المعارضون: الاقصاء من حق الشعب وحده المؤيّدون: غلق الشباك منعا لعودة الفساد والاستبداد
طفا موضوع إقصاء «التجمعيين» من المشاركة في الانتخابات القادمة، على السطح مجددا خاصة بعد أن صادق أول أمس أعضاء «لجنة الحقوق والحرّيات والعلاقات الخارجية» بالأغلبية على تمرير مشروع قانون أعدّه حزب «المؤتمر» إلى لجنة التشريع العام للنّظر فيه، وهو مشروع يقضي بإقصاء التجمعيين من المشاركة في الحياة السياسية. ولئن أعلنت في وقت سابق بعض القيادات «النهضوية» عن ضرورة تحصين الثورة من التجمعيين لكي لا يعود التجمع الدستوري المحل الى الحياة السياسية ...فإن آراء الأحزاب اختلفت بين مؤيد لمثل هذه المشاريع ورافض لها. يرى «بوجمعة الرميلي» من «نداء تونس» أن تحصين الثورة وإقصاء التجمعيين يتم من قبل أصحاب الثورة وليس من قبل أطراف أخرى وأن لهؤلاء فقط الحق في تحصينها من خصومها لكي لا نحيد بها عن أهدافها الحقيقية، وبمواضيع هامشية وخاصة تلك التي ترجعنا للقرون الوسطى. وقال الرميلي : «الديمقراطية وحدها تحصّن الثورة من أعدائها، وخاصة ممن يروم ضرب حقوق المرأة ويعطّل العدالة الانتقالية، نحن نريد تحصين الثورة من أعدائها الحقيقيين وليس من أعداء وهميين ،وأيضا من كل الأمراض الحقيقية التي باتت تهددها». وأضاف: «تحصين الثورة ضروري ويوجد طرف واحد فقط له الإمكانيات القانونية والإجرائية لإعاقة أي كان من حقه في الانتخابات ألا وهو القضاء». وأشار الرميلي إلى أنّ هذه المسألة خطيرة جدا ولا بد من التمييز بين الحق العام والحق السياسي». وقال : «من ليس مرغوبا فيه فالشعب هو الذي سيحكم عليه» . وأضاف: «هذا القانون إن عرض على المجلس التأسيسي سيكون فضيحة عالمية كبرى لأنه يجرّد الناس من حقوقهم في الانتخابات والتونسيون رشّد ليختاروا وليسوا في حاجة لمن يرشدهم ،فكلّ «الغوغاء» على «نداء تونس» لا داعي لها وإن كانت هناك قائمة في الفاسدين فليعتن بها القضاء وليحاسب الفاسدين. أما أن نصدر قانونا لحرمان البعض من المشاركة في الانتخابات فهذه فضيحة وسابقة خطيرة». أمّا «الصحبي البصلي» من حزب «المستقبل» فيرى أنّ محاسبة المذنبين مطلب شعبي وأنه حتى «التجمّعيون» يطالبون بالمحاسبة وقال:«ليس من حق أي حزب سياسي في تونس تحصين الثورة لأن لا أحد مؤهل لذلك فالثورة لم تقم بها الأحزاب بل قام بها شباب لم نلّب بعد طموحاته ولأن الثورة ملك للشعب فلا يحصنها إلا الشعب. فكما قام هذا الشعب بثورة سابقة فإنه قادر على القيام بأخرى إن لم تعجبه الأمور والنزول إلى الشارع للاحتجاج وبالتالي لسنا في حاجة لأن نحصّنه من أعداء الثورة» . من جانبه قال «نزار النصيبي» عضو المكتب التنفيذي ل«العريضة الشعبية» إن «العريضة» كانت من أوّل الأحزاب التي وقفت ضد قانون الإقصاء والذي كان قد طالب به نوّاب «المؤتمر». وقال «نزار» من حقّ الجميع أن يمارسوا حقّهم السياسي باستثناء من أجرم. وأضاف: «الثورة ليس لها أب وليست تابعة لأي حزب وبالتالي إن كان هناك من يحّصن الثورة أو يحاسب فهو الشعب». وقال النصيبي: «مسألة تحصين الثورة معركة وهمية كتلك التي تدّعي أن في تونس قطبين هما «النهضة» و«نداء تونس» فقط، يعني إمّا «النهضة» التي فشلت في تلبية الاستحقاقات أو«نداء تونس» الذي سيعيدنا للماضي ،وكأنّ لا خيار آخر أمام التونسيين؟» وأضاف :«الموضوع أعمق من ذلك بكثير ولا داعي لإلهاء الناس بمثل هذه القوانين والمعارك الوهمية التي تصوّر «النهضة» وكأنّها منقذ من التجمّع والتجّمعيين» . واعتبر «محمد الحامدي» رئيس الكتلة الديمقراطية وعضو المجلس الوطني التأسيسي أنه من الضروري تحصين الثورة ومحاسبة من أجرم ، وقال إنّه لا يمكن مناقشة مضمون هذا المشروع طالما أنّه لم يعرض على المجلس التأسيسي لكن من الضروري إرساء مجموعة من الإجراءات والمحاسبة