يبدو أن العلاقة بين الحكومة واتحاد الشغل مرشحة لتطورات عديدة نتيجة بروز عدم رضاء تام من ممثلي الاتحادات الجهوية للشغل على أداء الحكومة وغياب «الجديّة» على حد تعبير عدد من الكتاب العامين للاتحادات الجهوية عن أداء الولاة وتعيين مديرين ومسؤولين جهويين تابعين لحزب «النهضة» ولا يتمتعون على حد تعبير ممثلي الجهات بالكفاءة والقدرة على تحمل المسؤولية مما عطل مصالح الجهات. وقد تمّت الإشارة إلى أن عدة مسؤولين جهويين ووزراء لم يقدموا أداء جيدا على غرار ولاة مدنينوقابس وقفصة وزغوان والقيروان إضافة إلى اتهامات موجهة للسيد عبد الكريم الهاروني وزير النقل بتعطيل التوصل إلى اتفاقات في عدة اشكاليات جهوية على غرار ما يجري في ميناء قابس والسكك الحديدية. ومن الاتهامات الموجهة إلى وزير التنمية الجهوية السيد جمال الغربي عدم مدّه للقيادة النقابية بتفاصيل برامج التنمية الجهوية في كل ولاية واعتماده لمنوال تنمية مشابه لمنوال حكومات بن علي كما تم الحديث عن تعيينات لمسؤولين نهضاويين في قطاع النقل في القصرين. ويبدو أن الوضع مرشح لتطورات جديدة لا سيما إثر قرار المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد الدعوة لمجلس القطاعات من أجل الانعقاد يوم 21 ماي القادم والهيئة الإدارية الوطنية للانعقاد يوم 28 ماي القادم أي قبل أيام من توجه وفد ثلاثي يضم الحكومة واتحاد الشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة إلى جينيف للمشاركة في اشغال منظمة العمل الدولية. فهل تتمّ تهدئة الأوضاع قبل سفر الوفد الثلاثي إلى جينيف حتى لا يتم طرح المسألة دوليا رغم أن الاتحاد لا ينوي القيام بذلك على حد المعطيات التي بحوزتنا حيث مازل حريصا على التفاوض وفتح الاشكاليات وطنيا , ولكنه في نفس الوقت متمسك بالمفاوضات الاجتماعية ولا مناص من خوضها هذه السنة كما أكد الأمين العام على ذلك في عدة مرات آخرها خلال أشغال المكتب التنفيذي الموسع؟ وكان المكتب التنفيذي الموسع قد أكد في بيان له أنه بعد تدارسه للوضع العام واطّلاعه على مجريات المفاوضات مع الحكومة المؤقّتة وأمام ما تشهده الأسعار من التهاب جنوني ألحق ضررا كبيرا بالمقدرة الشرائية للشغالين يعبّر عن اعتزازه بالمسيرة النضالية التي تخوضها هياكل الاتحاد على المستويات الجهوية والقطاعية والمركزية، وعن فخره بالتفاف الشغالين حول اتحادهم وتمسّكهم به لمنظمة وطنية مستقلّة ومناضلة كما ساند المطالب الشعبية المشروعة للعديد من الجهات ويرفض التحرّكات العشوائية التي تعطّل الحقّ في العمل وتهدّد أمن وسلامة العمّال وتعمّق حالة عدم الاستقرار في البلاد وترتهن السير العادي للدورة الاقتصادية. وهنا حمّل الحكومة المؤقّتة مسؤولية تباطئها في معالجة القضايا الرئيسية المطروحة في البلاد وتردّدها في حلّ المشاكل الاجتماعية التي رفعتها الثورة، ويطالبها بضمان حرية العمل وحق الشغل كما يعبّر عن مساندته المطلقة للنضالات المشروعة والقانونية التي خاضتها وتخوضها بعض الجهات والقطاعات. من جهة أخرى ندّد الاتحاد العام التونسي للشغل بإقصائه من العديد من الملفّات والقضايا وبتفرّد السلطة في اتخاذ القرارات المصيرية رغم ادّعائها بأنّه شريك فاعل في معالجة كلّ القضايا واستمرار اعتمادها اختيارات اقتصادية واجتماعية ليبرالية متوحّشة. كما جدّد تمسّكه بسحب المنشور ع7دد الذي يذكّرنا بالشعب المهنية سيئة الذكر. وتمسك اتحاد الشغل بالتوافق كمبدإ أساسي لحلّ جلّ القضايا ذات العلاقة بالخيارات الاقتصادية والاجتماعية وبمنوال التنمية وبسياسة التشغيل بعيدا عن التفرّد والهيمنة ويدعو إلى الاسراع بوضع خارطة طريق لإنهاء المرحلة الانتقالية الثانية والتعجيل بصياغة الدستور وتشكيل الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات وسنّ القانون الانتخابي بما يكفل الإعداد الجيّد فنيا وماديا لانتخابات ديمقراطية نزيهة وشفّافة في الآجال المعقولة. ونبه الاتحاد إلى خطورة تنامي ظواهر الانفلات الأمني الذي يبرز في تعطيل العمل واستعراض بعض الأطراف لقواها واستعداد البعض منها لممارسة أقصى أنواع العنف، ويدعو الحكومة المؤقّتة إلى تجاوز موقف التعامل بمكيالين إزاء هذه الظواهر والذي يتراوح بين التهويل والتشويه وبين التبرير والتستّر حسبما تقتضيه أجندتها. وأكد رفضه لجلّ التسميات الجديدة على رأس الإدارات المحلية والجهوية والمركزية والمؤسّسات الوطنية الاقتصادية، ويعتبرها تسميات قائمة على قاعدة الانتماء والولاء والمحاصصة الحزبية بدل الكفاءة والجدارة والمصلحة العامة ويجدّد مطالبته بالفصل النهائي بين دواليب الدولة والأجهزة الحزبية. وفي مجال المفاوضات الاجتماعية أكد على وجوب الإسراع بإنهائها على أن تكون لسنة واحدة، وأن تتّسم بالجدّية والمسؤولية إنصافا للطبقة الشغيلة التي تدهورت مقدرتها الشرائيّة مع التهاب الأسعار وتزايد الثقل الضريبي، ويجدّد رفض اعتبار سنة 2012 سنة بيضاء يتمّ فيها تحميل تبعات الأزمة على كاهل الشغالين والفئات المفقّرة. كما حذّر من خطورة التراجع في الاتفاقيات العامّة والقطاعية الممضاة وينبّه من التلكّؤ في تنفيذها ويدعو إلى الإسراع بتطبيقها احتراما للالتزامات والتعهدات وحماية للحوار الاجتماعي ولمصداقية التفاوض.