لا نتطلّع لاستثمار انشطار «النداء»
هذه مواصفات الحكومة التي ننتظرها
حاورته: جيهان لغماري
كشف العجمي لُوريمي عضو المكتب التنفيذي والمسؤول عن مكتب الإعلام والاتصال بحركة «النهضة» في حوار «التونسية» معه ان المؤتمر العاشر للحركة سيكون مؤتمرا استثنائيا وان التونسيين سيكشفون حجم المجهود النظري والفكري والسياسي المبذول بين مؤتمرين (9 - 10) وأنه سيبتّ في طريقة ترتيب العلاقة بين البعد السياسي والبعدين الثقافي والدعوي مؤكدا ان «النهضة» لا تتطور عبر القطائع المؤلمة والهرولة أو الهروب الى الأمام وإنّما بالمراكمة والتدرج العقلاني والتفاعل الخلاق.ونأى لُوريمي بالحركة عن أزمة «نداء تونس» مصرّا على أنها أزمة داخلية مشيرا الى ان كتلة «النداء» تبدو بعيدة عن الانشطار حتى وإن غادرها البعض وعلى أن حركته ستحافظ على الموازين التي منحها إيّاها الصندوق وأن «النداء» سيبقى الحزب الأول و«النهضة» الحزب الثاني.
بقية التفاصيل في السطور التالية:
مواعيد مختلفة لمؤتمر حركتكم، لماذا هذا التذبذب الذي أصبح ميزة كل الأحزاب بكبيرها وصغيرها؟
تأخر موعد عقد المؤتمر العاشر للحركة أكثر من مرّة حتى يتم الاعداد الجيد وتكون مخرجات المؤتمر في مستوى انتظارات أبناء الحركة ولوكان مؤتمرا انتخابيا لأنعقد في الموعد الأصلي المحدّد له لكن المؤتمر العاشر وهو في الاصل مؤتمر استثنائي بصدد التحول الى مؤتمر عادي حدد له المؤتمر التاسع طبيعته ومهمته وهي البت في سبل ومسالك تصريف مشروع الحركة أي حسم موضوع العلاقة بين البعدين السياسي والاجتماعي في تجربة الحركة أو ترتيب العلاقة بين البعد السياسي والبعدين الثقافي والدعوي وكيف تفضي تجربة الحركة التي تمتد على أربعة عقود عرفت فيها منعطفات عديدة منها المنعطف السياسي والمنعطف الاحتجاجي،الى بناء الحزب الوطني الذي يكون حزب برامج وحزب حكم يتميز بالمواءمة بين الاسلام والديمقراطية وبين الاسلام والعصر وهي مواءمة تقتضيها تنمية البلاد وتحديث الدولة وإرساء مؤسسات الجمهورية الثانية.
ألا يدلّ هذا التذبذب على خوف من قطاع عريض من قواعدكم التي لم تستسغ بعد، أولا تسليمكم السلطة قبل موعدها وثانيا المشاركة الضعيفة (على الأقل ظاهريا) في الحكومة الحالية بما لا يتناسب وعدد مقاعدكم في البرلمان؟
لا وجود لتذبذب أصلا بل هناك وضوح في التوجهات والخيارات. فالخيار الاستراتيجي للحركة هو الشراكة في الحكم والتوافق من أجل مصلحة تونس وكل مكونات الحركة متفقة على ذلك فهذا التوجه أقره مجلس الشورى ويتابع تنزيله المكتب التنفيذي وقد ترك لنا الناخب التونسي الخيار بين المعارضة والمشاركة وقد اخترنا المشاركة رغم مغريات موقع المعارضة وجاذبيته. أما قواعد الحركة فقسم منها رأى في هذا التوجه ضربا من التنازلات التي كان يسعنا تفاديها وقسم آخر يرى المصلحة في تقاسم الاعباء وثمار النجاح ومسؤولية الاخفاقات. والمؤكد ان المرحلة الانتقالية مازالت مفتوحة وقد تمتد الى سنوات وهي مرحلة بناء وانتقال ديمقراطي ومرحلة اصلاحات كبرى تتطلب تظافر الجهود وتقوية الجبهة الداخلية وتجنب السقوط في التجاذبات الحزبية والاستقطاب الايديولوجي.
