أيتها الأخوات, أيها الإخوة لقد أصبح غير خاف على المتتّبع لشؤون حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» وجود أزمة بين أعضاء المكتب السياسي من جهة وبين شق منه وشق آخر من الكتلة النيابية ما انفكت تتعمق مظاهرها إلى أن آلت إلى حالة شلل في تسيير الحزب وعمل قيادته, واهتزت صورة الحزب وضعف رصيده النضالي وحضوره الميداني لدى الرأي العام تبعا لذلك. إن هذا الوضع يجعلنا اليوم كمجلس وطني مصغر نتقّدم بهذه الرسالة محاولة منا للوقوف على أسباب الأزمة وإبراز مواطن الخلاف والإحاطة بها قصد إخراج الحزب من المأزق الذي آل إليه وذلك من منطلق تصحيح المسار واعادة الاعتبار لمبادئ الحزب والقيم التي رفع لواءها والخيارات الأساسية التي كّرسها في برامجه. لقد ظهر الحزب مباشرة بعد الانتخابات رغم ما حقّقه من نتأيج مرضية نسبة إلى حداثته في المشهد السياسي وقلة خبرته في اختبار الشرعية الديمقراطية في مظهرالمتهافت علىالسلطة والساعي إلى المحاصصة بأي ثمن في الحكم. فتخلف عن تقييم أداء مناضليه خلال الحملة الانتخابية في مستوى الخطاب وكذلك وسائل الدعاية التي اعتمدها ومساءلة من أخطأ أثناء الحملة سواء بمحاولة إفشال حملة بعض القائمات أو بالدعاية لأطراف عوض مكافأته. وكان الأداء الهزيل من الفريق المفاوض بشأن الحقائب الوزارية تفريطا في المكاسب الانتخابية للحزب ودون ثقله الانتخابي ودوره المحوري في أي ائتلاف حكومي. فقد قبل بتنظيم مؤقت للسلط يتنافى مع برنامج الحزب في نظام رئاسي معّدل بالانخراط في نظام برلماني. كما جنح الوفد المفاوض إلى التعاطي مع قضّية المفاوضات باعتبارها قضّية الفريق المفاوض وليس قضية الحزب كافة، مّما جرهم إلى ممارسة الفئوية داخل المكتب السياسي والتّخلي عن الشفافية في إمداد جميع أعضاء المكتب السياسي والكتلة المجلسية بالمعلومات حول أشواط المفاوضات، اضافة إلى التخلي بلا مبرر عن الأهداف التي قررت في البداية وهي السعي للحصول على حقائب سيادية داخل الحكومة، بما كشف عن إرادة في التشبث بالحقائب التي منحت لهم في ظروف من التعتيم وعدم الشفافّية. وبالرغم مما أبدته الكتلة بجميع أفرادها من تجاوز لما حصل في حقّها من عدم تشريك أو تشاور أو حتى إعلام عبر تصديقها على الفريق الحكومي خلال عملية التصويت التي جرت داخل المجلس الوطني التأسيسي من منطلق مراعاة المصلحة الوطنية في سد الفراغ المؤسساتي، فإن الشق الذي فاز بالحقائب الوزارية تجاهل دورها ورفض التعامل معها بل لم يتورع عن الانقلاب على الأمانة العامة واتخاذ إجراءات تأديبية ضد بعض أعضاء الكتلة المجلسية.ّ وعوض ان يتدارك المكتب السياسي الأمر بعد تراجعه في عملية الانقلاب وقرارت التأديب غير المبررة وذلك باسترجاع دوره في اقتراح خط سياسي يخرج التنظيم من حالة التشتت والغموض في الر ؤى التي عانى منها في مرحلة ما بعد الانتخابات جعل من حضوره بالمكتب السياسي فقط من قبيل تسجيل الحضور والترف المعنوي دون تقديم أي مساهمة في إخراج الحزب من حالة الفراغ والتفكك التي تردى فيها. وبالرغم من محاولات الأمين العام تجاوز الأزمة عبر تقديم تصور الإعادة الهيكلة بل ذهب إلى حد تعطيلها في عدة فروع بأساليب تذكر بممارسات العهد البائد. واستمر ذلك الفريق على ذات النهج في تحويل المكتب السياسي أداة لمحاصرة الأمين العام وتحويله إلى مجلس تأديب يجمد هذا ويوبخ ذاك إلى إن آل به الأمر إلى التهديد بعزل الأمين العام، وتم ذلك في ظل استعمالهم لوسائل الإعلام للنيل من رموز الحزب ماليا من خلال تجميد