بعد القبض على مدير جريدة "التونسية" ورئيس تحريرها وأحد صحافييها ، إنتفض أهل الإعلام أو بعضهم على الأقل- فهناك من نوه بهذا الإجراء بإسم الفضيلة والأخلاق الحميدة وكأن الصورة التي نشرت وإن كنا نتحفظ على مبدأ نشرها من الأساس تهدد الأمن العام للبلاد - للتنديد بهذه الواقعة الخطيرة وخرجت المنظمات والجمعيات والصحف التونسية والعالمية من صمتها لتدين هذه السابقة وهي في الحقيقة أكثر من قرصة أذن ... هي رسالة غير مشفرة لا بد أن نفهمها جيدا ثم نقرر بعد ذلك شكل التعامل معها ... والحقيقة أنني إستغربت كثيرا ردود الفعل وإن كانت ضرورية ، إستغربتها لأن المؤشرات ما بعد الثورة وخاصة بعد الإنتخابات كانت تدل على أن حرية الإعلام لن تكون أرضيتنا .... وقد سقطنا جميعا في الفخ عندما تلهينا ب "خرافات" بن علي وجماعته ولم نطلق سهامنا مبكرا ...كان لا بد ان نزعزهم منذ البداية حتى يفهموا ان اقلامنا ومواقفنا صلبة ، لاترتد ولا تتصدع بحملة فايسبوكية او رسائل الكترونية او حتى تهديدات في الشارع ...كنا مغفلين جدا لأننا صدقنا أنشودتهم المشروخة عن حرية الصحافة ...كان علينا أن نبدأ المعركة مبكرا قبل أن يتطاولوا علينا بإجراء تعسفي كالذي تعرض له الزملاء في "التونسية" . منذ سنوات ، وانا في خطواتي الصحفية الأولى أذكر أنني نشرت صورة مثيرة للفنانة "باريس هيلتون" خلفت ردود فعل عنيفة في السلطة وصلت حد التهديد بغلق الصحيفة ، ولكن لا أحد من رموز السلطة السابقة تجرا على إتخاذ إجراء تعسفي كهذا ، لا لأن "الجماعة" آنذاك كانوا أقل إيمانا من رموز السلطة اليوم ، ولكن لان "للدنيء مبادئ أحيانا "، وأساليب التعامل مع هذا الخطأ الصحفي كثيرة جدا فكيف يتم الإلتجاء إلى الحل الأخير وهو في الحقيقة ليس حلا ، ولا يستحق أن يكون في أي مرتبة لا الأولى ولا الأخيرة ؟؟ القبض على الزملاء في "التونسية" وسجنهم هو تهديد مباشر لأهل الصحافة والإعلام يضعنا في إمتحان عسير فإما أن نفهم الرسالة وننحني لهم كما كنا في السابق ، أو نزداد إصرارا على المقاومة ونهتف بصوت واحد "ننتهي قبل أن ننحني" ...فهل نعطيهم فرصة الركوب أو نستمر في المقاومة ولا يهم بعد ذلك أن ندفع الضريبة من أعصابنا ووقتنا وطموحاتنا الشخصية ؟؟ نحن في قلب المعركة ، ولا بد أن تكون المعركة في سبيل القيم التي بثها فينا "بورقيبة" ولا يهم بعد ذلك ما ندفعه من ثمن حتى ولو كان سجنا ... هم يملكون سلاح السلطة والنفوذ ، ونحن أيضا نملك سلاحا مهما هو منبر الصحافة ، ولنا الكثير ممن يلتهمون كلماتنا كل صباح ويشاهدوننا ويسمعوننا بقلوبهم ، فلنحسن إذن إستعمال السلاح قبل فوات الأوان ...