كثيرا ما يتحدّث قياديو «النهضة» عن مراجعات حقيقية قامت بها الحركة ومع ذلك ما زال طيف غير قليل من السياسيين في حالة ارتياب، ما جدوى هذه المراجعات ما دامت لم تنجح في إقناع المنافسين؟
المؤتمر العاشر سيكون مناسبة ليكتشف التونسيون والمهتمون بالشأن التونسي وبحياة الاحزاب التونسية حجم المجهود النظري والفكري والسياسي المبذول من لجنة الاعداد المضموني بين مؤتمرين (التاسع والعاشر) ومن المهم التأكيد ان «النهضة» لا تتطور عبر القطائع المؤلمة والهرولة أو الهروب الى الامام وإنّما بالمراكمة والتدرج العقلاني والتفاعل الخلاق مع واقعها ومحيطها فنحن نؤمن بأن التطوير عمل يومي وجهد متواصل بل جهد جماعي واشتغال على الاشكاليات الكبرى كالعلاقة بين الدعوي والسياسي وموقع الدين في المجتمع والعلاقة بين الحركة والحزب ونحن في بحث مستمر عن افضل التعبيرات والصياغات.
ولكن المراجعات تتطلّب صياغة «ورقة مشروع» في مؤتمركم القادم تنصّ بوضوح على هذه المراجعات وخاصة على القطيعة الجزئية أو الكاملة مع الورقة التأسيسية ل «الاتجاه الإسلامي» (الاسم السابق لحركة النهضة)؟ فإلى اليوم ليس لأي متابع للشأن السياسي أية ورقة أخرى للحكم على مرجعيّاتها؟
قد يكون هناك من يريد أن تطرح «النهضة» جلدها وتخرج من قشرتها وتطلق مرجعياتها أو تتخلى عن مسؤولياتها الوطنية والحضارية غير مدركين خطورة الفراغ الذي يمكن ان يترتب عن تخلي حركة مثل «النهضة» عن دورها التجديدي والثقافي والاجتماعي ليخلو الفضاء العام لدعوات الغلو والانسلاخ والانبتات ومنذ الثمانينات هناك من اراد حمل «النهضة» على التحوّل الى جمعية ثقافية تولي ظهرها للشأن العام أو تتحول الى حزب أداتي غايته الحكم لا حركة إصلاحية تنويرية ذات أولوية مجتمعية،ويتركز جهد لجنة الاعداد المضموني للمؤتمر العاشر على تحقيق المعادلة بين هذه الادوار والوظائف في إطار مشروع وطني نعتقد أن حركة «النهضة» هي الاقدر على بلورته في إطار مرجعية دستور الجمهورية الثانية وأهداف ثورة الحرية والكرامة والمشتركات الوطنية، ولاشك ليس هذا دورها وحدها وبصفة حصرية وانما شراكة وتفاعلا مع القوى والاطراف الوطنية الديمقراطية، لكنها تبدو الآن الاكثر جاهزية والأوفى شروطا من الناحية التاريخية لإنجاز ذلك.
أما ما يمكن أن نصطلح عليه بالمراجعات ولنقل المراجعات الكبرى فأظن أن ذلك حاجة حضارية ملحة أمام التحولات الجذرية في الخارطة الثقافية والجيوسياسية بالمنطقة والثورات المعرفية والاتصالية والإجتماعية بل والأزمات الدورية والبنيوية التي ضربت عالم القيم والإقتصاد والافكار،ويبقى السؤال المشروع هل هذه مهمة الأحزاب والأحزاب وحدها أم هي مهمة الفلاسفة والمفكرين والمبدعين والفضاء العمومي؟
يبدو وكأنّ التأخير المتواصل لمؤتمركم نتيجة لصعوبة الخوض والقرار في مراجعة مرجعيّتكم التأسيسية بما قد يؤدّي إلى صعوبة إقناع قواعدكم؟
للحركة رؤية فكرية مضى على صياغتها واعتمادها ربع قرن وهي في حاجة الى الاثراء واعادة الصياغة وحتى إعادة الهيكلة. وكما يقال مياه كثيرة جرت تحت الجسر والفكرة التي لا تحرك ولا تتحرك لا تصلح الاّ للأرشيف وليس للواقع. وثقافة «النهضة» ومنهجها في التفكير لا يعتمدان التصنيف في الحاشية وحاشية الحاشية، نحن مع الفكرة البكر منغرزة في القديم أو متفرعة من الاصل تكون جدية غير مجترة أو مكرّرة بحال من الاحوال، وفي تقديري أن نخبة «النهضة» الفكرية والسياسية في عنفوان طاقة الابداع وعلاقتها بالجديد علاقة ترحاب وإقبال لا حذر وجفوة، وأملي ألاّ يكون الانفتاح انفتاحا على الفكر فحسب بل انفتاح وتحاور مع فكرة ونخبة وطنية لم تأخذ فرصتها في التعرف على «النهضة» ومساءلة فكرها بفعل واقع الانغلاق الذي طبع حقبة الاستبداد والاستقطاب الحاد الذي وسم ردهات من مرحلة ما بعد الدكتاتورية إذ ارتابت بعض النخب التحديثية ولنقل العلمانية من أن يتحول «الربيع العربي» إلى ربيع «نهضوي» أو إسلامي وتلك ريبة لا مبرر لها لأن الزخم الثوري لم يكن زخما حزبيا أو إيديولوجيا بل كان زخما شعبيا وشبابيا كبحت جماحه عقبات الطريق وأجندات الثورة المضادة.
