نيس- جنوبفرنسا – محمد بوغلاب صباح يوم الأحد الماضي قادتني قدماي إلى مدينة نيس مركز تجمع التونسيين في جنوبفرنسا ، حيث تجد اطيافا من التونسيين من محامين وأطباء وخبراء محاسبين وأساتذة جامعيين وأصحاب شركات تصدير ومقاولات ومحلات "عطرية " وحرف يدوية ... التونسي هنا في كل مكان ....في الطريق من محطة القطارات إلى شارع"تراشال" الذي يعج بالمهاجرين عربا وأفارقة كانت الصور إستثنائية ... إنهم قادمون من لامبيدوزا بعد أن "حرقوا" من سواحل تونس من الهوارية وصفاقس وطبلبة والمهدية وجرجيس ... أي مصير ينتظر هؤلاء وبعضهم ممن لا قريب له ولا إبن بلد لا يجد حتى ما يسد به الرمق فيتسول ثمن ما يسكره ويطفئ جوعه .... أسئلة كثيرة دارت في رأسي وأنا أسرع الخطى نحو الميناء القديم حيث مطعم "Les arcades" حيث سنلاقي عددا من التونسيين الذين نجحوا في الإندماج في المجتمع الفرنسي ونسيجه الإقتصادي دون أن يقطعوا الرباط الذي يشدهم إلى الوطن ... لم يكن من اليسير إدارة حوار صحفي مع هؤلاء وهم يتسابقون على الحديث والتعبير عن حيرتهم وإندفاعهم ورغبتهم في العودة إلى تونس ورؤية بلادهم دولة ديمقراطية مثل فرنسا وأفضل ... من فوضى هذا الحوار التونسي إلتقطنا بعض التفاصيل .... - حسام بوظهير ( صاحب مكتب محاسبة) ...ألم تشبع التلفزة من همزة وصل ؟ "التونسية" هي الجريدة الوحيدة التي إهتمت بالتونسيين في الخارج وفي فرنسا تحديدا ولا أرى هذا عاديا بالمرة ،فأين هي التلفزات التونسية والإذاعات العامة والخاصة ؟ ألم تشبع من سنوات "همزة وصل" الذي قدمنا على أننا أتباع لنظام بن علي وحزبه لا كتونسيين كاملي المواطنة ... لقد عشنا الثورة بكثير من الحيرة والقلق إذ لم نكن نتخيل أن بن علي إلى غاية 13 جانفي كان متورطا في نهب تونس مثلما إكتشفنا لاحقا... لقد رضينا لعشرين عاما أن نقايض حريتنا بالأمن والهدوء ...أشعر الأن بالخديعة والندم في نفس الوقت ..."مثلوا علينا برشة بشعارات التونسي في الخارج في قلب الوطن" أشعرنا نظام بن علي أحيانا أننا أفضل من التونسيين في الداخل ... كنا ورقة بيد النظام حتى لا نكشف ما يقال عنه في وسائل الإعلام الأجنبية بحكم إطلاعنا على المواقع المغلقة على شبكة الأنترنت في تونس ... أنا أدعو التونسيين إلى العودة على الأقل هذه الصائفة حتى نساهم في تحريك عجلة الإقتصاد ولونسبيا وأستغرب من لامبالاة الأحزاب السياسية تجاهنا فنحن جزء من النسيج الإقتصادي والإجتماعي لا يمكن إهماله... أما ما يقال عن عملنا في صلب التجمع فلا تنس أن عائلاتنا كانت في الداخل ثم إن جواز السفر كان سيفا مسلطا على رقابنا ... علينا اليوم كتونسيين في الخارج من موقع المسؤولية والإلتزام تجاه وطننا أن نساهم في بعث مشاريع تشغل العاطلين في مختلف الجهات وهذا ما يحتم على الإدارة التونسية أن تتخلص من الوهن الذي أصاب مفاصلها ... في ما يتعلق بأملاك العائلة الحاكمة سابقا أؤكد لكم بحكم خبرتي أن صهر الطرابلسية(م-م ) يملك شقة قيمتها 500 ألف أورو في نيس وفي موناكو نزل في موناكو ب230 جناحا أشرف على بنائه منذ 9 سنوات تقريبا صهر الرئيس(س-ش) ،بعض مغامرات الطرابلسية رأيتها بأم عيني في أحد كازينوهات نيس ، كان عاديا أن يخسر أحدهم في الليلة الواحدة 400 ألف أورو .... المشكل أن الوعي السياسي شبه غائب بين المهاجرين، لم نعرف في الخارج سوى التجمع ولذلك علينا أن نتريث في الإختيار ووسائل الإعلام عليها أن تقوم بواجبها نحونا .... هل تصدق أن العائلة في تونس لم تشجعني على العودة هذه الصائفة؟ هل تعرف من حسم الأمر ودفعني إلى إتخاذ قرار العودة لقضاء شهر رمضان بين الأهل في طبربة؟ إنها بنت شقيقي فرنسية الجنسية"أنياس" قالت لي " لايعقل أن ندعوا الفرنسيين لزيارة تونس ونتخلف نحن التوانسة عن ذلك ؟ حتى ولو كانت هناك بعض المشاكل فإني لن أسامح نفسي إن تخليت عن بلدي الآن " - سامي التاغوتي (وكيل سابق بالجيش –نادل بمطعم) : أحلم بالعودة إلى الجيش عمري الآن 44 سنة جئت إلى فرنسا قبل سبع سنوات بعد أن قضيت سبعة عشر عاما في الجيش التونسي(المعرف الوحيد 91701574) ، لقد أعادت الثورة الإعتبار للجيش ودوره الوطني بعد أن كنا نشعر بأننا تحت المراقبة من جهات غير معلومة ...لقد همش بن علي الجيش بدءا من قيادة الأركان وصولا إلى أصغر جندي ... كنت أصعد إلى الحافلة وأشعر بأن حتى المواطن المدني لا يقدرنا ، ظروف الجيش صعبة حتى نوعية لباسنا رديئة هل تصدق أني قضيت ثلاثين يوما في السجن في شهر رمضان بعد أن تجاوزت في سيارة عسكرية سيارة أخرى يقودها ضابط أعلى رتبة؟ إعتبر ذلك تصرفا مسيئا له؟ لقد غادرت بلادي متألما ومقهورا بعد تعرضي لحادث شغل فقدت على إثره عيني .... شعرت بأنه لا مكان لي في الجيش فغادرت... لي طفلان في كفالتي ووجدت نفسي ب300 دينارا جراية تقاعد.... فكيف سأعيش ؟ لم أصدق عيني وأنا أشاهد صور التونسيين يقدمون الورد للجنود ؟ ، ما يخيفني أن رموز الحزب الحاكم هنا في نيس "مرمدونا" أصبحوا اليوم يتحدثون بإسم الثورة فهل يعقل هذا ؟ منذ ست سنوات لم أر ولدي......اليوم بت أحلم بالالتحاق من جديد بالجيش التونسي... لقد حمى الثورة ووقف إلى جانب الشعب في مواجهة آلة القمع ...اليوم لا بد أن تهتم السلطة السياسية بالجيش بتطوير مهارات الجنود وتوفير الإمكانيات وتحسين ظروف الجنود المادية ...أنا فخور بأن في الجيش رجل مثل الجنرال رشيد عمار .... - حسن شبيل ( صاحب مطعم ) هرمنا من الغربة ... حل أبي بفرنسا سنة 1958 وكان عمري سبع سنوات، تربيت هنا رفقة أشقائي ولكني أشعر بأني تونسي مائة في المائة ، لقد تعبنا ونجحنا في نفس الوقت وما أنجزناه كان ثمرة تعب سنوات ...نحن سبع أشقاء والحمد لله أن ظروفنا لا باس لنا مشاريع في تونس ونرجوا أن تتحسن الظروف في الوطن حتى نبعث مشاريع أخرى تشغل عددا من شبابنا الباحث عن شغل ... أنا أعمل خمسة عشر ساعة في اليوم ، ليس من السهل أن تنجح في المهجر ...اليوم لا بد أن تتغير العقليات في تونس ونتخلص من ممارسات مسيئة مثل الرشوة والمحسوبية والأكتاف وإحتقار الفقير فينا ... بعض المسؤولين دفعوا كثيرا منا إلى عدم بعث أي مشروع خوفا على أموالنا . تألمت لمشاهدة شبان تونسيين حارقين من لامبيدوزا لا يجدون حتى ما يسد الرمق ... كنت في تونس أيام الثورة ورأيت بعيني في الهوارية حيث مسكني المطل على البحر الشباب الحارقين... وشخصيا لي سفينة صيد إضطررت لإبعادها عن الشاطئ .... الوضع الإقتصادي في فرنسا صعب ولن يكون مقام الحارقين طيبا في الأراضي الفرنسية ...على شبابنا أن يصبر قليلا بعد أن قام بثورته فمن غير المعقول أن يحرقوا بعد أن أطردوا نظاما قمعهم عشرين عاما ... أما أملاك الطرابلسية في جنوبفرنسا فجلها بأسماء أشخاص آخرين ولذلك من الصعب أن تكتشف حقيقة ما يملكون... إنها عملية معقدة وتحتاج إلى وقت قد يطول ...