احتد الصراع بين أنصار السلفيين وحركة «النهضة» لكسب معركة «المساجد» وسط تنامي مخاوف من استقواء التيار السلفي وتغوله مما قد يزيد من ضبابية المشهد السياسي والاقتصادي. وأصبح الكثير من التونسيين يفضلون الصلاة في بيوتهم على التورط في الجدل بين الطرفين حول كيفية أداء الصلاة، خصوصا وهو جدل ينتهي في بعض الأحيان باستعمال الأذرع أو التهديد. واستعمل السلفيون، الاسبوع الفارط، العصي والاسلحة البيضاء في مدينة غار الدماء بعد خلاف مع أنصار «النهضة» حول كيفية الصلاة. وتعرض وليد الماجري الى اعتداء جسدي وتهديد بالقتل من طرف مجموعة من السلفيين بسبب مقال نشره حول «معركة المساجد في مدينة غار الدماء»، فيما نقلت بعض الصحف خبرا مفاده أن امام جامع وصف، في خطبة جمعة، غير الملتحي بالمخنث والمتشبه بالنسوة في المقابل ذكر مواطنون، لموقع الصحفيين التونسيين بصفاقس، أن سلفيين استحوذوا على المكان المخصص لقبول التعازي بجامع سيدي اللخمي بصفاقس قصد تهيئته للاعتكاف. واستولى السلفيون على حوالي 400 منبر من منابر المساجد بعد أن طردوا خطباءها بتعلة أنهم من بقايا نظام بن علي. واعترف نور الدين الخادمي وزير الشؤون الدينية خلال افتتاحه ندوة علمية حول «المساجد في تونس بعد الثورة: الواقع والآفاق» ، بأن المساجد التي استولى السلفيون على منابرها تشهد «مشاكل خطيرة» في إشارة إلى إنزال الأئمة من على المنابر بالقوة وإجبار مصلين على تغيير المساجد التي تعودوا على أداء الصلاة فيها متعهدا بفض «الإشكاليات داخل بيوت الله» في اقرب الآجال. يذكر أن أئمة المساجد و الإطارات الدينية يدخلون يوم 8 أوت في إضراب عن العمل و ذلك للمطالبة بإرجاع المطرودين من حاملي صفتهم. و يعد هذا الإضراب الأول في تاريخ هذا القطاع في تونس. «التونسية» تطرقت الى هذا الموضوع الحساس الذي يطفو على السطح لأول مرة في تاريخ البلاد واتصلت برموز بعض الأحزاب الدينية للوقوف على جوهر الخلافات. أكد محمد خوجة رئيس حزب «جبهة الاصلاح» أن ظاهرة الخلافات داخل المساجد ليست جديدة وإنما هي ظاهرة قديمة بالاساس مشيرا الى أن الاشكال لا يكمن في الخلاف وإنما في ايجاد الحلول الجذرية لتجاوز هذا الخلاف وذلك من خلال التوافق بين كل المصلين وسلطة الاشراف المتمثلة في وزارة الشؤون الدينية لتعيين أيمة الخمس صلوات وايمة صلاة الجمعة. وأضاف رئيس «جبهة الاصلاح» أن التوافق بين المصلين والوزارة ضروري حتى نتجنب الصراعات الداخلية داخل المساجد وكذلك من أجل تطويق الخلافات وتجاوز كل الاشكاليات ولا يكون ذلك الا بايجاد حلول توافقية مؤكدا أنه لا يمكن تعيين إمام يرفضه المصلون لان ذلك لا يجوز فقها لذلك لابد من حل يرضي جميع الاطراف ويجمع كافة المتدخلين لاختيار الآيمة والمشرفين على المساجد. وأشار خوجة الى أن الاجتماع على طاولة التفاوض والنقاش مسألة هامة من أجل تجنب التصادم قائلا إن العنف وفرض الآراء بالقوة يولد العنف ويعمق المشاكل لذا لابد من حلول توافقية. وحول ما تشهده مساجدنا من عنف واشتباكات وصلت الى حد استعمال الاسئلة البيضاء واشتباكات بالايدي على غرار ماحدث في غار الدماء، أكد رئيس حزب جبهة الاصلاح أنه في كثير الحالات يتم توظيف مندسين لاشعال الفتنة بين المصلين بالاضافة الى التحريض على استعمال العنف والقوة داخل بيوت الله والتي لايجوز فيها رفع الصوت أو ارتكاب مثل هذه الافعال لان بيوت الله جعلت للعبادة وللسجود والموعظة والترشيد. وأضاف خوجة أن فض المشاكل والاحتقان والعنف يقع خارج المساجد لا داخلها مشيرا إلى أن دور وزارة الشؤون الدينية يكمن في تجميع كافة الاطراف وكافة الاحزاب وكافة الجمعيات ذات المرجعية الدينية من أجل فض هذه المشاكل وكذلك دراسة كل الاخلالات حالة بحالة مؤكدا على ضرورة تشريك المواطن في اتخاذ القرار المناسب. مجموعات إجرامية مندسة في المقابل، قال عادل العلمي رئيس جمعية الاصلاح والتوعية