ما حكاية «الثعالبي» الذي اكتشفتم «فجأة» أنه جدّ مشترك لكم مع الدساترة؟
في حوار مع إحدى الصحف التونسية فنّدت مؤخرا الحاجة إلى جد مشترك .نحن في حاجة إلى مشروع مشترك... مشروع وطني مستقبلي للكل فيه مكان.لابد من رد الاعتبار لرموز الحركة الاصلاحية والوطنية وترميم الذاكرة وإعادة كتابة التاريخ والتخفيف من تمزقات الماضي وضغائنه لا ينبغي ان نحمل الأجيال الحاضرة وزر الفتن الماضية أو تورثها تصدعات النخب الماضية .يجب ان يكون السلف في خدمة الخلف وألاّ يستنجد بهم لاحداث الانقسام أو تعميقه.علينا أن نترك أرواحهم تستريح في مثواها ولا نستدعيهم الا للاعتبار ونجعل من أثرهم ومنجزهم اسمنتا لدعم الوحدة الوطنية ولتمتين الجبهة الداخلية.اعتقد أن النهضة لم تعد عالة على أي مدرسة فكرية أو سياسية، فمن يقودها اليوم شخصية فكرية وسياسية لها إشعاع قومي وعالمي ولها أثرها الطيب على الساحة الفكرية الاسلامية والعربية رغم أن الشيخ راشد الغنوشي وهو المعني بهذا الحديث لم يكن المؤثر الوحيد في صياغة التوجهات الفكرية والسياسية للحركة رغم انه كان سباقا وأغزر انتاجا من بقية المناضلين والقيادات. فالحركة لها ادبيات سياسية وفكرية في غاية الاهمية لارتباطها بتجربتها ومساراتها وتلك الادبيات انتجها عقل جماعي وصاغتها حياة شورية ظلت تنجز التقييم تلو التقييم وتعمد إلى المراجعة تلو المراجعة بحثا عن أقوم المسالك وأفضل المآلات.
أنا لا أؤمن بما يسمى قتل الأب ولا بعبادة الأجداد،قائدنا محمد عليه الصلاة السلام الذي قال عنه ربه:«أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم».والشعب الذي يزدري رموزه وتاريخه لا مستقبل له فهؤلاء القادة العظام هم عماد نهضتنا نقر لهم بالفضل ونعترف لهم بالجميل ونحلهم من التاريخ والاهتمام المقام الرفيع الذي هم به جديرون ومن العيب والحيف أن يشهر البعض إسم أحدهم ليمحو أثر سلفه أو مرافقه أو خلفه.
كلمة «التوافق» أصبحت لباسا مرتبطا أساسا بحركة «النهضة»، لماذا «تُلِحُّونَ إصرارا» عليه مع أنّ ظاهر النتائج قد لا يدلّ على نجاح مقبول؟
التوافق علامة تونسية لا نهضوية فقط .لا تدعي «النهضة» ملكيتها الفكرية للمفهوم ولمدلولاته السياسية وهو ليس أصلا تجاريا .التوافق انقذ تونس ومنحها جائزة نوبل واليوم تكفلت الامم المتحدة بتوثيق التجربة التوافقية والحوار الوطني جزء منها واللافت للنظر ان مفردة التوافق قد اندرجت بعمق في الخطاب السياسي لكل الاطراف بما في ذلك أحزاب المعارضة البرلمانية وغير البرلمانية ولم يبق من معترض على منهج وقيمة التوافق الا بعض الاصوات المبحوحة ذات الماضي الانعزالي والاستئصالي والتي لا تنتعش الا في ظل الاستقطاب الحاد وفيه تستثمر.
