- بالنسبة لراشد الغنوشي فان «الإسلامية التونسية» تستمد تميزها، من خصوصية علاقتها بالغرب، القائمة على «القرب وشدة التأثر الثقافي. فالإسلام هنا لا يستطيع أن يرفض الغرب جملة، إذ أن ضرورات التعامل مع الغرب اقتضت في هذه المنطقة بالذات أخذاً وعطاء مع الغرب". - بينت مشاركة النهضة في الحياة السياسية بعد الثورة، وخاصة خلال العملية الانتخابية سواء أثناء الحملة الانتخابية أو بعد الإعلان عن النتائج، أن الحركة الإسلامية تتهيّأ بوعي أو بغير وعي للانتقال من مرحلة الدّعوة إلى مرحلة الدولة، من مرحلة الجماعة المضطهدة إلى الجماعة الحاكمة أو المشاركة في الحكم. - إن التحديات التي يمكن امتحان النهضة فيها ليست سياسية، حيث من المستبعد بل من المستحيل أن تتنكر للخيار الديمقراطي التعددي، وللتداول على السلطة عبر الانتخابات، فليس أمامها خيار آخر. بل أن التحدي، الرئيسي الذي يواجه حركات الإسلام السياسي، لا في تونس فقط بل في العالم العربي، سيكون متمثلا في سياستها الاقتصادية والاجتماعية تتناول الحلقة التاسعة، وقبل الأخيرة من تقديم كتاب «الإسلاميون في تونس.. من الاجتثاث إلى الحكم»، خصوصية الحركة الاسلامية في تونس، ممثلة في حركة «النهضة»، وهي خصوصية استمدتها من خصوصية المجتمع التونسي، الذي عرف حركة تحديث فريدة، تعود إلى حركة الاصلاح في القرن التاسع عشر، وتدعمت خلال الفترة البورقيبية. وهذا الإرث المجتمعي والتاريخي يؤهل ويرشح حركة النهضة لتكون بمثابة «الأنموذج» لحركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية. تلتقي العديد من الدراسات التي تناولت بالبحث الحركة الإسلامية في تونس، عند التأكيد على خصوصياتها بالمقارنة مع تجارب أخر . وهي خصوصية استمدتها من بيئتها الوطنية و"من خصوصية الواقع التونسي نفسه ومدى تغلغل أفكار التحديث فيه، والحقيقة أن أفكار التحديث في تونس كانت مطلباً زيتونياً، أي مطلباً دينياً، منذ القرن التاسع عشر قبل أن يأتي الفرنسيون، أي أن المجتمع التونسي طلب التحديث قبل الاستعمار، وعندما جاء الفرنسيون عملوا على الإجهاز على تحديث يتم في الإطار الإسلامي لفرض تحديثٍ غربي مستورد، الأمر الذي يجعل الصراع الثقافي في تونس ليس بين الحداثة والتقليد الإسلامي، وإنما بين نمطين من الحداثة: حداثة محتواها التغريب وإلحاق البلاد بما وراء البحار، وحداثة محتواها استيعاب العلوم والفنون والنظم الغربية في إطار الإسلام وتراثه. وتستمد «الإسلامية التونسية» تميزها، من خصوصية علاقتها بالغرب، القائمة على «القرب وشدة التأثر الثقافي. فالإسلام هنا لا يستطيع أن يرفض الغرب جملة، إذ أن ضرورات التعامل مع الغرب اقتضت في هذه المنطقة بالذات أخذاً وعطاء مع الغرب". يرشح الملاحظون وخاصة من الدارسين لتجربة الحركة الإسلامية في تونس، أن يكون حزب حركة النهضة أقرب إلى الاستلهام من التجربة «الأردوغانية» –نسبة لرجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية- ، بسبب استيعابهم وادراكهم لخصوصيات المجتمع التونسي. وتفاعلهم مع ما تحقق من لبنات أسست لانتقال ديمقراطي، يقوم على التعددية والتداول على السلطة والإقرار بمدنية الدولة. وإذا لم يحصل التفاعل الايجابي، في هذه المرحلة، فان «الإسلامية السياسية» ستكون ظاهرة عابرة في التاريخ التونسي، نظرا لقوة وتجذر التجربة التحديثية. وقد بينت مشاركة النهضة في الحياة السياسية بعد الثورة، وخاصة خلال العملية الانتخابية سواء أثناء الحملة الانتخابية أو بعد الإعلان عن النتائج، أن الحركة الإسلامية تتهيّأ بوعي أو بغير وعي للانتقال من مرحلة الدّعوة إلى مرحلة الدولة، من مرحلة الجماعة المضطهدة إلى الجماعة الحاكمة أو المشاركة في الحكم. مما يجعل من الإسلاميين فاعلا رئيسيا في المستقبل، فلا يمكن أن يتحقّق في تونس استقرار وتنمية وديمقراطية بلا مشاركة الإسلاميين، فقد انتهى زمن الإقصاء والمعالجة