أثيرت عدة أسئلة وإشكاليات من طرف المواطنين ورجال القانون حول ما توصلت إليه لجنة تقصّي الحقائق حول التجاوزات والانتهاكات المسجلة خلال أحداث 14 جانفي 2011 من حقائق. ومن بين الأسئلة التي طرحت هل أن اللجنة كشفت عن الحقيقة أم ساهمت في طمسها؟ وهل سحبت البساط من تحت أقدام السلطة القضائية؟ وهل سيساهم ما توصلت إليه من حقائق في تكريس العدالة الانتقالية؟ وهل أن اللجنة بعثت من أجل استقصاء الحقائق أم من أجل دعم الروايات الرسمية للحكومات الوقتية المتعاقبة؟ هذه الأسئلة أجاب عن بعضها رئيس اللجنة الأستاذ توفيق بودربالة خلال مائدة مستديرة نظمتها أمس الهيئة الوطنية للمحامين بقصر العدالة بالعاصمة قبل أن يلقي عميد المحامين شوقي الطبيب كلمة أكد خلالها أنه يوجد إشكال قانوني وسياسي حول وضعية اللجنة متسائلا هل أنّ دورها انتهى أم أنه سيتم الاستناد إلى أعمالها في مسار العدالة الانتقالية؟ وأضاف العميد أن اللجنة طرحت عدة إشكاليات واعترضتها عدة صعوبات وعراقيل مادية وقانونية وبشرية. وتساءل العميد شوقي الطبيب هل أنّ الأحكام القضائية التي صدرت مؤخرا كانت نتيجة علاقة اللجنة المذكورة بالسلطة التنفيذية والنيابة العمومية والقضاء؟ من جهته أفاد رئيس اللجنة توفيق بودربالة أنّ مسألة العدالة الانتقالية تستوجب 5 أطوار معلومة لدى الرأي العام الدولي وهي كشف الحقيقة والتعرّف على الضحايا وجبر الضرر والمحاسبة ثم المصالحة إذا قبل الضحايا والشعب بالمصالحة مشيرا إلى أنّ اللجنة ساهمت في الكشف عن جزء من الحقيقة التي تبقى نسبية، مضيفا أنّ دورها اقتصر على رصد الانتهاكات في الماضي والبحث في المعلومات من خلال الزيارات الميدانية للضحايا والاتصال بالجرحى وزيارة المستشفيات والمصالح القضائية ومقرات الولايات والمعتمديات والبلديات والسجون وإجراء التحقيقات من خلال سماع المسؤولين وعائلات الشهداء والجرحى والمتهمين.. وأكد الأستاذ توفيق بودربالة أن اللجنة تعرّضت إلى موجة من الانتقادات والتشويش من ذلك أن البعض قال «إنها لجنة بن علي» مؤكدا أنّ الرئيس المخلوع تحدّث عن اللجنة لكنه لم يعيّن رئيسها أو أعضاءها مشيرا إلى أنّ اللجنة أحدثت وفق مرسوم صادر عن حكومة فؤاد المبزع وأنه تم تعيينه رئيسا لها وفق أمر.. أما بالنسبة لعلاقتها بالسلطة القضائية فأفاد المحامي بودربالة أنّ اللجنة ليست «بدعة» سياسية أو قانونية مشيرا إلى أنّ أغلب البلدان التي قامت بثورات أنشأت مثل هذه اللجنة مؤكدا أنها لم تسحب البساط من تحت أقدام السلطة القضائية بل حاولت مساندتها وفق ما توفر لديها من معلومات ووثائق. أما بالنسبة لما توصلت إليه اللجنة من حقائق تتعلق بالأسلحة التي استعملت لقتل الشهداء وإصابة الجرحى فقد أفاد رئيس اللجنة أنّ بعض التقارير الطبية كشفت أن هناك أسلحة استعملت لم تتم معرفة مصدرها مضيفا أن اختبارا طبيا بين أن هناك نوعا من الرصاص اخترق جسم أحد الشهداء ثم تجزأ داخله مؤكدا أنّ ذلك ناتج عن إمكانيتين: الأولى صفقة فاسدة تم تمريرها إلى وزارة الداخلية مقابل عمولة معينة والثانية أن الأسلحة فاسدة ووزارة الداخلية لم تتفطن لذلك. وفي ما يتعلق بعلاقة اللجنة بوزارة الداخلية أكد الأستاذ توفيق بودربالة أنه تم الاستماع إلى مسؤولين وأعوان أمنيين مشيرا إلى أنّ تصريحاتهم متشابهة. وأشار رئيس اللجنة إلى أن وزارة الداخلية امتنعت عن مدّ القضاء واللجنة بكشوفات الاتصالات الهاتفية. وذكر بودربالة أن بعض القنوات التلفزية الخاصة تعمدت نشر الفوضى والأخبار الزائفة مؤكدا أنّ الحرس الرئاسي ليس وراء عمليات القتل والقنص حيث أن التحقيق الإداري الذي أجري يوم 17 جانفي 2011 من طرف الوزارات الأولى والداخلية والدفاع كشف أن الحرس الرئاسي لم يطلق أيّة رصاصة. وكذب بودربالة ما تداولته الصحف بخصوص دخول عناصر إسرائيلية إلى تونس أثناء أحداث 14 جانفي قامت بقتل المتظاهرين. وأضاف رئيس اللجنة أنّه استمع إلى تصريحات كل من الوزير الأول الأسبق محمد الغنوشي ورئيس أركان الجيوش الثلاثة رشيد عمار موضحا أنه حاول أن يسافر إلى السعوية قصد الاستماع إلى تصريحات الرئيس المخلوع إلاّ أنه لم يستطع الحصول على ترخيص. وقد حاول رئيس اللجنة الإجابة عن تساؤلات زملائه المحامين والصحافيين إلاّ أنّ بعض زملائه المحامين لم تقنعهم الإجابات فاحتد النقاش بينه وبين الأستاذ لطفي عزالدين الذي صرح ل«التونسية» أنّ اللجنة لم تكشف عن الحقيقة وأنّ رئيسها لم يتحمل مسؤوليته التاريخية متهما إياه بتمييع قضية الثورة. وقد تحولت المائدة المستديرة إلى تبادل الاتهامات انتهت بصدور حركة من طرف بودربالية اعتبرها المحامون غير أخلاقية مؤكدين ل«التونسية» أنّ هذه اللجنة لم تتحمّل مسؤوليتها أمام الشعب التونسي. وقد رفض توفيق بودربالة الإدلاء بأيّ تصريح للصحافيين بعد الحادثة.