«التوافق» هل هو ذريعة للتموقع هنا وهناك دون ارتباط بالمفهوم التقليدي للحُكْم والمعارضة؟
التوافق ليس مطية «النهضة» لتكون في الحكم وإنما كان سببا في اختيارها ألاّ تكون في المعارضة في ضوء نتائج انتخابات اكتوبر 2014 اذ كان الفارق بين الحزب الاول أي «النداء» والحزب الثاني أي «النهضة» فارقا ضئيلا في عدد النواب الفائزين عن قائمات الحزبين. ولو اختارت «النهضة» المعارضة لما نالت الحكومة ثقة المجلس ولما أمكنت الموافقة على عدد من مشاريع القوانين الاساسية وبعضها يتعلق باستكمال مؤسسات الجمهورية الثانية مثل المجلس الاعلى للقضاء والمحكمة الدستورية ولو تولت «النهضة» قيادة «المعارضة» لساهم ذلك في إضعاف الحكومة وعجزها عن تنفيذ برنامجها فما بالك بحكومة تستند بالاساس الى حزب تشقه الصراعات ويشكو من أزمة قيادة وأزمة هياكل وهوية ودخل في السرعة القصوى في التنافس على المواقع. لقد ساهمت مشاركة «النهضة» في الائتلاف الرباعي في توسيع قاعدة الحكم وتوفير دعم ومساندة قويين لحكومة تواجهها انتظارات كبيرة ومطالبة بإنجاز إصلاحات كبرى تحوّل شعارات الثورة إلى حقائق على الأرض.
أما المعارضة فضرورة إذ المطلوب ليس تجميل واجهات النظام أو توزيع الادوار بين حلفاء مثلما كان الأمر قبل الثورة فتونس الجديدة في حاجة إلى معارضة جادة تنقد وتراقب وتقترح ،فالمعارضة جزء من معادلة البناء الثوري والديمقراطي ولا يمكن للمعارضة أن تنهض بذلك الدور الا إذا طوّرت نفسها ووضحت خطها السياسي وبرامجها وتحالفاتها ومارست النقد الذاتي لا فقط نقد الحكم.
إذن، أين ترون أنفسكم اليوم: في السلطة أو في المعارضة، أو «من كل شيء بطرف» ؟ ثم ألا تخشون خسارة الإثنيْن بهذا التكتيك؟
نحن لسنا في المعارضة ومساندتنا للحكومة تتراوح بين المساندة المطلقة والمساندة النقدية أي ما يمكن أن نسميه المساندة الايجابية والفاعلة وتتلخص في النصح ولفت النظر الى الهنّات والنقائص وفي انجاح عمل المجلس في كل ما يتعلق بالقوانين التي تحال عليه للموافقة. كما ان «النهضة» مع شركائها تقدم البرامج والمقترحات العملية والواقعية .المشاركة في الحكم تعني تحمل المسؤولية في إدارة المرحلة وإنجاز الإصلاحات وتحمل مسؤولية النجاح والفشل وقبل ذلك بذل ما في الوسع لتحسين الاداء والإيفاء بالتعهدات للناخبين والشركاء.
حكومة الصيد، كيف تحكمون على أدائها: ما هي الإيجابيات وما هي النقائص؟
نتائج سبر الآراء تؤكد أن منسوب الثقة في رئيس الحكومة السيد الحبيب الصيد لا يزال عاليا وهناك رأي غالب وراجح بأنه رجل المرحلة وقد برهن أنه لا يتراجع أمام المصاعب والعقبات كما التزم بمبدإ استمرارية الدولة وتواصل العمل باحترام تعهدات الحكومات السابقة في ما برمجت من مشاريع وما عقدت من اتفاقيات مع النقابات لكنها تفتقر إلى خطة تواصلية تعرّف من خلالها بما انجزت وما تنوي انجازه. والاكيد أن السيد الحبيب الصيد حافظ على فريقه بمنآى عن الهزات التي عرفها حزب «النداء» ساعده على ذلك ما أبداه أغلبهم من تحفظ واقتصاد في التصريحات حول الشأن الحزبي وهناك خشية ألاّ يستمر ذلك طويلا إذا لم يتم احتواء الأزمة وتداعياتها.