الأمنية. فالحركة الإسلامية اليوم هي القوة الشعبية الأساسية، والتيار المركزي في المجتمع وفي الأمة، وهذا ما أكده الربيع العربي. لكن في المقابل، على هذه الحركة أن تدرك أن التحولات الجارية في المشهد السياسي ليست بفعل الإسلاميين، بل هي نتيجة نضال الحركة الديمقراطية، التي هي وليدة التجربة التحديثية التي عرفتها تونس، فالإسلاميون دخلوا إلى فضاء ديمقراطيّ لم يقوموا هم ببنائه. وفي الواقع «فان هذه الحركة الدّيمقراطيّة ستحوّلهم في العمق، بمعنى أنّهم مجبرون على القبول بالقاعدة الجديدة للّعبة، على تحمّل التّوجّه البرلمانيّ. فالنّهضة-في تونس- هي الآن الحزب الحاكم وقد قبلت بأن تتحالف مع أحزاب أخرى للعمل على كتابة الدّستور الذي يريد التونسيون تضمينه قيم الحداثة وحرية المرأة... ويذهب أولفي روي، وبعد قراءة أولية في مسار الثورات العربية، إلى الاعتقاد «أنّه بإمكاننا الحديث عن «ما بعد – أصوليّة إسلاميّة» بمعنى أنّه ليست إيديولوجيا هؤلاء الإسلاميين ولا فعلهم الثّوريّ هما من أوصلاهم إلى سدّة الحكم، فقد خضع هؤلاء إلى عمليّة ديمقرطة (لا يدينونها ولم يدينوها أبدا ولكنّها مع ذلك لم تكن في برنامجهم قبل 30 عاما) وهم الآن يحتلّون وسط اليمين في الفضاء السّياسيّ... أظنّ أنّنا سنشهد، في المغرب العربيّ، على أيّة حال، خطّا دينيّا محافظا سيكون أقرب إلى اليمين الأمريكيّ منه إلى الوهّابيين السّعوديين . ويري أولفي روي أنه «وفي ما يخصّ «الدّولة الإسلاميّة» و«القرآن باعتباره دستورا» الخ.. كلّ هذا اختفى في المغرب العربيّ. ، فحزب العدالة والتّنمية في المغرب هو حزب المخزن/الملك، كما أنّ النّهضة لا تتحدّث مطلقا عن دولة إسلاميّة ولا كذلك عن الشّريعة. أمّا في مصر، فالحالة على العكس منهما أكثر تعقيدا، غير أنّنا نلاحظ أنّ الإخوان المسلمين قد تخلّوا عن شعار «القرآن هو دستورنا» بما أنّهم تحديدا يستعدّون لكتابة دستور – ولو أخذنا مثالا معاكسا، فإنّ طالبان أو السّعوديين لا يهتمّون بإيجاد مجلس تأسيسيّ بما أنّ القرآن يتضمّن كلّ شيء. أظنّ أنّ المسألة الآن ليست إيديولوجيّة بل هي تتعلّق بالقيم والمعايير. فالإسلاميون يتمّ تعريفهم من خلال فكرة أنّ الإسلام يجب أن يكون في مركز المجتمع، وهذا ما لا يمكن أن يتراجعوا عنه، وإلاّ فإنّهم سيفقدون كلّ خصوصيّة تميّزهم". إن التحديات التي يمكن امتحان النهضة فيها ليست سياسية، حيث من المستبعد بل من المستحيل أن تتنكر للخيار الديمقراطي التعددي، وللتداول على السلطة عبر الانتخابات، فليس أمامها خيار آخر. بل أن التحدي الرئيسي الذي يواجه حركات الإسلام السياسي، لا في تونس فقط بل في العالم العربي، سيكون متمثلا في سياستها الاقتصادية والاجتماعية. وقد طرح مشكل «البرنامج» بقوة بعد تشكيل النهضة للحكومة، حيث كان بيان رئيس الحكومة أمام المجلس التأسيسي، مجرد «خطاب نوايا» وليس برنامجا عمليا لبلد يعاني من تحديات عديدة واستحقاقات ثورة. ما يطرح التساؤل عن مدى قدرة حزب حركة النهضة، على إحداث قطيعة مع البنية السياسية السابقة. فالإسلاميون يبدون أكثر فأكثر يمثلون حزب الاستمرارية لا القطيعة، وبهذا المعنى قد يخيبون الآمال ويمكن أن يثيروا الخوف، «لكن ليس لدرجة أو حد إعادة إنتاج الدكتاتورية أو تيوقراطية إسلامية". كما يواجه إسلاميو تونس تحديا فكريا، ما جعل اهتمامهم بالممارسة السياسية بلا عمق تنظيري، نتيجة إهمال الجوانب الفكرية والنظرية. وباستثناء وثيقة «الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي» التي ظهرت سنة 1981 زمن الاتجاه الإسلامي، ووقع اعتمادها في مؤتمر حركة النهضة الأخير سنة 2007 فليس هناك إنتاج فكري يذكر باستثناء محاولات لراشد الغنوشي وعبد المجيد النجار. ولعل «غياب مرجعية فكرية أو حركية محددة مسبقا (...) تجعل من الصعوبة تحديد الخصائص الفكرية للحركة، بناء على خطاب جامع أو أدبيات ملزمة" . (يتبع)