يبدو أن الفعل السياسي يصبح عنصرا ملوّثا كلّما خرج عن سياقه وأقحم في مجالات غير مجالاته. لذلك يعمد العديد من الباحثين عن سلطة ما أو الجلوس على كرسي عال إلى الاتّكاء على هذا السند السحري ويخلطون الأوراق لتمرير أفكارهم وتحقيق غاياتهم. ولعلّ السنوات الطويلة التي عاشتها الرياضة الملوّثة بأمراض السياسة عندنا تمكّنت من السيطرة على العقول التي لم تعد تفرّق بين هذا وذاك بل تستصلح لعبة الدسّ والمسّ إلى درجة البروز كثقافة مكتملة المرتكزات والأساليب. وأعتقد أنه ليس من باب المبالغة في شيء القول بأن ما حدث ويحدث في مختلف الفضاءات الرياضية وفي كواليسها الإدارية يعكس الأمراض السياسية والاجتماعية والثقافية التي عاشتها البلاد. لقد استشرت على امتداد المواسم ثقافة المؤامرة والتباكي والاتهامات والضرب تحت الحزام والإغراق في التأويلات إلى حدّ يفوق الخيال الشعري عند العرب والخيال العلمي عند الغرب. لقد أصبحنا أبطالا عالميين في فنّ «التنبير» وسوء التدبير إلى درجة ليس لها نظير. من القاعدة إلى القمّة لا تسمع سوى التذمّرات من الآخر والآخر يشتكي من الآخر... ويبقى الآخر طيفا هلاميا يمكن اتهامه بكل ما يحدث من مآس وفواجع. لقد أصيب المجتمع بكل أنواع التعفّنات لذلك انفجر كالبركان وقاد ثورته في وجه كل أنواع التعسّف والتهميش والحرمان.. وقد استطاع محترفو السياسة تحريف مسارها واستغلال ثمارها خدمة لمآرب حزبية وفئوية ضيقة.. والحال أن الثورة أشمل وأعمق. إننا في حاجة أكيدة إلى ثورة أخلاقية شاملة في مجال الرياضة عسى أن نخلّص هذا المجال من تبعات سياسات سلطوية ساهمت في استشراء لغة التخوين و«التكمبين» و"التخرنين"! فالأخلاق الرياضية الحق تدعو إلى التخلّص من أساليب التشكيك في كل إجراء يُتّخذ من قبل هيكل رياضي أو تصفيرة خاطئة من حكم حتى لم يبق إلاّ أن نتّهم الأمطار باللعب لفائدة هذا النادي أو ذاك! إلى أين نحن سائرون؟ سؤال يخفي أجوبة مخيفة مرعبة وليس أمامنا للتخلص من كوابيسها إلاّ العودة إلى منبع الصفاء أي إلى أخلاقنا السمحة والاحتكام إلى العقل دون سواه مع القطع مع ممارسات لا تؤدّي إلا إلى الإفلاس وتطيير النّعاس!سأظل أحلم بتلك الثورة التي لم تقع...