- الحكومة تحاول تحويل ملفات المحاسبة إلى عملة انتخابية - مشكلة اليسار أنه بقي يسارا احتجاجيا فقط هو ناشط سياسي وحقوقي اشتهر بكلمته التي جابت كل أصقاع الأرض «بن علي هرب». عرف بدفاعه عن الحق. ناضل في صفوف الحركة الطلابية التونسية عندما كان طالبا... حوكم مرتين وسُجن من قبل نظام بن علي وخاض تجربة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي كمستقل. ضيفنا اليوم هو المحامي محمد الناصر العويني... أولا لو تقيّم الوضع السياسي الراهن؟ اليوم في تونس الوضع السياسي ينقسم إلى قسمين: الوضع السياسي الرسمي المتكون من الحكومة والمجلس التأسيسي: هما بعيدان كل البعد عن الواقع الشعبي بل هناك تباين بينهما وصل حدّ القطيعة وهو ما تفسره الاحتجاجات والسخط على الحكومة. فما هو مأمول لم يتحقق ولو نسبيا. فالشعب يريد بناء مجتمع مدني متحضر منفتح تكرس فيه الديمقراطية وحرية التعبير والتفكير ويدافع عن قيم المواطنة ولكن الحكومة إلى الآن عاجزة عن هذا. والمستوى الثاني السياسي هو الذي يتكون من الهيئات الشعبية وجزء كبير من منخرطي جمعيات المجتمع المدني وهي التي تتميز بالحراك الثوري والشعبي هي حركات غير معزولة لأنها تكون هيئات مقاومة دفاعا عن النهج الثوري صادقة في أعمالها لكن هذا لايكفي لانها تعاني من قصور في بلورة خطاب وخلق بديل يمكن أن يعوض المستوى الرسمي. فرغم صدقها ووضوحها فإنها عاجزة عن ترويج خطاب قابل للتطبيق على أرض الواقع كما أن مشكلتها الأساسية هي عدم معرفتها أو قدرتها على الالتصاق بهموم المواطن اليومية لذلك أنا أقول وأكرر انها ورغم صدقها غير قادرة على لعب دور البديل للمشهد السياسي الرسمي. حسب رأيك لماذا كل هذا السخط الشعبي على هذه الحكومة؟ مؤشرات عديدة تجعل المواطن يسخط فهذه الحكومة وبعد 3 أشهر بان ضعف أدائها كما أنها تخلت عن دورها الأساسي وسقطت في الارتجال والانفعالية ونسيت أنها أصبحت تمثل دولة. وهذا ما ولّد سخط الشعب كما أن العديد من القضايا المفصلية والمهمة كالأمن والمحاسبة وقضية جرحى الثورة والتشغيل تعاطي الحكومة معها ضعيف مما ولد سخطا شعبيا ليس فقط على الحكومة بل حتى على المسار الثوري. فاليوم أصبحنا نسمع أناسا لا يستحون من الترحم على أيام بن علي وهذا خطير لأن تلك الحقبة تحمل العديد من الذكريات السيئة وكأن المواطن يحن لعودة الدكتاتورية وهذا غير معقول فحالة الإحباط هذه تتحملها الحكومة لضعفها وثانيا لعدم تطبيقها لوعود البرنامج الانتخابي إضافة إلى تغييرها لسلم الأولويات. البعض يرى أن سقوط هذه الحكومة هو سقوط للثورة؟ هذه الحكومة لا علاقة لها بالثورة هي حكومة شرعية صحيح لكنها ليست حكومة ثورية واكبر دليل انها متصادمة ومتضاربة مع روح الثورة في العديد من القضايا, مطالب الثورة كانت التشغيل ومحاسبة الفاسدين والكرامة فأين هذه المطالب في هذه الحكومة؟ لكن البعض يرى ان سقوط الحكومة يعني انسياق البلاد للهاوية؟ هذا غير صحيح... فسقوط الحكومة ليس نهاية العالم... الشرعية الثورية والقانونية المتمثلة في المجلس التأسيسي لها الحق في إسقاط الحكومة ومنح الثقة لحكومة اخرى. لكن ألا ترى أن سقوط الحكومة وإنشاء أخرى لن يخرج عن إطار الفريق الحاكم الحالي باعتبار أنه يمثل الأغلبية في «التأسيسي»؟ وما المشكل؟... في أعتى الديمقراطيات إذا فشلت حكومة أغلبية يعاد تشكيل حكومة أخرى وهذا لا يعني إعادة الانتخابات أو التشكيك فيها لكن من حق المجلس التأسيسي أن يسقط الحكومة إذا اتّضح أنها جاهلة لطبيعة الشعب وغير قادرة على تقديم الإضافة فهل نستورد لهم شعبا جاهلا لتواصل الحكومة الحالية عملها؟ حسب رأيك ما هو عيب الحكومة الحالية تحديدا والذي يمكن أن يؤثر على أدائها؟ أهم نقيصة في الحكومة الحالية هي افتقادها لملكة التصوّر «ماعندهاش القدرة على تصور طرق جديدة لتسير دواليب الدولة» فملكة التخيل مفقودة فهي مازالت تتوهم أن أجهزة الدولة القديمة قادرة على العمل. (قاطعته) هل تقصد التعيينات الأخيرة للولاة والمعتمدين التي أدت إلى حنق الكثيرين؟ هذا مشكل من المشاكل الدالة على عدم قدرة الحكومة على التصور. فالمشكلة ليست في وال نهضوي أو تجمعي رأينا ولاة مستقلين وولاة من أطياف أخرى جوبهوا بالرفض فالمشكلة ليست في الوالي أو في انتمائه, المشكل في الحكومة التي نرى أن الهاجس الانتخابي هو المسيطر على تفكيرها مما جعلها عاجزة عن الخلق والإبداع. فعلى الحكومة أن تعرف أن الشعب رافض لهذه الأجهزة ...جهاز الوالي وجهاز المعتمد ..هذه الحكومة كان الأجدر بها أن تقوم بسن قوانين مؤقتة لتسيير أمور الجهات وذلك باستنباط أجهزة جديدة قادرة على تسهيل أمور العباد في الجهات لكن أعود وأقول إن الهاجس الانتخابي للحكومة هو المهيمن على تفكيرها وتعتقد أن أجهزة الدولة إذا غيرت الأشخاص فستعمل على أحسن وجه وهو خطأ فادح سقطت فيه الحكومة لأنها نسيت أن الشعب رافض لهذه الأجهزة من ناحية وأن هذه الأجهزة لوكانت قادرة على الدفاع عن النظام المركزي لدافعت عن بن علي, هذه الأجهزة معطوبة وغير قادرة على العمل والشعب لفظها لذلك لا يمكن أن تشتغل بأشخاص جدد لأن المشكلة ليست في الاشخاص بل في الأجهزة في حدّ ذاتها، لذلك فالحكومة إذا واصلت نفس التمشي للنظام السابق في التعامل مع هذه الأجهزة فهي ستفشل مثل سابقتها لأن الشعب رافض للأجهزة وليس للأشخاص أو انتماءات الأشخاص. نأتي للمستوى الثاني الذي تحدثت عنه وهو المعارضة هل ترى أنها تقوم بدورها؟ المعارضة اليوم في نفس مستوى الحكومة فهي إلى اليوم لم ترتق إلى مستوى معارضة قادرة على طرح نفسها كبديل أو على الأقل كمساهم في بلورة المشهد السياسي العام. فضعف الحكومة ليس مقتصرا على أخطائها فقط فحتى المعارضة لها نسبة من هذا الضعف لأنها غير قادرة على طرح بدائل فعندما تكون الحكومة ضعيفة يمكنها الاستنجاد وطلب المساعدة من المعارضة لكن في تونس اليوم أين هذه المعارضة القوية؟ فاليوم نرى في تونس حكومة عاجزة ومعارضة عقيمة. حسب رأيك ما هي مشكلة المعارضة؟ المعارضة التونسية لم تصل بعد إلى مرحلة النضج السياسي ومازالت غير قادرة على المساهمة في بناء مشهد سياسي قوي ومتوازن وهذا راجع إلى ضعفها في قراءة الواقع أضف إلى ذلك أنها مازالت لم تستوعب درس الانتخابات الفارطة ولم تبين للناس أنها بصدد تقييم مردودها والبحث عن حلول جذرية لضعفها وتجاوزها للنقائص... في هذا الموقف ما العمل؟ على هذه القوى ان تنصهر في جبهات او ائتلافات قوية وخاصة أن تتخلى عن الحزبيات الضيقة الممجدة لزعامات حزبية شكلية إضافة إلى ضرورة نزولها إلى أرض الواقع والبحث عن بدائل قوية تساهم في النهوض بمستوى عيش التونسي على كل المستويات الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية. كما أن انصهارها حسب توجهات عريضة هو الضامن الوحيد كي تساهم في إبداع وخلق آفاق جديدة قادرة على ملامسة هموم التونسي وإيجاد الحلول الجذرية لمشاغله. حسب رأيك لماذا حظي اجتماع الباجي قائد السبسي بكل تلك الضجة؟ مبادرة الباجي أثارت ضجة لأن الباجي قائد السبسي كانت له جرأة ووضوح في طلب السلطة السياسية ولم يقم أحد بفعلها قبله وطرح نفسه بلا مواربة ودون نفاق كبديل للحكومة وهو ما أثار عديد ردود الافعال المتباينة ولكن هذه النقطة تحسب له لأنه من المفروض أن من يطرح نفسه كبديل هي الأحزاب المعارضة. لكن البعض يرى أن الباجي هو السبب في فشل هذه الحكومة وهو من خطط لعجزها كي يعود للسلطة؟ أنا لا أوافق هذا الرأي فمن يتحدث أو يحلّل بهذه الكيفية قصير النظر وذاكرته مثقوبة, فحكومة الباجي بقيت 6 أشهر فقط وإذا قارنّا بين حكومته والحكومة الحالية في عدد الاحتجاجات والإضرابات والمشاكل فهي لا تقارن أضف إلى ذلك أن حكومة الباجي كانت حكومة تصريف أعمال وهي غير شرعية بالمفهوم الثوري والقانوني ومع ذلك لم نسمع عن مؤامرات أو تشكيات ولعب دور الضحية كما تفعل الحكومة الحالية. وعوض البكاء والتشكي كان الأجدر بهذه الحكومة أن تقر وتعلن للملأ أنها عاجزة وغير قادرة على فعل أكثر من هذا ولو صارحت الشعب لخففت عن نفسها الضغط لأن ما ينقصها هو الصراحة مع الشعب فالكل يعلم أن الحكومة لا تملك عصا سحرية لكن أيضا وجب عليها أن تصارح الناس وتقول إنها عاجزة لا أن تكابر. وعلى الحكومة أن تفهم أنه في السياسة لا توجد أعذار بل نتائج. فالسياسي يحاسب على ما قدمه من نتائج لا على ما يقدمه من أعذار, والعمل السياسي يبنى على الكفاءة في أي وضع كان ولا يبنى على الذرائع وخلق شماعات وهمية لتبرير الفشل فالمطلوب منها إيجاد حلول لا رمي التهم على من سبقها. بعد انقسام الشعب حول مسألة النقاب وتطبيق الشريعة، ألا ترى أن مبادرة الباجي قادرة على تقسيم الشعب من جديد حول عودة التجمعيين؟ أنا لا أظن ذلك لأن مبادرة الباجي ليست تجمعية بل أزلام النظام البائد حاولوا ركوب المبادرة, ثم وجب أن نفهم أن حزب «التجمع» هو حزب سلطة. فتاريخيا ما قضاه هذا الحزب في السلطة أكثر مما قضاه في النضال، لذلك محاولته العودة وتمسكه بالسلطة امر مفهوم لكن على هؤلاء ان يفهموا ان الشعب لفظهم ولم يعد بحاجة إليهم. فالثورة نكستهم إلى الأبد فهم واهمون أن التاريخ سيعيد نفسه ويخرجهم كمنقذين فهذا غير ممكن لا وحتى وإن آمنّا بأن التاريخ سيعاد فإنه لن يعيد إلا مأساة. وهذا ما يرفضه الشعب لذلك على هؤلاء ان يستحوا لأن الشرعية الثورية والقانونية والشعبية رفضتهم ولفظتهم لذلك لن يكون هناك انقسام في الشعب بل بالعكس محاولة عودتهم ستوحد الشعب ضدهم. يعني أن عدم محاسبة الكثير من هؤلاء فتح لهم باب الأمل... فهل إسقاط المحاسبة من الأولويات هي مشكلة قضائية أم سياسية؟ مشكل المحاسبة مشكل سياسي بالأساس فالسلطة القضائية هي سلطة سياسية تكوّن المشهد السياسي. فالتعاطي مع هذا الملف قبل الانتخابات هو نفس التعاطي بعد الانتخابات وإن كنا لا نلوم حكومة ما قبل الانتخابات لافتقادها الشرعية في التعامل مع هذا الملف فإن هذه الحكومة لها شرعيتان. فالمحاسبة لها مرجعية ثورية وهو ما تملكه الحكومة الحالية إضافة إلى شرعيتها الانتخابية ولكن تعاملها بانتقائية في بعض الأحيان وتساهلها وصمتها المريب في التعامل مع ملف القضاء يطرح اكثر من تساؤل أين ملفات الفساد؟ أين الفاسدون؟ وأين استقلال القضاء؟ وأين وأين وأين؟؟؟ فقضية المحاسبة يجب أن نحسم فيها كي ننتقل إلى البناء. فما يحدث في هذا الملف يتنزل في إطار «تمييع القضية» لإبعاد الأنظار عنه وهو ما يجعلني أستنتج أن هاجس الانتخابات يسيطر على الحكومة فهي تحاول تحويل كل الملفات إلى عملة انتخابية. هل نفهم من كلامك أن الحكومة تريد مقايضة هذه الملفات بالمال السياسي للتحضير للانتخابات القادمة؟ أنا لم أقل هذا... أنا قلت أستنتج فأنا أستغرب كيف يقع إرجاع أموال أصهار بن علي ونراهم يحضرون اجتماعات الحزب الحاكم فهل من تفسير؟؟؟ نعود للمعارضة ما مشكلة اليسار التونسي اليوم؟ مشكلة اليسار اليوم أنه بقي يسارا احتجاجيا فقط فهو لم ينضج بالقدر الكافي كي يصبح قادرا على تقلد السلطة، أنا مع يسار مستعد لتسيير البلد... يسار له رؤى قادرة على التكتيك ووضع برنامج قادر على إقناع العالم وليس الشعب. وجب أن يكون واضحا وقادرا على التسيير وهذا لا يتناقض مع جوهره الاحتجاجي. اليسار يجب أن يطلب السلطة ويتحمل مسؤولياته التاريخية وان يكون مستعدا للمحاسبة... عليه ان يطرح نفسه وأن ينهض بأمور الشعب وأن يكون قادرا على تحقيق الوعود التي يقطعها أمام الشعب ولكن اليسار بقي يسارا احتجاجيا فقط! نأتي إلى قضية جرحى الثورة... البعض ومن بينهم الحكومة يتهمون أطرافا بتسييس القضية؟ ملف الجرحى هو ملف سياسي، فلماذا وضعته «النهضة» في برنامجها السياسي واستغلته انتخابيا؟ وإن كان هناك من سيّس الموضوع فهي الحكومة وهذا دليل آخر على عجز الحكومة عن التعاطي مع الملفات الحيوية لذلك لابد لها من التعاطي بنزاهة أكثر مع هذه الملفات لا تخوين وتجريم كل من يتحدث وجعلها مؤامرة ضد الحكومة فإن لم نتحدث عن هذه المواضيع فعن أية مواضيع سيتحدث الناس... !؟ أيمن الرابعي صور شرف الدين