إنّ أخطر ما يمكن أن يحدث في الرياضة هو الخروج بها من بيتها والزجّ بها في متاهات ومجالات وهي غير محصّنة لمواجهة إشكالاتها وتناقضاتها. وقد سبقت الإشارة إلى عينات مما يأتيه بعض الفاعلين في الساحة الرياضية من سلوكات لا تزيد الوضع إلاّ تعقيدا وتسهم في إشعال الفتن بين الأفراد والجهات. وفي هذا الباب نتذكّر جميعا ما ورد على لسان مسؤول في الملعب القابسي قبل أشهر وأثار ردود فعل متعدّدة بسبب ما اصطبغت به تصريحاته من نزعة تحريضية على تحريك النعرة الجهوية مبرّرا الأحداث التي جدّت آنذاك في الملعب بما كانت تشكوه الجهة من تجاهل وتهميش! وها أنّ الأيام الأخيرة تعيد على مسامعنا وإلى أذهاننا صدى تلك التصريحات الحارقة من خلال ما قاله أحد مسؤولي الأولمبي الباجي إثر هزيمة فريقه في قفصة مشيرا إلى ما يحدث في الكواليس حسب قوله لإعادة «ترتيب» البيت الداخلي لفرق الشمال وحضورها في «المحترفة الأولى»! هاتان العيّنتان وأقتصر على ذكرهما تبيّنان بما لا يدع مجالا للشك أن وراء الأكمة ما وراءها وأن النار تحت الرماد ولا تنتظر سوى هبّة ريح لتتطاير شراراتها وتنشر اللّهب المستعرْ حيثما بلغ مداها. لماذا كل هذا؟ وهل يحدث فعلا للدفاع عن مصالح الأندية؟ أعتقد أن الجواب بنعم لا يمثل سوى نصف الحقيقة... لأن الدفاع عن تلك المصالح متاح بطرق أخرى بعيدة عن تحريك النعرات الجهوية أو الفئوية، وهم أي المحتجّون يعرفونها كما يدركون خطورة أقوالهم وأفعالهم ولكنهم يتجاهلونها عن قصد ومع سبق الإصرار! لماذا؟ هم يحاولون الظهور في ثوب البطل الذي يدافع بكلّ ما أوتي من قوة اللسان عن مصلحة النادي، وهم إذ يفعلون ذلك في الواقع ليس لهم من غاية سوى تغطية السلبيات التي قد تعتري النادي سواء على مستوى التسيير أو على مستوى النتائج. وهذا يعني أن الرياضة أضحت مطيّة للصعود إلى سدّة الأبطال وحمل شارة النّضال.. وهذا عين ما كان المجتمع يقاسي تبعاته في ماض قريب وأدّى في النهاية إلى الانفجار الشعبي الذي تجسّم في ثورة الشعب. إننا نرفض العودة إلى الممارسات السابقة وركوب صهوة الرياضة لبلوغ غايات أخرى لا علاقة لها بها.. علينا أن نتّقي الله في أجيالنا وأن نحفظ ألسنتنا من الانحرافات والانزلاقات المؤدّية إلى متاهات لا نرتضيها لبلادنا... ويبقى دائما نصف الكلام... ومنّي عليكم السلام...