صديق تونسي مقيم بفرنسا منذ زمان اتصل بي مؤخرا ليستفسر عما يحدث في تونس وعمّا تتناقله وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعية حول حالة الاحتقان التي تشهدها البلاد والتخبّط السياسي وفوضى القرارات التي تميّز الأداء الرسمي، فأجبته يا صديقي لقد تشابهت عليّ الأمور واختلطت الأوراق وتشابكت الخيوط وعليه فلن تجد عندي الجواب المقنع لأنّي ببساطة لم أعد أفهم شيئا ولتعذر عجزي عن فكّ طلاسم ما يجري في بلدي. وكأنه لم يقتنع بالإجابة بل رأى فيها تمنّعا مني أو هروبا من تقديم ما قد يشفي غليله أو ربّما خوفا من ردة فعل قد تزعزع كياني، فألحّ في السؤال قبل أن يذكّرني بقصيدة «الطلاسم» للشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي الذي يقول في مطلعها «جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت» فأجبته ببيت من نفس القصيدة «أتمنّى أنني أدري ولكن لست أدري!». وكيف لي أن أدري ما لم أحط به علما ولم أكن من أهل الاختصاص في فكّ الرموز وفي قراءة السرائر ولا في تأويل أحاديث رجال السياسة وتصريحاتهم المتضاربة. يا صديقي لقد «أبصرت قُدّامي طريقا فمشيتُ وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيتُ»،فقاطعني ولكن إلى متى ستبقى ماشيا دون نبراس ولا بوصلة فقد تصطدم بحاجز أو تهوي في واد غير ذي قرار، مضيفا وكأنّك تريد أن تقول أنّ البلاد دخلت في نفق لن تجد له مخرجا. فأجبت أنا لم أقل شيئا وهذه قراءتك الشخصية للأوضاع التونسية ولم يترك لي فرصة مواصلة كلامي ليقاطعني ولكن من يحكم البلاد ومن يخطّط ويدبّر وينفّذ ? هذا سؤال لن تجد له عندي خبرا وكيف لي بذلك وقد سبق وأن أخبرتك بعجزي عن فكّ الطلاسم فهل لك أن تدلّني على من يساعدني على فهم ما لم أستطع فهمه. هنا توقّف صديقي عن الكلام وانقطع الخط دون سابق إعلام فحاولت الاتصال به فكانت الإجابة «لا يمكن الاتصال برقم مخاطبكم» فأحسست أنّه اغتاظ من كلامي وكأنّي استهزئ به والحال أنّني فعلا أصبت بحالة عجز عن فهم ما يجري في البلاد. أغلقت الهاتف وانخرطت في قراءة قصيدة إيليا أبو ماضي إلى الآخر عساني أظفر بما يساعد عن فكّ الطلاسم فتونس «في عيني نور وهي في صدري آمال وفي قلبي شعور وهي في جسمي دم يسري فيه ويمور» ولكن «أنا لا أعرف شيئا من حياتها ألآتيه». رحم الله إيليا أبو ماضي. يعتبر من أهم شعراء المهجر في أوائل القرن العشرين ولد سنة 1889 بلبنان وتوفي سنة 1957 بالولايات المتحدةالأمريكية.