ضيفنا في حوار «التونسية» هو طبيب جراح في اختصاص جراحة العظام والمفاصل ، متزوج وأب لابنة واحدة، زاول تعليمه الثانوي بتونس قبل ان يتحول الى فرنسا التي قضى فيها من العمر قرابة السبع عشرة سنة احرز فيها على الديبلوم في جراحة العظام والمفاصل وعلى الدكتوراه في الطب...دخل ضيفنا حقل العمل النقابي منذ عودته من المهجر (سنة 2005) حيث تولى منصب كاتب عام اتحاد اطباء الاختصاص بالمؤسسات الحرة خاصة وانه ينحدر من عائلة اشتهرت بالمزج بين النضال والنبوغ في اختصاص الطب حيث يعتبر والد ضيفنا السيد «محمود الشرفي» من اول الاطباء المتخصصين في جراحة العيونبتونس ومن المناضلين الوطنيين الكبار... شرع ضيفنا في نحت اسمه في الحقل السياسي والنقابي، في الآن ذاته، بأحرف من ذهب اذ اشتهر بمواقفه الشجاعة وبذل الجهد بهدف الدفاع عن مصالح العائلة الطبية الموسعة من خلال العمل في صلب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وبالعمل على توحيد القوى الديمقراطية رغم حداثة عهده بالعمل السياسي الذي انخرط فيه سنة 2011. الضيف الذي ارتأت «التونسية» مصافحته في حوار هذا العدد هو كاتب عام اتحاد أطباء الاختصاص بالمؤسسات الحرة ومستقل القطب الديمقراطي الحداثي وعضو الأمانة الوطنية للمسار الديمقراطي الاجتماعي السيد «فوزي الشرفي». بصفتك كاتب عام اتحاد أطباء الاختصاص بالمؤسسات الحرة، كيف تقيم وضع القطاع الصحي اليوم عامة وما هي الاوضاع التي يعيشها اطباء الاختصاص على وجه الخصوص؟ من حيث العمل النقابي نحن كنقابيين في قطاع الصحة، كانت لدينا مشاغل متعددة وكثيرة ومهمة قبل الثورة وهي مطالب لا تزال قائمة ومطروحة حد اللحظة، لقد وجدنا بعد الثورة أنّ المسؤولية تحتم علينا كأطباء وكنخبة ان نؤجل مطالبنا المهنية والقطاعية حيث كانت البلاد تمر بظروف صعبة رغم تداول وزيرين إثنين على وزارة الصحة... احساسا منا بأهمية إتاحة الفرصة لتحقيق مطلب التشغيل والتنمية الجهوية بدرجة أولى وان لا نثقل كاهل الدولة بكثرة المطالب، وبعد ان انتصبت هذه الحكومة كنا قد تقابلنا مع وزير الصحة «عبد اللطيف المكي» في اوائل شهر جانفي الماضي وتحاورنا معه حول الوضع الحرج الذي يعيشه القطاع الصحي خاصة من حيث العدد الكبير لعدد الأطباء ومشكل التأمين على المرض باعتباره منظومة لا تمت للتوافقية بصلة حيث تم إجبار الأطباء على الدخول في هذه المنظومة عنوة وقسرا، زد على ذلك ما احدثه مشكل نظام الخدمات الطبية التكميلية الذي كنا قد طالبنا مرارا وتكرارا بتنحيته كليا... ولكن بكل صراحة لم نجد تجاوبا كبيرا خاصة وأن الحكومة الحالية تنتهج تمشي فتح كليات طب جديدة تزيد من عدد الاطباء العاطلين عن العمل، والحال ان المشاكل المحيطة بالقطاع الصحي ليست مشاكل بشرية بقدر ما هي مشاكل هيكلية وتقنية. من جانبنا، الأفكار وطرق الإصلاح موجودة والنية في البناء المشترك مع أية حكومة مهما كان توجهها متوفرة كذلك ، وبما ان الحكومة الحالية مهمتها التشريع وصياغة القوانين من الواجب ان نطالب بتسوية المشاكل التي يعاني منها القطاع الصحي لاهتمامنا بمصلحة الطبيب والمريض على حد السواء وليس تلبية لمصالح وامتيازات مهنية خاصة وضيقة حتى نضع الآليات الضرورية للنهوض بالقطاع الصحي على أساس التشاركية والحوار. سؤالي: ما الذي يدفع بعدد من المستقلين سياسيا الى خوض المعترك السياسي والالتحاق بركب أعضاء الأمانة الوطنية للمسار الديمقراطي الاجتماعي؟ وهل يمكن اعتبار انضوائكم تحت لواء المسار الديمقراطي الاجتماعي تجردا من الاستقلالية؟ باعتبار ان العمل السياسي مرتبط أشد الارتباط بالعمل النقابي وبحيث انه لا يمكن تجزئة هذا عن ذاك، وبعد تفرغي من العمل النقابي والنشاط الرسمي الذي كنت ابذله في صلب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي بمعية رئيس عمادة الأطباء من تمثيل للسلك الطبي والدفاع عنه، وجدنا انفسنا مهتمين بالمشهد السياسي الذي ولجناه بطريقة لا إرادية من خلال العمل في هيئة «عياض بن عاشور»، زد على ذلك ان الاحساس الذي خالجنا كهيكل طبي بعدم التفاؤل والقلق ازاء المشهد الانتخابي والوضع السياسي المنبثق عن نتائج 23 اكتوبر والمنذر بعودة الرجعية الدينية وضرب المكاسب الحداثية للبلاد ومكاسبها الاجتماعية.. دفعنا الى الانخراط في الحياة السياسية بغية المساهمة في صياغة دستور يكرس مبادئ الحرية والاستقرار والعدالة والكرامة والديمقراطية... لقد كان ولوجي للساحة السياسية من خلال الانتماء للقطب الديمقراطي التقدمي، لا أقول الحداثي، من منطلق غيرتي على ديني ونمط مجتمعي وعلى الهيكلة الاساسية الضرورية المتكونة منذ الخمسينية الماضية بقطع النظر عن كل الثغرات والنقائص السياسية والديمقراطية وحتى لا نعود لزمن تحكمه السلفية والمراجع الدينية وللخلافة السادسة لا أكثر. وكنتيجة لإرادة عمل توحيد القوى الديمقراطية التي كانت مشتتة قبل 23 أكتوبر ولتقريب وجهات النظر بين القوى الحزبية التقدمية التي كانت تحمل ذات المشروع المجتمعي و المشاريع السياسية المتقاربة، وجدنا انفسنا في محادثات مع القطب ومع حركة التجديد وحزب العمل التونسي ومستقلين آخرين في القطب وبعض الشخصيات التي كنت تعرفت عليها في هيئة «عياض بن عاشور» . ولِمَ وقع اختيارك على الالتحاق بصفوف المعارضة؟ فلتعلم ان المعارضة ليست خيارا سياسيا، كل ما في الأمر أنني وجدت نفسي امام مسارين إثنين أولهما اتبعه حزب آفاق والحزب الديمقراطي التقدمي وبعض الأحزاب حديثة النشأة ومسار آخر فيه حزب العمل والتجديد وبعض مستقلي القطب وذلك لعدم نجاح عملية التوحيد الشاملة... وبذلك وجدت نفسي بصفة آلية في تكوين المسار الديمقراطي الاجتماعي حتى يكون فضاء استقطاب لأطراف اجتماعية أخرى تستحق التأطير لخوض المعترك السياسي والعمل الحزبي المنظم.... إنني أرفض المعارضة ولا اتبعها لأنها بالنسبة لي لا يمكن ان تكون فاعلة الا في اطار البناء الديمقراطي المشترك والعمل على هدم منطق سيادة الحزب الواحد ولوضع اليات دستورية قانونية واضحة ونضمن التعددية الحزبية، والمسار الديمقراطي الاجتماعي ينضوي تحت الاقلية البرلمانية الموجودة في المجلس التأسيسي وعمله ليس عمل المعارضة المخربة بل هي معارضة بناءة... وليكن في علم الجميع ان المسار يتكون من قيادة توافقية منبثقة عن اللجنة التأسيسية التي تكوّنت في 31 مارس وغرة افريل 2012 وان كل قرارات الحزب تؤخذ بالتوافق... كمستقلين عن القطب، هل تهتمون بتباحث المسائل والقرارات السياسية كباقي اعضاء الاحزاب المكونة ل«المسار» أم تنوبكم في ذلك باقي الاطراف الشريكة في الحزب؟ في الحقيقة، بدخولنا في العمل الحزبي والسياسي لم نعد مستقلين وبات من واجبنا ان نلتزم بالقرارات المنبثقة عن الديمقراطية الداخلية للحزب... صحيح نحن كمستقلين نتعلم ولكن لدينا اراء وتصورات فاعلة ولنا ان نقدم الاضافة، زد على ذلك ان كل مناضلي المعارضة السابقين ليسوا كلهم اصحاب وعي سياسي كاف... كعضو الأمانة الوطنية صوتي يعادل صوت رئيس الحزب أو نائبه، وآلية التوافق هي ميزة حزب المسار في اتخاذ القرارات وهو ما يميزه عن باقي الاحزاب، ما يجعلنا نعمل على تصدير روح التوافق الى الساحة السياسية والشارع التونسي. وما هي الاضافة التي يمكن للمستقلين تقديمها لحزب سياسي يقوم على التصورات والافكار التي تقتضي خبرة سياسية؟ لا يمكن ان افرق بين سياسي مستقل وآخر غير مستقل، ولكن الاضافة الوحيدة التي يمكن ان تميزنا كمستقلين هي الابتكار والتنشيط واعطاء الحزب صبغة اكثر حيوية حيث اننا نتكلم بكل تلقائية بعيدا عن الحساسيات والحسابات المعمقة والمملة احيانا بلا طائل أو فائدة ترجى. وما هي اهم الملفات التي تدعون الى ضرورة معالجتها في أقرب الآجال؟ لا يختلف إثنان في المطالبة بضرورة تحقيق الاهداف التي قامت من اجلها الثورة، مطالبنا بديهية فلا مطلب يعلو مطلب الكرامة والحرية وعلى رأسه مطلب تحديد تاريخ الانتخابات القادمة حتى تتقيد الحكومة بمدة عمل محددة، ومطلب تحقيق العدالة الانتقالية من خلال اتباع نهج المصارحة والمحاسبة والمصالحة حتى لا يعود من الشباك من خرج من الباب... حقيقة تأخرنا كثيرا في تحقيق أي من هذه المطالب. الانتخابات الماضية ليست آخر المشوار بل هي محطة أولى، والثانية ستكون الانتخابات القادمة، التوافق ضروري رغم الأغلبية النسبية ولذلك تقتضي المرحلة وعيا كبيرا من نواب التأسيسي بحجم المسؤولية التي يحملونها على عاتقهم، كما عليهم ايضا ان يشعروا بدرجة من المسؤولية لايجاد آليات دستورية للبلاد، وليعلم الكل ان المرحلة تقتضي حتما التحلي بحس العمل والبناء المشترك. ذكرت الانتخابات، ما موقفك من تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي كان يترأسها «كمال الجندوبي»؟ أنا لست ضد بقاء «كمال الجندوبي» على رأس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لأني لم أر فيه توجها يساريا أو يمينيا أو وسطيا... بل على العكس فقد كان مستقلا تمام الاستقلالية وعمل بكل روح وطنية... ولا مانع بالنسبة لي من ان يواصل «الجندوبي» وهيئته العمل على التحضير والاشراف على العملية خاصة وان التجربة الاولى اثبتت مدى نزاهة هذا الرجل. وما رأيك في تاريخ 23 أكتوبر كتاريخ حدده رئيس المجلس الوطني التأسيسي السيد «مصطفى بن جعفر» للانتهاء من صياغة الدستور؟ أنا متأكد من انه لن يتم إخراج جميع المسودات في تاريخ أقصاه 15 جويلية كما اعلن بن جعفر، فما بالك بالانتهاء من الدستور في تاريخ 23 اكتوبر ! لن يولد الدستور لانه يجب المصادقة اولا على الفصول فصلا فصلا وهذا يستغرق وقتا طويلا. ما رأيك في المشهد السياسي الحالي؟ وما هو موقفك من مبادرة الاتحاد ومبادرة «الباجي قائد السبسي»؟ أولا دعني احيّ مبادرة الاتحاد الذي ما فتئ يلعب دورا كبيرا وتاريخيا منذ الاستقلال، الاتحاد مكون من مكونات المشهد السياسي التونسي لا نستطيع التخلي عنه ومن الخطأ الكبير ان تعمد أية حكومة كانت الى تهميش الاتحاد او تسييسه حيث يجب ان يظل في موقعه المستقل كالمعتاد. أما مبادرة «السبسي» كمبادرة فلا يمكن لأحد ان لا يساندها لأنها تدعو الى التوافق والتوحد ولكنها كحزب تشوبها بعض النقائص التي تجعلنا متخوفين حتى على مستقبل هذا الحزب في حدّ ذاته... إن خوفي ينحصر في مغبة ان يعمد التجمعيون الى العودة من خلال حزب «نداء تونس» تحت غطاء الدستورية وهو ما يجعلنا حذرين بعض الشيء في تعاملنا مع هذا الحزب... ومن أراد الالتحاق ب«نداء تونس» فقد استقال من «المسار الديمقراطي الاجتماعي» حتى لا يضر بمصلحة اي من الحزبين.