تفيد الإحصائيات أنّ عدد المشتركين التونسيين في موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» قد تجاوز 3 ملايين(3.105.220) مستخدم بزيادة 923.900 خلال ال6 أشهر الأخيرة ، أي بنسبة 29.23 بالمائة من مجموع السكان ولكن بنسبة 86.26 بالمائة من مجموع مستعملي الانترنت وذلك في موفي شهر جوان. وتحتل تونس المرتبة 47 في العالم. كما تشير الإحصائيات إلى أنّ نسبة الذكور تناهز 58 بالمائة مقابل 42 بالمائة في صفوف الإناث. أمّا العدد الأكبر من المشتركين فهم من الشباب الذين هم دون 34 سنة، بنسبة 78 بالمائة. هذه الأرقام وهذه الإحصائيات تدلّ دون شكّ على أهمّية هذا الموقع الاجتماعي لدى التونسيين، ولست بحاجة للتذكير بالأدوار التي لعبها قبل الثورة وأثناءها في نقل الأخبار وترويجها وتنسيق التحركات والمظاهرات من طرف مجموعة من الشباب تلقوا تكوينا خاصّا في هذا المجال وكانت مساهماتهم حاسمة في إشعال فتيل الثورة التي أطاحت بالنظام السابق، فهذه مسألة لا نقاش فيها على الرغم ممّا كشفته بعض التقارير عن حقيقة البعض وارتباطهم بأجندة خارجية. ولكن غائيات استعمال الفايسبوك قد شهدت تغيرا يكاد يكون جذريا بعد الثورة حتى أنّ مخاطره ومضاره صارت أكثر من منافعه وأنّه أصبح مصدرا للإزعاج ونقل الإشاعات وانتهاك الحرمات، كما يستعمل للتهجّم على الخصوم وتبادل السباب والشتائم وصار أداة للتحريض على التباغض والتنافر والعنف. ويقول الباحثون والخبراء النفسانيون والاجتماعيون أنّ الإدمان على استعمال المواقع الاجتماعية وفي مقدّمتها الفايسبوك يمكن أن يتسبّب في «مصائب ومفاسد عميمة» سواء على المستعمل الذي قد يقع في شراك بعض المجموعات الإرهابية وغيرها أو أن يقع تجنيده من حيث يعلم أو لا يعلم من طرف مخابرات أجنبية فيصبح عميلا لها ومنفذا لأجنداتها، من ذلك أنّ بعض الصحف الغربية نشرت ملفات واسعة حول هذا الموقع معتبرة إيّاه موقعا استخباراتيا مهمته تجنيد العملاء والجواسيس لفائدة بعض الدول، والغريب أنّ «المجنّدين» لا يعرفون شيئا من ذلك إذ هم يعتقدون أنّهم يقضون الوقت أمام صفحات الدردشة الفورية واللغو في أمور قد تبدوا لهم غير ذي بال ولكنهم في واقع الأمر أصبحوا أداة طيّعة في أيدي الآخرين. وإذ نفتقد في تونس لدراسات تحليلية حول محتوى المواقع الاجتماعية وانعكاساتها النفسية والاجتماعية فإنّ ما يمكن رصده هو إذكاء التناقضات والصراعات صلب الشعب الواحد والبلد الواحد، وأصبح الساسة الفئة الأكثر استهدافا وأولى ضحايا هذا السباق المحموم نحو إنشاء المزيد من الصفحات التابعة لهذا التيّار أو ذاك وبمبادرة من بعض الهياكل الحزبية، لا لتطارح الآراء والقضايا بل للتهجّم على الخصوم إلى درجة السقوط في المحظور دون ناه ولا رادع. وأصبح التندّر والتنابز بالألقاب أمرا عاديا حتى لكأنّك تشعر بالتقزّز والتأفّف أمام هذا الانحدار الأخلاقي لبعض مستعملي الفايسبوك وأمام هذا السيل من الشتائم بين أطراف لا تحرّكها سوى غريزة الحقد والشماتة. ويكفي أن يظهر أحدهم في إحدى القنوات لطرح أفكاره وآرائه والدفاع عنها حتى يصبح عرضة للتقريع من طرف من لم يرق لهم ذلك. ولعلّ الأخطر في كل هذا هو تداول المواقع الاجتماعية أخبارا ما أنزل الله بها من سلطان بهدف بثّ الفوضى وإذكاء الفتنة وصبّ الزيت على النار وفبركة الإشاعات لتعفين الأجواء وبثّ البلبلة في البلاد. فمستخدمو المواقع الاجتماعية، والذين لا يمكن تصنيفهم في خانة الصحافيين، هم صنّاع أخبار ولكن دون حرفية ودون تروّ، وأحيانا بإيعاز من أطراف لا تضمر الخير للبلاد، وهي أخبار عادة ما تنقلها بعض وسائل الإعلام بلا «رتوش» ولا إعادة صياغة فتصبح لدى المتلقي أخبارا صحيحة. ولعل أكبر مثال على ذلك معرض العبدلية الذي كاد أن يزجّ بالبلاد في فوضى عارمة وكذلك ما تداولته بعض المواقع حول تعرّض البغدادي المحمودي إلى التعذيب إلى حدّ الموت من طرف السلطات الليبية. فبعد أن كانت هذه المواقع الاجتماعية نعمة وحّدت صفوف الشعب التونسي أصبحت نقمة على أمنه وتماسكه الاجتماعيين، وقد أصبح من العسير السيطرة عليها بأيّ شكل من الأشكال في ظلّ الانفتاح الذي يشهده المجتمع التونسي وفي مناخ الحريات الذي أصبحنا نعيشه، ولكن ألا يمكن تحصين المجتمع ضدّ الانعكاسات السلبية لاستعمال المواقع الاجتماعية وما قد تؤدي إليه من أخطار الانفصام والتطاحن وبثّ الحقد والبغضاء? مسألة جديرة بالاهتمام ويجب الانكباب عليها بكلّ جديّة لا من طرف اهل السياسة والقائمين على شؤون البلاد فحسب، بل وأيضا من طرف هياكل المجتمع المدني ووسائل الإعلام والدعوة موجهة إلى أهل الذكر من بين الجامعيين والباحثين لانجاز بحوث ودراسات حول محتوى المواقع الاجتماعية وآثارها على سلوك المواطن وانعكاساتها على تماسك المجتمع.