وإرساء العدالة الانتقالية . وأشار الحامدي إلى أنه لا بدّ أن تتم المصالحة على مستويين : معالجة قانونية قضائية وهي مهمة فمن أساء للبلاد والعباد من الضروري ان يحاسب وهذا جزء من العدالة الانتقالية وبالتالي لا «حركة» النهضة ولا الأحزاب ستضطلع بهذا الدور . ومعالجة أخلاقية لأنّ التجمعيين مسؤولون عن سنوات الاستبداد والفساد وهذه المعالجة أكثر تعقيدا لأنها مقترنة بالمناخ العام وبالتوجه السياسي الذّي يعتمد على قطع الطريق أمام هؤلاء وكل من تقلد مسؤولية في النظام السابق ويريد أن يعود من جديد للحكم . أمّا «أنيس الهمّامي» من حزب «البعث» فقال إنّ محاسبة الفاسدين والمجرمين يجب أن تتم في إطار قضائي، وقال:«للأسف حركة «النهضة» تتعامل مع التجمعيّين بسياسة المكيالين وبمقولة «من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن» يعني من يكون في فلكها ينال «صكّ الغفران» وهو بمنآى عن المحاسبة» وأضاف: «لا أدّل على ذلك من وجود «الحبيب الصّيد» وعدد من المستشارين والتجمعيين وكل من دان بالولاء يصبح لا جرم عليه». واعتبر الهمّامي ان الإقصاء لا يجب أن يشمل كل التجمعيّين مشيرا إلى أن هناك أكثر من مليوني تجمّعي متسائلا «هل كلّهم مورّطون ليتّم إقصاؤهم؟. فالتّجمع المحلّ وكما نعرف ليس بالحزب العقائدي والفكري لينتمي إليه الناس على أساس الأفكار وإنما كان الانتماء يتم على أساس المصالح والامتيازات التي ستمنح وأحيانا ينتمي الشخص فقط لكي «يأمن» حتى من رجل الشرطة». وأضاف: «في ما يتعلّق ب«التجمعيين» هناك معاملات بسياسة المكيالين، فمن دخل بيت طاعة «النهضة» لا يحاسب ومن لم يدخله يحاسب، وهنا لا بد أن يتكفل القضاء بالمحاسبة لتكون تابعة لجهاز مستقل ،تتوفر فيه شروط المحاكمة العادلة دون تشف ،فحتى المصالحة لا يجب أن تمنح المجرمين الفرصة للفرار.» من جهته قال «سمير بن عمر» من حزب «المؤتمر» إنّ هذا المشروع كان ضمن الوعود الانتخابية لحزب «المؤتمر»، ويندرج ضمن تحقيق أهداف الثورة وهو يحجّر على الذين تحملوا مسؤوليات طيلة 23 سنة والانخراط في العمل السياسي من جديد خاصة وأنّ تلك الفترة تمّيزت بالاستبداد . وأضاف : «في ما يتعلق بالآراء التي ذهبت إلى أن الشعب هو الذي سيقصي التجمعيين فإن هذا غير ممكن لأن الساحة السياسية لا تزال في حالة مخاض وهؤلاء لديهم إمكانيات مادية كبيرة وثروة نهبوها طيلة 60 سنة وبالتالي فباستطاعتهم التأثير في الناس مجددا والعودة من «الشّباك» ومشروع المؤتمر يرمي أساسا إلى حرمانهم من الرجوع» . وفي ما يتعلق بأوجه الشبه بين مشروع «المؤتمر» الذي تم اقتراحه في «لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية» ومشروع قانون «النهضة» الذي تعتزم تقديمه لتحصين الثورة من التجمعيين قال: «اقترحنا هذا المشروع منذ عدة أشهر ولا علاقة لهذا المشروع بالانتخابات القادمة، بل إن هذا المشروع قد يمسّ عدة أطراف سمحت للتّجمعيين بالانخراط فيها ضمن أحزاب سياسية». أمّا «نبيلة العسكري» من حركة «النهضة» فقد أيدت مشروع تحصين الثورة من التجمعيين وقالت إنّ هؤلاء أخذوا فرصتهم وأضافت: «رأينا التنكيل والتعذيب ومن الضروري إبعادهم قليلا ليتعودوا على الديمقراطية ويقبلوا الآخر،لكن في الوقت الراهن «المهزوم» يريد العودة للساحة بشراسة ونعرف خطر الجريح عندما يسقط أو يتألم وساعتها سندخل في منعرج خطير» . واعتبرت ان من يعلّل رفضه باعتبار ان الشعب سيحصن ثورته من باب وجهة نظر لا غير، وقالت: «ليس كل الناس على معرفة بأسماء التجمعيين، ربما النخبة تعرف ولكن ليس عامة الشعب، ففي المناطق الصغيرة مثلا يستطيع هؤلاء التوغل في الأحزاب والتأثير في الناس للعودة إلى الحكم من جديد وبما أن التجمعيين أخذوا فرصتهم في السابق وبينت التجربة فشلهم فعليهم الابتعاد عن الساحة».