هو أستاذ فيزياء ويدرس بالمرحلة الثالثة، عانى بدوره من بطالة السنوات السبع وودّع أحلامه حين ترك قلمه وعلمه وركب موجة المخاطر للحرقان.. «رمزي القوبنطيني» كان من ضمن آخر الوفود التي وصلت إلى الجزيرة.. بعد أيام ستة قضاها في البحر منها أيام ثلاثة للاختباء عن أعين المراقبة.. وساعات طويلة داخل المياه الاقليمية.. وصل رمزي بعد أن لفحت الشمس ملامحه.. لكنه بدا مرهقا ومؤكدا أن الطريق الذي اختاره كان أقرب إلى الموت. في البداية لم يكن ينوي التحدث إلينا ومن ثم عدل عن فكرته بعد أن تذكر خبر إشاعة كونهم مجرمين تحدث رمزي الأستاذ الذي يجيد عدّة لغات ويتقنها وخاصة منها الايطالية.. حتى أن أحد المسؤولين الأمنيين اختاره ليكون مترجما وهمزة الوصل للتحدث مع عدد من المهاجرين. يقول رمزي: «ها أنا أستاذ مجاز منذ 7 أعوام وفي عقدي الثالث كرهت «الكاباس» وما تبعه.. وصرت أدرس في التعليم الخاص وأعمل بالتوازي في شركة ايطالية.. أنا ولدت بفرنسا وتعلمت قبل العودة إلى تونس لاتمام دراستي.. أسكن بالعاصمة لكني ابن جربة.. يقولون عنا كيف نهرب؟ أيدركون هؤلاء ماذا عانينا؟ أنا ساهمت مثل غيري في ثورة أردنا أن تغير من واقعنا.. اعتصمت بالقصبة ومن ثم اعتصمت بوزارة التربية لمدة أسبوعين من أجل مطالبنا نحن الأساتذة، تصوروا أن 130 أستاذا فوّضوني لأتحدث نيابة عنهم مع السيد الوزير لكن!! إن تؤمنون بحرية الإعلام فأوصلوا رسالتي له. سيدي الوزير هذه الرسالة من أستاذ مثقف وحارق إلى جزيرة لمبيدوزا أنا رمزي القوبنطيني الذي فوضه رفاقه للتحدث إليك، يوم قابلتني بعد الاعتصام بمكتبك وكان يرافقك شخص يدعى رشاد.. وشخص ثان تحدثت وتحدثت ووافقت على مطالبنا لكن فقط بخصوص المطرودين والمتعاونين والمتعاقدين الذين تمكن أغلبهم من الحصول على هذه الفرصة بفضل الأقارب والأحباب وأنت تعرف هذا. سيدي الوزير الطيب البكوش: أحييك أنا رمزي الأستاذ الحارق وأذكرك أني في تلك المقابلة التي أعدك أني لن أنساها إلى الممات.. تلك المقابلة التي جعلتني أرفض اللجوء السياسي لأني تونسي وسأعود.. تلك المقابلة التي قلت لي فيها بحضور من كانوا معك يومها.. بابتسامة قاتلة: «البطالة استناو».. فسألتك إلى متى أنتظر بعد 7 سنوات وكيف هي حال الكاباس؟ ومتى سيلحقنا الدور حينها قلت لي: «بعد 50 سنة سيأتي دورك».. سيدي الوزير الطيب البكوش: ها أنا ابن تونس.. سأكون الصورة المشرفة للوطن.. المسؤولون هنا عرفوا نوعية دراستي وثقافتي ومستواي الفكري وسألوني إن كنت أرغب فعلا في الحصول على اللجوء السياسي.. سيدي الوزير: لقد قلت لا.. ثم لا ثم لا.. أتدري لماذا؟ لأني مواطن تونسي أرفض التهجير فقط تأكدت بعد لقائك الذي لا ينسى أن بن علي وحده من رحل وشخصك يحدثنا عن برامج السنوات العشر وليس كحكومة تصريف أعمال. سيدي الويز: «حرقت» نعم «حرقت» إلى لمبيدوزا التي من المفروض أسافر إليها بجواز سفري مكرما مبجلا.. لقد حرقت ومنها سأعود حيث ولدت إلى فرنسا.. سأواصل مرحلتي الثالثة التي انقطعت عنها.. وسأعود إلى تونس في أقرب فرصة سأعود رمزي الأستاذ الجامعي.. سأعود إلى بيتي وأسرتي وكل هذا قبل الخمسين عاما التي وعدتني بها». سيدي الوزير: لعلّك قد لا تنساني لكني سأعود فأنا وغيري دائمون في الوطن.. ربما رجائي وحيد أن تتركوا عائلتي وشأنها.. فأنا فقط من يتحمل مسؤولية أفعالي وأقوالي.. سيدي الوزير: أنا وغيري لسنا مجرمين ولسنا من باعوا الوطن نحن هنا صورة مشعة لشباب تونس المثقف وسنعود في القريب العاجل.