عرف الانتاج التلفزي المحلي في الموسم الرمضاني الحالي تحسّنا خاصة على مستوى غزارة الإنتاج مقارنة بالسنوات الفارطة، فللمرة الأولى لم نعش فراغا على مستوى البرمجة فأغلب البرامج جاءت مكمّلة لبعضها. تحسن الانتاج على مستوى الكم لم يرافقه التحسن المأمول على مستوى المضمون إذ انطبق على بعض النصوص مثلنا الشعبي «لا تشكر لا تذم»، حيث تشابهت بعض السيناريوهات في أسلوب الطرح وتناولت بعض البرامج القضايا نفسها فضلا عن أن البعض الآخر اختار تكرار نفس الوجوه التي نجحت في مواسم رمضانية فارطة لكسب «ودّ» المشاهد. تراجع قناة «التونسية» على عكس النصف الأوّل من الشهر الكريم تراجعت نسب المشاهدة لقناة «التونسية» خلال النصف الثاني ويعود هذا التراجع إلى اكتفاء سامي الفهري بإنتاج 15 حلقة فقط من مسلسل «مكتوب 3» واختيار القناة إعادة بث نفس العمل الدرامي في النصف الثاني من رمضان الأمر الذي دفع بالعديد من المشاهدين إلى البحث عن برامج تلفزية جديدة لأن الفهري أخطأ حين اقتدى بالمثل العربي «في الإعادة إفادة» هذا على مستوى التوجه العام للقناة أما على مستوى مضمون المسلسل فقد عرف المخرج كيف يخرج من عنق الزجاجة خاصة بعد موت شخصية «شوكو» في الأحداث وتمكن من ابتكار شخصية أفعاوية جديدة ألا وهي «يوسف بالشيخ» الذي تحيلنا غطرسته وقسوته وجبروته على شخصية عماد الطرابلسي، ولئن تمكن المخرج من كسب نسبة محترمة من المشاهدين (حوالي 5 ملايين شخص) فإن العديد من المؤاخذات رافقت مضمون العمل أبرزها تركيز المخرج على جمالية شكل الممثلين لإثارة انتباه المشاهد فضلا عن ارتداء البطلات لملابس مثيرة وغير محتشمة لا تتماشى مع خصوصية الشهر، دون أن ننسى أن بعض اللقطات كانت مسقطة وكان من الأفضل تفاديها حتى يكون العمل صادقا في أبسط تفاصيله. أما على مستوى الديكور فقد أخرجنا الفهري من المشاهد الريفية التي طالما تحكمت في أعمالنا الدرامية وانتقل بالمشاهد إلى عالم الطبقة الميسورة التي لم تطرح قضاياها كثيرا في مسلسلاتنا، من الناحية التقنية كان المسلسل في مستوى تصوير الأعمال العربية أذ حضر جمال الصورة وقلة الأخطاء واتبعت كاميرا المخرج أسلوب ال«plein ecran» الذي يضع في الميزان ملامح الممثل وتعابيره الجسمانية. قناة نسمة «الاكتشاف» مثلت برمجة قناة «نسمة» خاصة في النصف الثاني من شهر رمضان اكتشافا لعدد كبير من المشاهدين فرغم ظفر القناة في النصف الأوّل من الشهر بنسبة مشاهدة محترمة فإن الأسبقية كانت لقناة «التونسية» خاصة بعد «فشل» سلسلة «دار الوزير» في تحقيق النجاح الذي حققته سلسلة «نسيبتي العزيزة» في الموسمين الفارطين، فجاء مسلسل «لأجل عيون كاترين»، «طوق نجاة» برمجة القناة وحقّق العمل (خاصة بعد انتهاء بث مسلسل مكتوب 3) أعلى نسبة من المشاهدة الخاصة بالقنوات المحليّة. المسلسل طرح العديد من القضايا الاجتماعية على غرار «الحرقة» وقضايا إنسانية «مرض السيدا» فجاء سيناريو رفيقة بوجدي مثقلا بهموم ومآسي المجتمع ولم تبخل القناة المنتجة للعمل في توفير أفضل تقنيات التصوير إذ تمّ تصوير المسلسل بالكاميرا السينمائية وهي تقنية تتطلب مجهودا إضافيا للحصول على نوعية جيّدة للقطات المصوّرة، كما تمكن مخرج العمل حمادي عرافة من إبراز خصوصية العائلة التونسية البسيطة والعودة بنا إلى أجواء «الخوف» قبل 14 جانفي. في المقابل تشابه «لأجل عيون كاترين» مع «مكتوب 3» في تشخيص «عماد الطرابلسي» إذ اختارت كاتبة السيناريو شخصية «العربي» التي يتقمصها عاطف بن حسين لإظهار الدكتاتورية التي كان يمارسها هذا الشخص مستندا على قربه من النظام السابق. من ناحية أخرى لم يوفق فريق العمل في اختيار عنوان المسلسل خاصة أن «كاترين» التي تتقمّصها عائشة الخياري وقع تغييبها منذ الحلقة ال21 فضلا عن أنّ الشخصية ليس لها ذلك الدور الفاعل في الأحداث. مرور الكرام مسلسل «عنقود الغضب» الذي بثته القناة الوطنية الأولى مرّ في ذاكرة المشاهد مرور الكرام فقط لأن «الحظ» لم يكن في صفه إذ استرعت برمجة قناة «نسمة» وقناة «التونسية» اهتمام المشاهد ولم يبق «عنقود الغضب» سوى لمتتبعي البث الأرضي، لكن وبالرغم من التحويرات التي طالت السيناريو فإن المخرج نعيم بن رحومة تمكن من تقديم عمل متكامل خاصة على مستوى الرؤية الفنية وذلك بالتركيز على نتائج الظلم والجبروت التي يمارسها «يحيى الغول» الذي يلعب دوره محمد اليانقي الذي يذكرنا كما في بقية الأعمال بشخصية «عماد الطرابلسي». القلابس واللوجيك تشابه أيضا برنامج «اللوجيك السياسي» الذي تبثه قناة «التونسية» ببرنامج «قلابس المغرب» الذي يعرض على قناة «نسمة» وهذا التشابه برز على مستوى الشكل والمضمون إذ نجد نفس الوجوه السياسية مع اعتماد قناة «نسمة» على بعض السياسيين الغربيين كما تقارب طرح القضايا السياسية الآنية، وكالعادة اعتمد البرنامجان على «الغناء» وخاصة «فن الراب» لنقد بعض السلوكيات الاجتماعية.