أن وزارة الشؤون الدينية قطعت أشواطا هامة في احتواء ظاهرة العنف هذه وانزال الائمة في المساجد مشيرا الى أن هذا السلوك ان دل على شيء فهو يدل على الجهل وأن بعض الاطراف لا تملك أدنى شروط العلمية والكفاءة. وحول الاحداث التي سجلتها بعض مساجد ولايات الجمهورية على غرار انزال الائمة والاعتكاف في المساجد وطرد بعض المواطنين، قال العلمي إن الدولة مطالبة بتطبيق القانون وردع كل المخالفين مشيرا الى ضرورة الاستئناس بآراء المصلين من أجل تجاوز كل الاشكاليات. ويرى العلمي أن التعيين يجب أن يكون من طرف وزارة الشؤون الدينية مضيفا أن هناك مجموعات اجرامية مندسة تتكلم باسم الدين من أجل احداث الفوضى والشغب داخل المساجد. ودعا العلمي كل التونسيين الى ضرورة اتخاذ موقف ايجابي وعدم الوقوف موقف المتفرج بل يجب الدفاع عن حقوقهم وآرائهم وعدم هجر المساجد مثلما فعل بعض المواطنين. وأضاف عادل العلمي ان جمعية الاصلاح والتوعية تقدمت بمجموعة من المقترحات الى وزارة الشؤون الدينية على غرار تنظيم دور العبادة بالتنسيق مع رواد المساجد مع ترشيح أيمة معينين من طرف الوزارة مؤكدا على ضرورة ترسيخ الهوية التونسية وتمكين المدرسة الزيتونية من مهمة تعيين الائمة حتى نتفادى التجاذبات والمهاترات. خطأ فادح واعتبر رضا بلحاج الناطق الرسمي لحزب التحرير ان وزارة الشؤون الدينية ارتكبت خطأ فادحا عندما احتكرت الشأن الديني وتسلطت على المساجد بطرق إدارية مقرفة تذكرنا بالممارسات القديمة. ودعا سلط الاشراف الى اعادة الاعتبار الى الجامع الاكبر ( جامع الزيتونة) الذي له الشرعية التامة في تعيين واقالة الائمة وتأطيرهم وتوجيهم . واتهم بلحاج وزارة الشؤون الدينية بتعيين أئمة موالين لحركة «النهضة» مما خلق نوعا من الفوضى المقصودة هدفها السيطرة على بعض المساجد الحساسة. وقال بلحاج إن بعض الائمة المعينين تنقصهم الكفاءة ويقدمون خطبا هزيلة جدا وهو ما يخلق امتعاضا وتململا داخل صفوف المصلين ويجعلهم يحتجون. وأكد بلحاج أن حكومة «الترويكا» أمام استحقاق كبير ولابد من حلول واضحة في هذا الشأن. كما دعا بعض العناصر من التيار السلفي الى الانضباط وعدم التهور والبحث عن التوافق. الوضع في المساجد طبيعي وصف عبد الحميد الجلاصي القيادي في حركة «النهضة» الوضع في المساجد ب«العادي» قائلا « الوضع عادي في المساجد مقارنة بالأشهر السابقة» مشيرا إلى أن ما حدث في بعض المساجد حالات استثنائية وتبقى تداعياتها نسبية . وأكد الجلاصي أن حركة «النهضة» منذ فيفري 2011 أثبتت موقفها من خلال الآية الكريمة «المساجد لله فلا تدعو مع الله أحد» داعيا الى تحييد المساجد والتعامل مع القنوات الشرعية وفقا لمعايير معروفة (الكفاءة والتقوى والجدارة ورأي عامة المصلين في شخصه) مؤكدا أن تونس ستبقى بلد القانون ولابد من الانضباط والشفافية. ورفض الجلاصي تقسيم المصلين وتهييجهم على بعضهم البعض مهما كانت المبررات فما بالك بترويع المصلين واستعمال العنف ضدهم مؤكدا على ضرورة اشاعة ثقافة الاختلاف وتقبل الآخر والتعايش معه الى جانب اشاعة ثقافة دينية تجديدية متنورة تسمح بترتيب التكاليف الدينية والتمييز بين ماهو مستحب وبين ماهو سنة أو سنة مؤكدة . وقال الجلاصي إن التصرفات العنيفة لبعض التيارات الاسلامية التي تسعى الى تأكيد ثقافتها المنغلقة غير المنسجمة مع التراث الديني التونسي هو نتيجة طبيعية لحالة التصحر التي عاشتها تونس منذ عقود، مشيرا الى أن التونسيين اليوم محتاجون الى علاج هذا الخلل التاريخي واعادة الاعتبار للمدرسة الدينية والتراث الزيتوني المستنير. لابد من ردع المخالفين من جهته، أكد نوفل ساسي (اسلامي) أن دور الدولة يكمن في ردع المخالفين إذ يجب على الدولة ممارسة دورها في حفظ المساجد والاشراف عليها. وقال إن اتخاذ اجراء صارم من شانه أن يردع المخالفين واقترح آليات حوار داخل المساجد بالتنسيق مع كافة المتداخلين.