كتبت قبل أيام مضت عن العُقدة التي يشكو منها العديد من أبناء البلد وخاصة منهم «زملاء» المهنة أي «أصحاب الصنعة»... هؤلاء يدّعون أنهم من حاملي مشعل الصراحة والمصارحة وحرية التعبير ومن أشرس المدافعين عن النقد وضرورة الاستماع إلى الرأي الآخر... ولكنهم سرعان ما ينقلبون على أفكارهم ويناقضون أنفسهم بمجرّد أن «يصبح الدق (بثلاث نقاط على القاف) في الدّربالة» أي عندما يتعلق الأمر بملاحظات تمسّ أفعالهم أو أقوالهم. إنهم ينزعون عنهم، في لحظة، القناع الذي طالما وضعوه على وجوههم للمغالطة وينبرون للدفاع عن أفكارهم بكلّ ما أوتوا من وسائل خارجة عن المنطق والموضوعية، وذلك على غرار أحدهم ممّن اعتقدوا أنهم بلغوا القمّة بمجرّد جلوسه أمام كاميرا أحد البرامج الرياضية. فهذا «الزميل» نصّب نفسه أستاذا لغويا يعلّم الآخرين أصول اللغة وما يجب أن يقال وما لا يقال وفي الآن مسؤولا عن المؤسسة التي كلّفته بتلك المهمة. هذا المذيع اللامع بأخطائه المتعدّدة وخرجاته المهدّدة والمتوعّدة يعتقد أنه بفعله ذلك يدافع عنها وإنما يفعل ذلك المفلحون من أبنائها المجتهدين والكادحين في صمت دون بهرج أو ضوضاء. ولأنه أدرك أن أضواء الكاميرا لا تكفي لوحدها لتثبيت صورته في قلوب المتابعين، راح يبحث عن أسلوب المشاكسة العكسية ليظهر في ثوب البطل الذي يتصدّى لسهام النقد بشجاعة لا تضاهى وبلاغة لا تماهى... وكدفعة على الحساب أقول لهذا الجهبذ في البداية أهلا به في بيت اللغة وأقترح عليه أن نقدّم له دروسا مجانية في اللغة العربية (والفرنسية أيضا).. حتى يشتدّ عوده ويستقيم لسانه، وعندئذ ندعوه لمناظرة مباشرة ونترك للنظارة الحكم النهائي... هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى أدعوه كي يترك لغة التهديد والوعيد لأنه أسلوب لا يفيد ولا يمكن أن يوقف فعلنا النقدي وقول كلمتنا بكل الحرية والموضوعية والحيادية المطلوبة. وليدرك هو ومن شابهه أننا لا نخشى في الحق لومة لائم وسنواصل أداء واجبنا لأننا نؤمن بأهمية النقد قيمة وغاية... إذ بدونه ينتفي الإصلاح... فهو العين الأخرى المفتّحة على الزوايا الخفية لتضيئها بنور العقل وبعيدا عن كل المؤثرات. أتمنى على هذا الشاب أن يعود إلى ملعب التباري الحقيقي كي نحكم على أدائه بعيدا عن تشنّجات اللحظة التي تطبع تدخّلاته كلما تعلّق الأمر بالرأي المخالف... أما عدا ذلك فإننا لن نوليه اهتماما أو نضيع وقتنا هدرا في متابعته. رجاء... ابق في دائرة لعبك فقط... وتحاش المخالفات القريبة من منطقة الجزاء... وأنت أدرى الناس بخطورتها... ويبقى نصف الكلام... ومني عليكم السلام...