اعتمادات التصرف وعدم تسمية ناطق رسمي ومسؤول إعلامي مما جعل القواعد وأنصار الحزب تشعر بالإحباط والحيرة إزاء ما يحدث داخل المكتب السياسي. كما أصر العديد من الفريق الحكومي والمستشارين داخل الرئاسة وفي مسعى لوضع اليد على الحزب التشبث بالعديد من المسؤوليات، إذ تجده في الوزارة وفي المجلس التأسيسي وفي مسؤوليات حزبية أخرى ورئيس كتلة وأمين مال أو مسؤول عن الإعلام.. وهو ما كرس العودة إلى إدارة الحزب من داخل القصر الرئاسي بما يتناقض في مظهر من مظاهره مع مبادئ الحزب التي تكرس الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. وهو ما أساء لصورة الحزب لدى مناصريه وخاصة تشبث وزراء المؤتمر بعضوية المجلس التأسيسي دون حضور أشغاله أو العمل في إحدى لجانه وهو ما يعد تشبثا منهم بالمنصب لا غير ومنعا لغيرهم من أعضاء القائمات الانتخابية من الالتحاق بالمجلس التأسيسي. واليوم فإنه بات معلوما أن الخلاف بين المجلس الوطني المصغر الذي بادر الأمين العام بتشكيله والذي لم يقص منه أحد من أعضاء المكتب السياسي أو من أعضاء الكتلة المجلسية في محاولة لتجاوز الحزب في المرحلة التي تلت الانتخابات. ففي حين يرى الفريق الحكومي أن الحزب أداة يجب أن تخدم سياسة السلطة الجديدة ويصبح بذلك فرعا من أصل، وهو ما يفسر حرصهم على التمسك بقيادته دون التفكير في طرح المهام السياسية الخاصة بالمرحلة ومعالجة قضاياه الداخلية من هيكلة وإعادة تأسيس. ويرى المجلس الوطني المصغر أن الحزب يجب أن يكون هو الأصل في علاقته مع السلطة التي يوجد ممثلوه بها مرحليا. فالحزب يجب أن يكون مدرسة لتكوين الإطارات السياسية وبلورة الاستراتيجيات والرؤى والخطط العملية والمساهمة بذلك في بناء المجال السياسي الوطني الذي عانى من التصحر طوال ستة عقود وبذلك حرم الحزب من استيعاب القوى الصاعدة والخبرات الوطنية التي تفاعلت معه خلال الحملة الانتخابية. ووفق هذا التصور كانت مبادرة الأمين العام في اقتراح الخط التنظيم ثم الخط السياسي ضمن الوثائق التي تم توزيعها على مناضلي الحزب. وتكريسا لرؤية الفريق الحكومي في تمثل دور الحزب في مجرد عربة ملحقة بالسلطة الجديدة ومجرد نطاق تمرير لسياساتها، عاين الجميع الانحرافات والأخطاء التي سقط فيها ذلك الفريق مثل المحسوبية والزبونية التي أضرت بسمعة الحزب ونالت من رصيده الاعتباري لدى المناضلين والرأي العام بما يعد نقضا للعهود التي قطعها مرشحو المؤتمر للناخب. لذلك فإن الدعوة موجهة إلى الفريق الحكومي والمستشارين من أعضاء المكتب السياسي للتخلي عن سلبيتهم ومحاولاتهم تعطيل نمو الحزب وتحوله إلى حزب جماهيري، حقيقي، قادر على إدارة حياة سياسية داخله والمساهمة في بناء المجال السياسي الوطني والالتحاق بالمجلس الوطني المصغر والمساهمة بلا تأخير في تعميق تصورات الحزب وتنفيذ خطه السياسي. كما يتعين على الفريق المذكور أن يبادر فورا بوضع حد للجمع بين المسؤوليات المجلسية والحكومية وذلك من منطلق رد الاعتبار لمبدإ فصل السلط والخيارات الديمقراطية التي قامت عليها عقيدة الحزب بما يحقق مصالحة مع توجهات الحزب وخياراته الأساسية. كما يتعين على الفريق المذكور تقديم الاعتذار العلني والصريح بلا تأخير للحزب وقواعده وناخبيه عما ارتكبوه من أخطاء وما انزلقوا فيه من انحراف عن مبادئ الحزب ونيلا من صورته طبق ما تقدم تفصيله وإلا فإن المجلس الوطني المصغر سيكون مضطرا لتكريس القطيعة معه.
تونس في: 18 أفريل 2012 عن المجلس الوطني المصغر الأمين العام: عبد الرؤوف العيادي