أما عن بقية الوزراء فرئيس الحكومة في الموقع المناسب للحكم على أدائهم وتبين نقاط القوة والضعف في كل واحد منهم وقد منحناهم الثقة في المجلس قبل عام وأبدينا رأينا في نتائجهم منذ أيام أثناء مناقشة ميزانية الدولة وقانون المالية لسنة2016 والحصيلة معروضة أمام رئيس الحكومة في خطوطها الكبرى وتفاصيلها ونأمل من حكومة السيد الحبيب الصيد رفع الأداء والتسريع في نسق الإنجازات والإصلاحات حتى تعرف البلاد انطلاقتها الكبرى إلى النماء والإستقرار.
كثر الحديث عن تحوير وزاري قريب في الحكومة، باعتباركم أحد أضلاع الرباعي الحاكم، ما هي الاقتراحات التي قدّمتموها للصيد ولشركائكم في الحكم؟
التعديل الوزاري قادم ومؤكد ما دام رئيس الحكومة قد أعلن نيته اجراءه أمام مجلس نواب الشعب ورؤيتنا تقوم على ضرورة وجود حكومة قوية ائتلافية يمكن ان نطلق عليها اسم حكومة وحدة وطنية أو حكومة إنقاذ وطني والبعض استعمل تعبير «حكومة حرب» والعبرة بالمحتوى والاداء لا باللفظ والتسمية.. حكومة مدعومة من الاحزاب والمنظمات الوطنية لها تمثيل حقيقي وتحظى بثقة ودعم واسعين، حكومة الخبرة والكفاءة والايادي النظيفة والوطنية والالتزام بالوفاق الوطني وأهداف الثورة ذات رؤية سياسية لتونس الثورة والمستقبل قريبة من الشعب تُحسن الانصات والتواصل قادرة على العمل بانسجام وتضامن ولديها ارادة سياسية في انجاز الاصلاحات الكبرى جديرة بثقة شعبها ومحيطها تحسن ترتيب الاولويات وتتناول الملفات الكبرى والاصلاحات بمنهجية علمية وواقعية تعيد الامل للشباب وتقيم العدل بين الفئات والجهات.ولرئيس الحكومة أن يختار بين تعديل متدرج وتعديل شامل.
تتجدد الدعوة الى مؤتمر وطني لمكافحة الارهاب مع كل عملية إرهابية من كل الأحزاب والمنظمات... يقال إن «النهضة» هي التي تمانع دون إفصاح لأنّ «الجبهة الشعبية» تطالب بمحاسبة فترة حكم «الترويكا» في اتهام غير مباشر ل «النهضة» بعدم التعاطي الصارم مع الظاهرة زمن حكمها؟
«النهضة» جاهزة لتنظيم المؤتمر ولم تكن سببا في تأجيل انعقاده وقد تعاونا تعاونا كاملا مع الحكومة ومع أحزاب الإتلاف ويمكن أن نطلعكم على الورقات والمقترحات التي أعدتها الحركة لموعد أكتوبر غير أنه ليس من المجدي تحويل المؤتمر إلى مناسبة للتجاذب والتقاذف بالتهم والإنقسام في محطة يراد منها تحقيق الإجماع .من المهم الإتفاق الأولي على الأقل على مخرجات المؤتمر وهذا أمر يسير إذا توفرت الإرادة وصدقت النوايا.
