يُعرفون ب«صقور» السياسة في تونس... مواقفهم واضحة وتصريحاتهم نارية... نجدهم في كل حزب أو حركة وليسوا بالضرورة القادة بل قد يكونون «جنود الخفاء» وأحيانا في مقدمة الأحداث... هم أيضا العقل المدبر لبعض التحركات... أنصارهم في كل مكان وكلمتهم مسموعة وكلما أدلوا بتصريح إلا و أداروا إليهم الرقاب وأثاروا الجدل... ومهما كانت «الانتقادات» الموجهة لهم فهي لا تزحزحهم قيد أنملة عن مواقفهم وقناعاتهم، يدافعون ب«استماتة» عن أفكارهم سواء كانت من أقصى اليمين أو أقصى اليسار وهم لا يعترفون بالحلول «الوسطية» أوبأنصاف الحلول... فإما «أبيض أو أسود»، منهجهم واضح وإن اعتبره كثيرون «تطرفا». فمن هؤلاء؟ ولماذا يسمّيهم البعض ب«صقور» السياسة في تونس؟ من حركة «النهضة» يمكن أن نرشح «بامتياز» وبامتياز الحبيب اللوز، وهوشيخ من مواليد 1953 بمدينة صفاقس، من المنتمين للجماعات الإسلامية منذ 1976 والتي تحول إسمها لاحقا إلى الاتجاه الإسلامي، عرف الحبيب اللوز بتصريحاته المثيرة للجدل كان آخرها المطالبة ب«مصدرية الشريع» في الدستور قائلا إن «قوانيننا تنسجم مع الكتاب والسنة وتتفاعل معهما» وقد طالب بأن يكون القرآن والسنة والشريعة مصادر التشريع في البلاد. صدر في حقه حكم بالسجن المؤبد في محكمة عسكرية سنة 1992 وقد طالبت النيابة بإعدامه فكان رده «ما هان القتل في سبيل الله كما هان اليوم». قضى أكثر من 16 عاما في السجن معظمها في عزلة إنفرادية مما يسر له إكتشاف منهج جديد في تفسير القرآن . قال في أحد تصريحاته: «أنا لا أسمح أن ينص الدستور على حق الإجهاض وقتل الجنين ولا أسمح أن تكون الحرية مطلقة كأن يتعرى الإنسان أو يمارس الجنس في الشارع». من مواقفه المثيرة للجدل ايضا دفاعه عن «القاعدة» قائلا: «لا خشية على الساحة العربية الإسلامية من الفكر المتشدد ل«القاعدة»» وهو يرى أن فكر «القاعدة» كان إستجابة لاحتلال أمريكا لأفغانستان والعراق. أثار لقاؤه بالداعية وجدي غنيم عديد الأقاويل ومع ذلك صرح قائلا: «شخصيا استقبلت وجدي غنيم وأجريت معه 4 جلسات وأقنعته ببعض الأشياء ولكن لم أقنعه بكل شيء». الحبيب اللوز لا يمانع في استقبال الدعاة من الشرق إذا احترموا قوانين البلاد، معتبرا أن وجدي غنيم عومل بصفة غير لائقة في بلادنا. أما من «السلفية الجهادية» فنجد «أبو عياض» التونسي والذي يعتبر الرأس الثاني بعد الخطيب الإدريسي، هو شيخ تونسي اسمه الحقيقي سيف الله بن حسين، سياسي محنك، له خبرة طويلة في «الجهاد»، جالس أبا قتادة، وعاش طويلا في بريطانيا ثم إنتقل للجهاد في أفغانستان وكان من المطلوبين من قبل عدة حكومات (تونس، بريطانيا، تركيا). عرف عنه أنه لا يخاف في «الله لومة لائم»، وصفه البعض بالظاهرة النادرة، وله أنصار في كل مكان يستمعون لخطبه ويعتبرونه مصدر علم. كما دعا إلى تطبيق مذهب «الخوارج» في تونس. كان قد توجه برسالة لوم للحكومة الحالية وقال: «أنتم تعرفون موقفنا من الحكم بغير ما أنزل الله، ولا يخفى عليكم تجريمنا لهذا الفعل»، وقد إعتبر الحرية «باطلا لا أصل له في الإسلام بل يجب أن يمنع الباطل ويسمح للحق ولا يجوز أن يسمح لأحد يدعو إلى الشيوعية او الوثنية... أو يدعونا إلى الزنا والقمار بل يمنع ويؤدب..». ويعتبر أبو عياض أن الناس كلهم عبيد عند الله تجري عليهم جميعا أحكامه القدرية والشرعية فليسوا أحرارا بمعنى أنهم لا يحاسبون على أخطائهم ولا يعاقبون على تجاوزاتهم. ومن حزب العمال الشيوعي نجد الناطق الرسمي بإسم هذا الحزب السيد «حمة الهمامي» من مواليد 8 جانفي 1952 في العروسة من ولاية سليانة. بدأ نشاطه السياسي منذ السبعينات في الحركة الطلابية وهو من أشد المعارضين لنظامي الحبيب بورقيبة وبن علي. ولئن كان حزب العمال الشيوعي من أكبر وأقدم الأحزاب الماركسية، فإنّه كان فاعلا ضمن القطب اليساري مقابل حركة الإتجاه الإسلامي في منتصف الثمانينات، وقد عرف حمة الهمامي القائد بخطاباته الثورية، التي تتميز بالنقد اللاذع و الجرأة بالرغم من استعماله لكلمات بسيطة و متزنة. البعض يرى في مواقفه وبياناته «درسا كبيرا تتعلم منه الأحزاب الشيوعية العربية وقاداتها لتخرج من «ذيليتها» وسباتها وتعود قائدة للجماهير المضطهدة». حمة هو الوحيد الذي رفض التوقيع على الميثاق الوطني الذي قدمه بن علي إثر توليه الحكم ووقعت عليه كل الأحزاب السياسية بما في ذلك «النهضة». حظي «صقر» حزب العمال الشيوعي بشعبية واسعة وذلك بسبب تاريخه النضالي وهو من أشد المعارضين حتى أن البعض لقبه بصاحب «اللاءات» حيث عارض حكومة محمد الغنوشي وحكومة السبسي والحكومة الحالية. ترددت أخبار كثيرة حول إلحاده لكنه كان يرفض دوما الإجابة عن هذا السؤال وقال: «الإيمان والكفر حرية شخصية وقناعات تلزم الإنسان ولا يمكن لشخص أو لآخر التدخل فيها». أما من «حزب التحرير» فيبرز الناطق الرسمي باسم الحزب، السيد رضا بلحاج، وقد تشكلت الخلايا الأولى لهذا الحزب في 1973، لكن إلى الآن لا يعرف الحجم الحقيقي له لاضطرار أنصاره إلى العمل السري. وتتلخص مبادئه الأساسية في «إقامة دولة الخلافة» وسبق أن صرح رضا بلحاج قائلا: «إن الخلافة مطلب شرعي وعلى الجميع الدعوة إليها». ويعمل «حزب التحرير»، الذي كان واضحا وصارما في دعوته، على استئناف الحياة الإسلامية، فالإسلام مبدؤه وتطبيق تعاليمه غايته. ويعتبر مؤسسوه أن قيام «حزب التحرير» جاء استجابة لقول الله تعالى «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير وينهون عن المنكر...». وحول عدم منح «حزب التحرير» رخصة قال رضا بلحاج: «نحن لا ننتظر منّة أحد ووجودنا طبيعي في المجتمع وكل الضمانات الحزبية والسياسية متوفرة فينا وليست لنا ارتباطات خارجية والأهم أننا لا نحتكر الإسلام ولا نكفر من يعارضنا..». أما من تيار «العريضة الشعبية» فيبرز محمد الهاشمي بن يوسف بن علي الحامدي، من منطقة سيدي بوزيد وهو رجل أعمال وسياسي تونسي، مؤسس حزب المحافظين وتحالف تونس الجميلة ورئيس كتلة العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية وهو معارض مقيم ببريطانيا، اتهمه كثيرون بالانتماء سابقا لحزب «التجمع» الدستوري رغم نفيه مرارا لذلك . كان الحامدي ينتمي إلى حركة «النهضة» لكن خلافه مع زعيمها راشد الغنوشي جعله ينسلخ عنها ويدخل في خلافات معها. يملك قناة «المستقلة» التي استغلها لتمرير خطاباته، وقد عبر مرارا عن رغبته في الترشح للرئاسة ويرى أن ذلك «حق مشروع» . يعتبره كثيرون مفاجأة الانتخابات التونسية وهدد بالزحف على قصر قرطاج ودعا أنصاره للاحتشاد و قد أثار رفضه القدوم إلى تونس العديد من التساؤلات لكن أغلب الملاحظين باتوا يتخوفون من «مفاجآت» «العريضة» ولما قد «يهندسه» قائدها من لندن والذي لا يفوت مناسبة إلا ويوجه رسائل مشفرة لا يفهمها سوى أنصاره وأتباعه. شعبيته في تزايد وأنصاره في كل مكان، وسيظل هذا الرجل لا فقط «صقر» «العريضة» وإنما مهندسها البارع الذي أربك السياسيين وحير الملاحظين رغم مظاهر السذاجة والعتاب التي يظهر بهما على الدوام.