يكتبها: منير بو رمضان يبقي المشهد السياسي التونسي مفتوحا على كل السيناريوهات، خاصة بعد تعدد الأحداث التي تقف وراءها مجموعات سلفية، لعل أخرها خروجهم مساء الأربعاء للتظاهر أمام السفارة الأمريكية -»تنديدا» بالفيلم المسيء للرسول المنتج حديثا في أمريكا- ودخولهم في مصادمات مع قوات الأمن. كما خلف اعتداؤهم على قبر الزعيم الوطني الحبيب بورقيبة، «صدمة» لدى الرأي العام التونسي ، الذي اعتبر من قبل العديد من المتابعين، على أنه مؤشر من شأنه أن يدخل البلاد في «حالة عنف»، خاصة وأنها تأتي بعد «موجة» من اعتداءات سلفية على فنانين ومبدعين ومقرات حزبية، ما جعل التونسيين متخوفين من استهداف «النمط المجتمعي» الحداثى. ويرى العديد من المحللين بأن كثرة «الانتهاكات السلفية» ، في الفترة الأخيرة دلالة واضحة على تصاعد دور التيار السلفي بعد الثورة وخاصة بعد وصول الإسلاميين للحكم. ما يشير إلى وجود تساهل بل «تواطؤ» من قبل حكومة النهضة مع هذا التيار الغريب عن المجتمع التونسي، بل أنه يهدد وحدته وانسجامه. ان ما تقوم به الجماعات السلفية من عنف، أصبح يهدد المكاسب التي يفتخر بها كل التونسيين، على تباين منطلقاتهم الفكرية والعقائدية. والمتمثلة بالخصوص في الحفاظ على سلمية ومدنية الصراع السياسي. وعدم الانحراف الى العنف لحسم الصراع والتنافس بين الفرقاء. وخاصة في هذا الظرف الدقيق من الانتقال والحراك الديمقراطي. الذي من أبرز سماته تواصل ما يعرف ب «الاحتقان السياسي والاجتماعي». كما أن عدم التعاطي الجدى مع ما يقوم به المنتسبون للتيار السلفي، من اعتداء على الحريات الفردية والجماعية، قد يجعلهم يتصورون كما لو أنهم فوق القانون، وبالتالي لابد من التحرك وبسرعة قبل أن تأخذ الأحداث منحى يهدد بالانزلاق نحو العنف. ويذكر أن مجموعات سلفية قد سبق لها وأن مارست «العنف المسلح» بعد الثورة، ولعل أخرها «حادثة بئر علي بن خليفة» في بداية تولي الحكومة الحالية، والتي اضطرت الى مجابهتهم بقوة السلاح، وقد أعادت تلك «الواقعة» حينها للأذهان وقائع مشابهة منها واقعة الروحية في ماي 2011 - قتل فيها ثلاثة عسكريين-، وخاصة أحداث سليمان سنة 2008، والتي عرفت مواجهات عنيفة بين الأمن والمتطرفين استمرت أكثر من أسبوع. وهي مناسبات أستعمل فيها السلاح من قبل مجموعات سلفية، لا يستبعد أن تكون على صلة فكرية وتنظيمية، بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. يتابع التونسيون بانشغال وقلق كبيرين ظاهرة «الانفلات السلفي»، وان «نجح» الرئيس السابق بن علي في القضاء على «جماعة سليمان» اعتمادا على الحل الأمني. فان الأوضاع المستجدة بعد الثورة تجعل المشهد مغايرا ومختلفا. وخاصة في ظل وجود «ثغرات أمنية»، وإطلاق سراح العديد من «الشباب الجهادي» من السجون، إضافة إلى «تسرب» العديد من قطع السلاح من ليبيا إلى تونس. فقد سبق وأن أعلن عدنان منصر الناطق الرسمي باسم الرئاسة عن كشف «عملية لنقل أسلحة من جنوبتونس إلى شمالها». ينضاف إلى كل هذا «الحضور الاستعراضي» للجماعات السلفية في الفضاءات العامة. ولجوئها إلى ممارسات للحد من الحريات العامة والشخصية والاعتداء على الإعلاميين والمثقفين. في ظل غياب لإجراءات ردعية من قبل الحكومات التي تعاقبت على إدارة البلاد منذ الثورة. وفي قراءة استراتيجية، يتضح أن معالجة ملف السلفية والتيارات الدينية المتطرفة، يتجاوز البعد المحلي/الوطني إلى الدولي، ولعل ما حصل في ليبيا من قتل للسفير الأمريكي، يمثل «بداية منعرج لمسار الربيع العربي في اتجاه انفلات ظاهرة العنف عن إدارة التيارات الإسلامية المعتدلة التي ستجد نفسها بين فكي كماشة، إما تواجه قمعيا هذه الجماعات وإما تهادنها وتخضع لابتزازها الإيديولوجي»، وهو ما أكد عليه العديد من الخبراء. الذين يرون بأن «الإدارة الأمريكية تعيد إنتاج أخطائها في المنطقة، والمتمثلة في المراهنة على التيارات الدينية لقطع الطريق أمام الحركات الديمقراطية والتقدمية». ولعل «كثرة الاعتداءات السلفية» واتخاذها شكل ا«نوعيا» و«ممنهجا»، يفرض تفعيل حوار وطني بين الحكومة والأحزاب وكل مكونات المجتمع المدني. بهدف إقرار «سياسة وطنية» في التعاطي مع «الظاهرة «، التي تمثل خطرا حقيقيا على السلم والاستقرار الاجتماعي، وتهدد «وحدة» المجتمع (بسبب رفعها لشعارات دينية) وأيضا كيان الدولة، خاصة وأنها «تبشر بأممية دينية» تتعارض ومفهوم «الدولة –الأمة» الذي اختارته بلادنا منذ مارس 1956.