كيف تحكمون على أداء مؤسسة الرئاسة؟
دور رئيس الجمهورية حدّده الدستور في إطار النظام المختلط فلم تعد الرئاسة مرتكز النظام ومحوره الأساسي ولأننا حديثو عهد بالإطار والتجربة الجديدين ولم نعهد سلطة توازي سلطة الرئيس أو تخرج عن رقابتها وتأثيرها ولم نتعود أن يكون للحياة السياسية مركز أو مدار آخر كانت الإنتظارات من الرئاسة خارج نطاق ما يمنحه الدستور من صلاحيات وسلطات وقد لمسنا لدى رئيس الجمهورية حرصا على احترام الدستور والتقيد به مع ما يشعره به ذلك من أنه مقيد تتعلق إرادته وإمكانات تأثيره بأوسع من ذلك النطاق بكثير ولعل نتائج سبر الآراء التي وضعت شخص الرئيس من رجالات الزمن الحاضر لا من رموز النظام القديم عميقة في دلالتها على الرسائل القوية التي أوصلها للرأي العام منذ فترة رئاسته للدولة حيث أثبت أنه من الذين يوفون بالعهود ومن أصحاب الأمانات وأنه سيكرس حياته لتجديد الدولة وبناء ديمقراطية جمهورية ادماجية واذا كان لا يملك لذلك عصا سحرية فإن له من الكاريزما والرمزية والرصيد السياسي والخبرة الطويلة والعلاقات الدولية ما يجعل ظهوره وتدخله عندما يقتضي الأمر مؤثرا وحاسما. ولكي يؤدي الحاكم دوره تاما وكاملا يحتاج الى بطانة ناصحة وصالحة تَصْدُق ولا تخون وتعمل دون كلل أو تقاعس حتى لا تكون المؤسسة في قمّة الهرم فقط وإنما في قلب إهتمام الناس وتحوز محبتهم وتنال رضاهم.لا يشكو نظامنا من أزمة بين السلطات والمؤسسات إنما يشكو محيطا يرتاب من الجديد أو تغيب فيه الدولة وتكاد تسود الفوضى وستكشف الأيام أن رئيس الجمهورية درأ عن نظامنا الجديد وتجربتنا الناشئة محاولات التأثير على مسارنا وخياراتنا الوطنية.
ألا يجعلكم ما يجري في «النداء» قلقين على دواليب تسيير الدولة باعتباركم طرفا في الحُكم؟
نأمل أن تسير الأمور داخل «النداء» نحو الإنفراج لأن استمرار الأزمة لابد أن يلقي بظلاله على أداء الحكومة وسير المؤسسات .ما يجري في «النداء» شأن حزبي داخلي له تداعيات على الحياة السياسية بالبلاد وهؤلاء شركاؤنا في إدارة هذه المرحلة لكنّي لا أتصور انهم يريدون تشريك أحد في ترتيب أوضاعهم وفي ذلك حكمة لا أدري إن كانت مقصودة أو غير مقصودة وفي «النهضة» نرفض أن نتدخل في شؤون الأحزاب لأننا نرفض أن يتدخل أحد في شؤوننا أو يعطينا دروسا . أما عن استقالة الامين العام فهي من توابع الترتيبات الأخيرة بعد مبادرة رئيس الجمهورية أو من ثمارها وتداعياتها ونحن كما تعلمين نتعامل مع الحزب كحزب ومع قادته بصفاتهم ما دامت الصفات قائمة أو ما داموا يحملونها فنتعامل مع الناطق الرسمي باعتباره متحدثا رسميا ومع الأمين العام بصفته أمينا عاما ومع رئيس الحزب باعتبار صفته تلك ويحظى باعث الحزب ومؤسسه بثقتنا ودعمنا باعتباره أيضا رئيسا منتخبا لكل التونسيين ومحلنا مما يجري أننا مع الشراكة والتوافق ومع من يقود الخيار المجسد والمحقق لهما. وشخصيا حتى عندما لم تكن هناك علاقة سياسية بين الحزبين وبينهما ريبة حلت محلها الثقة والحمد لله كانت تجمعني بعديد قيادات «النداء» صداقات شخصية واحترام بعيدا عن أي إعتبار حزبي أو رهان سياسي ،صداقة ستستمر حتما وسأظل حريصا على دوامها.
كيف ستواجهون المسألة إذا انقسمت كتلة «النداء» وأصبحتم الكتلة الأولى في البرلمان؟
لا يبدو أن كتلة «النداء» تتجه نحو الانشطار حتى وإن غادرها البعض ونحن في «النهضة» سنحافظ على الموازين التي أعطاها الصندوق عاملين بمقتضاها معتبرين في كل الحالات أن «النداء» هو الحزب الأول تليه «النهضة» في ترتيب التمثيل الشعبي ونبني كل مبادراتنا وعلاقاتنا على هذا الاساس ولا نتطلع إلى القفز الى المرتبة الأولى ومتطلباتها أو استثمار أزمة شريك كان التقارب معه أهم سمات مرحلة ما بعد انتخابات 2014 وهي المرحلة التي وضعت تحت لافتة «حكمة الشيخين» تعبيرا عن التوافق بين قسمي الحركة السياسية الوطنية الكبيرين «النهضة» وما ترمز اليه و«النداء» وما ينضوي تحته.
