قديما ارتبطت حياة الإنسان بما يتوفر في المكان من مياه عذبة وتضاريس متنوعة تساهم في استقرار الحضارات المتعاقبة وما كثرة الآثار هنا وهناك إلا دليل قاطع على الثراء الطبيعي لربوع سيدي بوزيد ففي مدينة منزل بوزيان وأنت تتجه إلى قرية الخرشف تلك المدينة الهادئة استقبلنا أنا ومرافقي محمد الهادي عمري المهوس بالرحلات واكتشاف ما اكتنزته الطبيعة وما تركه الأولون شيوخ وشباب القرية بحفاوة متناهية الأمر الذي دفعنا إلى الجلوس أمام أحد الدكاكين لتجاذب أطراف الحديث وشرب الشاي. حكايتنا مع أهالي القرية بدأت في الحقيقة لحظة أن التحق بنا أحد شبان المدينة محمد محفوظي ونحن نقوم بعملية تصوير معلم أثري يتمثل في فسقية كبيرة يعود تاريخها إلى الحضارة الرومانية تشبه في بنائها وحجمها وهندستها فسقية الأغالبة بالقيروان ويصل قطرها إلى 40 مترا وبها 10 أعمدة تشد حزامها الدائري وبها قناة للمياه تمتد إلى الجبال المحاذية على بعد 2 كلم. وأمام دهشتنا إزاء هذا المعلم الذي توسط هذه القرية اقترح علينا الشاب محمد محفوظي التحول إلى دكان يشبه المقهى تجمع فيه شيوخ القرية لمساعدتنا على استجلاء بعض ما اختزنته الذاكرة الشعبية حول هذه الفسقية أين أكد لنا شيخان أن هذا المعلم يعود إلى زمن غير معلوم لكن أحدهما تذكر آخر أشغال صيانة وتهيئة تعود إلى الزمن البورقيبي سنة 1961حيث كانت الفسقية هي الملاذ الوحيد للأهالي في التزود بالمياه الصالحة للشرب والري في آن واحد خلافا لما يعانيه الأجوار من معاناة في التزود بماء الغدران والعيون الجبلية، وفي شهادة ثالثة فيها الكثير من الحسرة أفادنا الشاب محمد المحفوظي أن هذه الفسقية بالرغم مما لعبته من أدوار متعددة على مر الزمن فإنها ظلت مهملة ومنسية من قبل الجهات المعنية بالمحافظة على التراث. وبهذه المناسبة نوجه نداء إلى سلطة الإشراف للتوجه إلى هذا المعلم الأثري الهام ومعاينة حالته واتخاذ التدابير اللازمة لصيانته والمحافظة عليه لأنه جزء من ثروتنا الوطنية. وقد شدّد محدّثونا على ضرورة الاهتمام بهذا المعلم التاريخي وصيانته ووجهوا نداء لسلطة الإشراف لاتخاذ التدابير اللازمة لذلك.