على امتداد سنوات طويلة، استغل نظام بن علي وسائل الاعلام أسوأ استغلال دفاعا عن مصالحه الشخصية دون التطرق الي القضايا الاجتماعية وحاد بالاعلام عن مساره ليتحول من مدافع عن المجتمع الى مخدر له. فقد استعمل النظام السابق الاعلام للترويج لاسطورة الشعب السعيد للتغطية عن جرائمه البشعة لكن بعد الثورة سقطت تلك الاساطير لتنكشف صورة موغلة في القتامة عن معاناة شعب وجد في وسائل الاعلام منفذا و متنفسا و وسيلة لتبليغ مشاغله و همومه و طموحاته وآماله. وفي الوقت الذي بدأ فيه الاعلام يتحسس طريقه نحو التخلص من سياسات الماضي وتحطيم الصورة القديمة العالقة بالاذهان حتى قابله امتعاض شديد من البعض الذين لم يرق لهم هذا الدور الجديد الذي بات يلعبه الاعلام فسعوا بكل ما اوتوا من جهد و قوة لتركيعه من خلال الاعتداء على الصحفيين و المؤسسات الاعلامية لينتهي المطاف بزج مدير صحيفة "التونسية" في السجن مع عامة المجرمين على خلفية نشر صورة كانت في خدمة خبر صحفي. وقد ارتات "التونسية" معرفة ردود افعال الإعلاميين حول هذا القرار فكان ما يلي:
قوانين زجرية يستعملها النظام السابق اكد السيد ناجي البغوري رئيس نقابة الصحفيين سابقا ان الصورة التي اثارت الكثير من الجدل اعتبرها الكثيرون صورة فنية تخدم الخبر الصحفي و اضاف ان هناك العديد من المجلات العالمية تحتوي على مثل هذه الصور دون ان تخلق بلبلة. وانتقد البغوري محاكمة صحفيي "التونسية" من اجل صورة و اعتبرها مسالة خطيرة ووصفها بالحادثة غير المسبوقة في تونس.و بين البغوري انه تم تطبيق نفس القوانين التي كان يستعملها الرئيس المخلوع للضغط على الصحفيين ووسائل الإعلام. ومن جانبه قال هشام السنوسي عضو الهيئة العليا لإصلاح الإعلام ان مسالة توقيف الصحافيين اصبحت من الماضي و انتهت مع النظام السابق ووصف محاكمة صحفيي جريدة "التونسية" بالقرارات الزجرية لتركيع الاعلام و تدجينه خاصة و نحن قادمون على فترة انتخابات. وتساءل عن كيفية عمل وسائل الاعلام في ظل هذا التعسف و الاعتداءات المتتالية بحق الصحفيين. واكد السنوسي ان من واجب الحكومة الحالية بعث رسائل طمانة للمواطن و للصحفي, كاشفا ان هناك تيارا راديكاليا يسعى الى الزجر و التضييق على الاعلام وهي مفاهيم و مرتكزات اعتمدها النظام السابق. قرار مفاجئ لكنه منتظر
واوضح السيد ناصر الرابعي ان قرار حبس الصحفيين لئن يبدو مفاجئا إلا انه كان منتظرا باعتبار المسار الذي اتخذته الحكومة منذ توليها السلطة. و توقع الرابعي ان تسوء الامور اكثر ودعا الجميع الى التصدي لهذه الموجة و التنديد بها .واضاف الرابعي ان مستقبل الصحافة في تونس ضبابي بعد وصولها الى طريق شبه مسدود نتيجة شل وسائل الاعلام وعرقلتها , وطالب الحكومة برفع يدها عن الاعلام و تسليم ملفه الى المختصين. سجن الصحافيين فضيحة ومن جانبها، أوضحت سلمى الجلاصي ان قرار سجن مدير "التونسية" يعد فضيحة باتم المقاييس لان القرار تم اعتمادا على الفصل 21 من المجلة الجزائية المستقى من قانون وصفته بالفاشي حيث تم سنه لترهيب الصحفيين .وبينت الجلاصي ان الاعلام هو القطاع الوحيد الذي بقي صامدا و تحدى سيطرة الحزب الواحد و صمد امام ما وصفته بالعقلية اليمينية الرجعية لذلك سعت الحكومة الى استهدافه من خلال محطات متكررة وتصريحات شخصيات في الحكومة اكبر دليل على ذلك و اضافت ان الحكم بالسجن على الصحفيين لم يكن موجودا في عهد بن علي. اطلاق سراح "بن سعيدة" فورا واكد السيد منجي الخضراوي على ضرورة اطلاق سراح السيد نصر الدين بن سعيدة المدير العام لجريدة "التونسية" وانتقد بشدة قرار ايداعه السجن نظرا لعدم وجود جريمة او تجاوز يستوجب كل هذه الاجراءات قائلا:"الذي يفكر ان يقمع الصحفي فان القوانين التي تلجم الافواه و تقمع الناس و تحطم الاقدار تهدم نفسها بنفسها". وفي نفس الاطار ابرز ان احالة قضية بن سعيدة الى القضاء الجزائي مسالة مرفوضة رفضا تاما ولا يمكن ان تقبل مطلقا. من يركع لمن !؟ و من جانبها حذرت السيدة نجاة اليعقوبي محامية نقابة الصحفيين كل من يريد ان يركّع أو يستغل الإعلام أو يتلاعب بالقضاء بالانتباه لان من يريد هذا فعليه ان يركع هو اولا لان ارادة الشعب التونسي اصبحت واضحة من خلال مطالبته باعلام حر و قضاء مستقل ولن يتراجع الشعب عن ذلك.واضافت اليعقوبي ان سجن الصحفيين ردّة و خطوة خطيرة وهي ضربة مباشرة لحرية الاعلام . تفعيل القانون عدد 115 و116 وطالبت السيدة نجيبة الحمروني رئيسة النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بتفعيل المرسوم عدد 115 لحماية الصحفيين والمؤسسات الاعلامية من مثل هذه التجاوزات والاعتداءات. كما اعربت الحمروني عن رفضها الشديد لايقاف مدير "التونسية" ووصفت هذا القرار بالمتسرع . الاولوية للقانون الخاص على القانون العام وبينت الحمروني انه لا يمكن اللجوء الى المجلة الجزائية في حال وجود قانون خاص بالصحافة والطباعة والنشر واضافت ان الاحالة القانونية خاطئة حتى في حالة عدم مطابقة الصورة لمحتوى النص واوضحت ان مثل هذه الاخطاء يقع التعامل معها داخل المؤسسة الاعلامية ذاتها و بالتعاون مع نقابة الصحفيين.ومن جانبها اكدت اليعقوبي ان النص الخاص يسبق النص العام و له الاولوية للتطبيق. لن نستسلم مهما كانت التهديدادات اجمع كل الاعلاميين ان إيقاف مدير"التونسية" ليس مسالة شخصية و انما يعني كل الصحفيين و كل العاملين في قطاع الاعلام و طالبوا بضرورة التوحد والتكاتف بين مختلف الاطراف الفاعلة لان الصحافة مشغل اجتماعي. كما اكد الاعلاميون انهم سيواصلون طريقهم نحو التحرر وفي هذا السياق قال البغوري:" لن نرمي المنديل ولن نستسلم وسنناضل من اجل الكلمة الحرة ومن اجل تقديم العمل الصحفي بعيدا عن الضغوطات رغم مؤشرات التضييق على حرية الصحافة فلا مجال للعودة الى الوراء ". منتصر الاسودي تصوير : نبيل شرف الدين