هل راشد الغنوشي هو «النهضة» و«النهضة» هي راشد الغنوشي؟ ثم ماذا لو اختار الابتعاد؟
الشيخ راشد شخصية فكرية فذة وشخصية سياسية وطنية مرموقة واسعة التأثير في الداخل والخارج وهو أحد مؤسسي الحركة وقد ارتبطت باسمه وبمواقفه باعتبارها مشروعه لتونس وباعتباره معبرا عن مشروعها وقد قادها بفكره ومواقفه لكنه ليس الوحيد الذي ترأسها أو كان دائم الوجود في مؤسساتها. فقد تطورت الحركة بوجوده وفي غيابه سجنا وحصارا وتهجيرا ولأبناء الحركة ارتباط خاص بزعيمها روحيا وفكريا. وتماهي الشيخ مع مسار الحركة لا يعني أنها هو. ففي الحركة أجيال وتقاليد عمل وتجارب في التنظيم والإدارة ومؤسسات ونظم ولوائح ومناهج تربوية أنتجتها العبقرية الجماعية للحركة التي تضم قامات كبيرة وخبرات عالية ورصيدا شبابيا وزخما من المناضلين لهم أثرهم قدر إلتزامهم بمشروع الحركة وتعلقهم بها بما في ذلك تعلقهم بزعيمها.ولاستكمال الصورة يجدر أن نلاحظ أن الشيخ راشد يحظى باحترام ومحبة من شرائح واسعة من غير المنتسبين والمناصرين ل «النهضة» داخل تونس وخارجها يزيدان عن سمعة «النهضة» وإشعاعها وتأثيرها إلى جانب صداقات مع شخصيات عالمية من كل الأجناس والأديان والثقافات وبذلك يصدق أن نصفه بأنه شخصية تونسية لا نهضوية وكفى.
ماذا تقولون لعبد الفتاح مورو الذي يرغب في اعتزال العمل السياسي؟
في مجالسه الخاصة كثيرا ما يعبر الشيخ مورو عن رغبته في أداء دور دعوي يرى أنه يبرز فيه ويتميز وذلك عن طريق المحاضرات وإعطاء الدروس في العلوم والثقافة الإسلامية واعتلاء المنابر وإلقاء الخطب الدعوية للتعريف بحقائق الإسلام وتعاليمه وقيمه وأحكامه بل وبخصائص حضارته وتاريخه وله إلمام عميق بذلك بشهادة أهل الذكر. كما أن له ولعا بتفسير آيات القرآن واستجلاء معانيه. لكن السياسة اختطفته واستحوذت على جلّ اهتمامه ووقته ناهيك أنه ينهض بمهمة نائب رئيس مجلس نواب الشعب، ولا أظن السياسة ولا الحركة تترك الأستاذ مورو أو تسلمه لحقل الدعوة في المدى القريب.
كيف ترون مستقبل البلاد في السنوات القادمة ولماذا؟
لقد أضافت الثورة لتونس أبعادا جديدة في شخصيتها الحضارية وتجربتها السياسية وسرّعت نسق حركة التاريخ ومثلت أهم منعطفات الألفية الثالثة وستعيش تونس طويلا بأثر هذا الحدث التاريخي الذي كان فاتحة موجات عميقة من التغيير لم تبلغ بعد مداها الكامل ونحن نحيي ذكراها الخامسة زفّ إلينا العالم جائزة نوبل اعترافا بعبقرية شعبنا العظيم وبضخامة منجزه السياسي .العقبات والمخاطر كبيرة والطريق ليست ممهدة ولكن بلادنا تقترب اكثر من النهوض الجديد والإقلاع المؤكد وتبتعد عن عوامل النكوص والفشل ونحتاج أن نعي أهمية الفرص المتاحة والطاقات الكامنة خاصة الموارد البشرية والارصدة الشبابية من أبناء وبنات تونس الغير مستعدين لمقايضة حلمهم وحريتهم بأي عرض أو ثمن أو وعد لا يضعهم محورا للاصلاح والتنمية والبناء. رحم الله شهداءنا والمجد لشعبنا والمستقبل المشرق لشبابنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.