«السوق مصدر رزق لي ولعائلتي، هي جزء من عمري هذا ما ردده «العمر عمر» رجل تجاوز عتبة السبعين من عمره هو بائع «بسوق الحشيش» هكذا تسمى هذه السوق فمنذ القدم يباع بها «الحشيش، الفصة» وهي أعلاف خاصة بالحيوانات، كما تتوفر بهذه السوق أيضا مختلف منتوجات الواحة من خضر وغلال وكل أنواع التمور وحتى بعض الصناعات التقليدية المصنوعة من سعف النخيل... كل ما في هذا المكان هو من أرض الواحة ومن عطاء النخلة تلك الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء... كانت الساعة الحادية عشرة صباحا، تعالت أصوات البائعين كل يشيد ببضاعته، محاولا جلب الزبائن، في هذا الوقت لم تكن السوق مكتظة، البضاعة كانت متوفرة، وكل ما يقع عليه البصر في هذه السوق هو منتوج محلي، من خيرات الواحة كما أنك تجد هنا «الدقلة في عراجينها» وعن هذه السوق بين ماضيها وحاضرها وضح العم «عمر» كانت في السابق مقهى وخلفها نجد «رحبة قمح» هذه الرحبة لم يعد لها وجود الآن، كما أن التمر لم يكن للبيع ولكنه يمنح كهبة للأقارب والأهل والجيران ومع تغير الظروف المعيشية فقد أصبح التمر يعرض في السوق كبضاعة وأضاف قائلا: « لم نكن نستورد الخضر والغلال كنا نصدر بضاعتنا، فقط فنحن نحقق اكتفاءنا الذاتي لكن مع محدودية الموارد المائية ونقص منتوج الواحة فإننا أصبحنا نستورد من باقي الولايات المجاورة الخضر التي نحتاجها أما بالنسبة للتمر فهو متوفر بكل أنواعه رغم نقص إنتاج الواحة القديمة، فهناك واحات جديدة تتوفر بها كل الأنواع تقريبا وتبقى هذه السوق محلية تقليدية لا مكان لبضاعة من خارج توزر بها كل ما فيها هو من واحات توزر وهي مركز تجاري مهم في البلاد». في هذا الوقت أقبلت زبونة على العم «عمر» رحب بها مبتسما... تركناه، ولاحظنا خلف المكان الذي يبيع فيه بعض الدكاكين القديمة جدا... جلس أمامها بعض الشيوخ كانوا يتحدثون بكلّ حميمية في التعامل بينهم وألفة للمكان... ربما كانوا يستعرضون ذكريات الصبا... أو ربما يتذكرون أشخاصا كانوا هنا... السوق مركز تجاري هام تمور على مختلف أنواعها لكن «الدقلة» تبقى سيدة الموقف ومحل الاهتمام، تجد في هذه السوق أيضا الزيتون، الخوخ، التفاح، الرمان، العنب وكل ما تنتجه الواحة فالبضاعة على مختلف ألوانها وأنواعها متوفرة حسب فترة الانتاج... أما الباعة فمنهم من يعرض الخضر والغلال على «منصة» وآخرون يضعونها على الأرض كما أن التمر عادة ما يوضع عند بيعه في «سلة» صغيرة أو في «صناج» أو في «قفة»، يقول العم «عبد الجليل» يتم جلب المنتوج عن طريق الفلاحين الصغار أو «الخماسة» (العامل بالأجر أو بالخمس) وتباع البضاعة بالميزان أو «بالهيلة» (من غير ميزان) وتمثل هذه السوق مورد رزق لعدد من العائلات التوزرية، حيث نجد قرابة 25 بائعا وتنشط هذه السوق خاصة في شهر رمضان حيث يتزايد الإقبال من مختلف الجهات على شراء التمر، كما تساهم السياحة الداخلية بقدر كبير في تنشيط ودفع الحركة الاقتصادية بالسوق فالزائر لتوزر كثيرا ما يمر على هذا المكان ليجد تمرا يجلب من الواحة إلى المستهلك مباشرة» تمور مختلفة النوع والمذاق «القندي»، «توزر زايد»، «بوفقوس»، «شكان»، «خلط»، «العليق» كلها أسماء مختلفة للتمر ومازالت التسميات... يقول العم «عبد الجليل» يوجد 99 نوعا من التمور كل نوع لا يشبه الآخر لا في المذاق ولا في الشكل وتتوفر هذه الأنواع في فترة الانتاج أما بالنسبة «للدقلة» «الكنتيش» «الأخوات» «العلق» فهي موجودة طوال العام. كانت عراجين التمر معلقة في السوق وبعض أنواع الغلال المحلية متوفرة أيضا... وفي الناحية الأخرى علقت «السلال» والقفة» كذا «الصناج» وقد صنعت هذه السلع اليدوية من سعف النخيل وعرضت في السوق ليباع بها التمر أو حتى بعض أنواع الغلال المحلية الأخرى فتحافظ بذلك البضاعة على جودتها وتزيد من جمالياتها وتكون جاهزة لتقدم لصديق أو قريب، ولتكون أيضا محل إقبال من السياح الذين يفضلون شراء التمر في «الصناج» أو «القفة» أو «السلة» بيع وشراء، بضاعة هنا وهناك في «سوق الحشيش» وكل قادم لهذا المكان يركز اهتمامه على شراء التمر فمنظره يشد الأبصار.. في هذا الوقت كانت أشعة الشمس حارة وقد انعكست على التمر المعروض في السوق فزادته إشراقا وضياء، وفي آخر السوق اجتمع بعض الرجال، أنظارهم مشدودة نحو الأرض، تقدمنا بين هذه الجموع فإذا «سلة سعف» صغيرة بها تمر ثمنها (3 دنانير) والشراء «بالهيلة». بين هذا الحشد شاهدنا رجلا يبدو عليه التعب والإرهاق خاصة أن الحرارة مرتفعة ونحن في شهر الصيام، سأل عن ثمن «سلة» التمر كان مترددا فتارة يدخل يده لجيبه لإخراج النقود، وأخرى يحدق في التمر... كانت الحيرة تبدو على محياه بين تمر عالي «الجودة» دقلة من عراجينها وبين ثمنها الذي قد لا يتناسب وميزانيته، عدّ النقود مرة أخرى طال تردده، بقي على هذه الحال، فغادرنا السوق ولا نعلم إن كان اشترى التمر أم لا... !