كتب: منير بو رمضان تعددت خلال الفترة الأخيرة اعتداءات التيار السلفي، على الحريات العامة والفردية، وذلك في ظل تواصل وجود «رخوة» أمنية في صدهم وتطبيق القانون. برغم تعالي الدعوات بضرورة التحرك لوقف هذه الاعتداءات، التي بدت ممنهجة ومدبّرا لها، وتستهدف تغيير النمط المجتمعي التونسي، الذي يحظي بإجماع لدى كافة الفئات والشرائح التونسية. وقد طالت هذه الاعتداءات كل الفضاءات والمنابر، ولم تسلم منها لا دور الثقافة ولا المساجد ولا المنتديات العامة.. كما أنها طالت كل رأي مخالف، حتى وان كان ينتمي الى نفس المرجعية الفكرية والعقدية، وخير مثال على ذلك حادثة تهشيم رأس الشيخ عبد الفتاح مورو، في ندوة كان يدعوا فيها إلى ضرورة وإلزامية التسامح كسبيل وحيد لضمان العيش المشترك. وكانت للسلفية «صولات وجولات» في حق المبدعين والثقافة، انطلقت فصولها حتى قبل حادثة العبدلية، ووصلت حد التدخل وبالقوة لمنع العروض الثقافية، وآخرها منع الفنان لطفي العبدلي من العرض في دار الثقافة بمنزل بورقيبة، وما يعني ذلك من مصادرة للإبداع وحرية التعبير، ورفض لكل أشكال التعابير الفنية والثقافية إلا «الحلال منها». ان تكرر مثل هذه الاعتداءات، وغض الطرف عنها من قبل السلطات بل وإعطائها غطاء سياسيا للتمادي في الإيذاء، من شأنه أن يشرّع للعنف وللعنف المضاد. وما حصل منذ أشهر في بئر علي بن خليفة، يعد نتيجة طبيعية للتساهل مع هذه الظاهرة. التي يجمع كل الباحثين والمهتمين بدراسة العلاقة بين الدين والمجتمع، على أنها ظاهرة «غريبة» عن المجتمع التونسي، من حيث الشكل وكذلك المضمون. وبعيدا عن التوظيف السياسي والإعلامي، فإن «الخطر السلفي» يعد من بين التحديات بل العوائق التي تقف أمام الانتقال الديمقراطي في تونس. وهي ظاهرة –برغم خطورتها – نجد أنه تم التغافل عنها من قبل كل الفاعلين السياسيين. الذين تركز كل اهتمامهم على الشأن السياسي-السياسوي، وتحديدا في بعده المتصل بالصراع الحزبي على إدارة المرحلة الانتقالية أو التأسيسية أو المرحلة التي ستليها. ما جعلنا نعيش حملة انتخابية سابقة لأوانها. على حساب إهمال الوضع الاجتماعي والاقتصادي، الذي تردى الى درجة أصبحت معه الثورة مهددة. في ظل إمكانية قيام ثورة داخل الثورة. كما وقع «التغافل» – من قبل السياسيين والأحزاب- عن الخطر المتأتي من حدودنا الشرقية مع ليبيا، بسبب الانتشار غير المسبوق لقطع السلاح ومنها الثقيلة، التي قد تكون تسرب البعض منها إلى تونس. كما تم أيضا، التعاطي ب «سلبية» وعدم جدية مع التقارير الاستخباراتية والإعلامية التي تناقلت تقارير عن تنامي نشاط الجماعات الإرهابية، وخاصة تنظيم القاعدة في القرن الإفريقي وما يعرف ببلاد المغرب الإسلامي. ويفرض تكرار هذه الاعتداءات، تفعيل حوار وطني بين الحكومة والأحزاب ومكونات المجتمع المدني. حول الكيفية المثلى في التعاطي مع «الظاهرة السلفية». والابتعاد عن أسلوب «التهويل» من جهة و «التغاضي» من جهة أخري، الذي ميز تعامل الفاعلين والإعلام مع السلفية. وهنا تتأكد ضرورة وجود موقف واضح من حركة النهضة ومن الحكومة. من التجاوزات التي ارتكبها ويرتكبها البعض من أنصار التيار السلفي. خصوصا وأن العديد من المراقبين يشيرون إلى وجود «تسامح» كبير ومبالغ فيه من قبل النهضة والحكومة مع «التجاوزات السلفية». وهناك من يري في تصريحات رموز النهضة «خير مشجع للسلفية، الذين باتوا يشعرون بوجود حماية قانونية وسياسية». وهو ما ينفيه النهضويون الذين يصرون على «أنه لا يوجد شخص أو تيار فوق القانون»، بل أن وزير الداخلية القيادي في النهضة علي العريض أعلن صراحة «أن النقاب ليس واجبا دينيا» و وعد بان القانون سيطبق على الكل «بما في ذلك السلفية». ان حركة النهضة وهي تمسك بمسؤولية الحكم أي ادارة وتصريف شؤون البلاد والعباد، مطالبة بتوضيح طبيعة العلاقة التي تربطها بالسلفية. وضرورة مراجعة المواقف السابقة والتي عبر عنها صراحة الغنوشي بأن :«السلفيون إخواننا وهم مواطنون لهم كامل الحقوق ولا نعتقد أن منهج التخويف والتشويه الذي واجهتنا به بعض القوى «الحداثية» سابقا وثبت فشله سوف ينجح ضد ظاهرة السلفية فليس أمامنا كتونسيين من مختلف الاتجاهات سوى الاعتراف المتبادل والحوار الجاد بحثا عن المشترك الجامع بيننا خدمة للاستقرار والعيش المشترك في وطن يتسع للجميع في ظل الإسلام وقيم الحداثة الحقيقية». (حوار مع جريدة «عكاظ» السعودية (الأحد 29 جانفي 2012). وكنا نأمل أن حادثة بئر علي بن خليفة، ستكون بداية و عنوانا لسياسة جديدة من قبل النهضة تجاه الجماعات السلفية المتشددة، لكن هذا لم يحدث ولم تبرز أية مؤشرات أو مقدمات على أن الحركة ستغير نهجها ومواقفها تجاه السلفية. ممّا جعل موقفها المندد بالحادثة يبدو «غير مبدئي» وأخذ لمجرد الاستهلاك الاعلامي والسياسي. ويذكر ان النهضة قد اعتبرت ما وقع في بئر علي بن خليفة واقعا في خانة «العمل الاجرامي»، واشارت الى أنها «لا تتسامح مع اعتماد أو اللجوء للعنف أيا كان الطرف السياسي أو الفكري الذي يتبناه». وأنها لا يمكن أن تعطي «غطاءا سياسيا للأعمال الاجرامية». وهي مواقف ننتظر ترجمتها الى أفعال.