ترامب ينشر صورة بزيّ بابا الفاتيكان    غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    علماء يحذرون.. وحش أعماق المحيط الهادئ يهدد بالانفجار    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الهادي بن عباس» ل «التونسية»: أشكك في وطنيّة من يروّج لعجز الحكومة .. والمدارس القرآنية قنبلة موقوتة
نشر في التونسية يوم 16 - 10 - 2012

"البورقيبية" ليست أصلا تجاريا للتسويق وتلميع الصورة
الخطر السلفي حقيقي..
أرسلنا عائلات «الحارقين» المفقودين إلى إيطاليا بحثا عن ذويهم
ولد الهادي بن عباس يوم 5 أوت 1961 بمعتمدية تبرسق من ولاية باجة، تحصل على شهادة الباكالوريا في 1981 من المعهد الثانوي بتبرسق ثم واصل دراسته الجامعية بكلية الآداب بجامعة نيس بفرنسا وتحصل على شهادة الدكتوراه في الانقليزية.
شغل الهادي بن عباس خطة استاذ بجامعة تورنتو بكندا ثم تحصل سنة 2002 على شهادة الدراسات المعمقة في الحقوق والعلوم السياسية وترأس جمعية في فرنسا تعنى بحقوق الأجانب (20052008). وهو عضو مؤسس ل«حزب المؤتمر من أجل الجمهورية» وكاتب دولة مكلف بشؤون أمريكا وآسيا.
«التونسية» التقته في حوار تحدث فيه بوضوح عن موقفه من المشهد السياسي الحالي وعرج بالحديث عن المدارس القرآنية مشيرا الى خطورتها في تونس كما تطرق الى بعض المسائل المتصلة بالشأن العام للبلاد.
بداية كيف تقيّمون المشهد السياسي الحالي؟
إنّ المشهد السياسي الحالي يبدو عاديا سيما أننا في فترة انتقالية ولئن لاحظنا بعض الاضطرابات فإن ذلك يحفزنا على مراعاة مصلحة البلاد وتجاوز المصالح الحزبية الضيقة لأن ذلك لا يخدم المسار الديمقراطي. ويمكن القول ان المرحلة الانتقالية تفرض تجاوز التجاذبات الحزبية. كما أن الاضرابات المتكررة لا تخدم كذلك المسار الانتقالي ونحن نعلم جيدا ان المعمول به في عدة بلدان تعيش مرحلة انتقالية هو ابرام اتفاق بين النقابات والحكومة (مثال بولونيا) لمدة 3 سنوات وهذا الاتفاق بمثابة الهدنة اي انه خلال 3 سنوات تلغى كل الاضرابات والتحركات الاحتجاجية الى حين انتعاشة الاقتصاد وتركيز النظام وعندها يمكن القول ان المطالب الاجتماعية تصبح مشروعة.
وللأسف فإنه منذ اندلاع الثورة تدفقت المطلبية الى حدّ اليوم بل وتواصل النزيف ولم يتوقف وهو لا يخدم المصلحة الوطنية. وللإشارة فإن الحكومة تسعى الى تحقيق التوازن ولكن في كل خطوة تتعثر.
هل تعتقدون ان الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية تؤثر على مستوى العلاقات الديبلوماسية؟
فعلا ان هذه الاضطرابات تضرنا في الاعماق لأن تراجع المستثمر عن الاستثمار ببلادنا يكلّفنا خسارة كبرى ونحن لا نريد أن نترك تركة ثقيلة كتلك التي خلفتها الحكومة السابقة (من اخطاء اقتصادية واجتماعية).
فالتركة التي خلفتها الحكومة السابقة خطيرة سواء على مستوى الحضائر او برنامج امل او الزيادات في الوظيفة العمومية لذلك فان الحكومة الحالية مطالبة باصلاح التركة السابقة وهي في نفس الوقت مجبرة على تحقيق التنمية وخلق مشاريع ويمكن القول ان في ذلك معادلة صعبة بل ومستحيلة.
ونحن نعمل من اجل مستقبل تونس وان دفعنا الكلفة السياسية فهذا ليس باشكال فالمهم هو بناء الأسس السليمة للديمقراطية وان لم نفز في الانتخابات المقبلة فهذا كذلك لا يمثل لنا اشكالا وربما يشهد التاريخ في الحقبات التاريخية بأن هذه الحكومة حاولت الاصلاح الجذري.
المهم هو مصلحة تونس قبل كل اعتبار فالحكومات تتعاقب ولكن تبقى تونس القاسم المشترك بين كل التونسيين.
ما هو موقفكم من التيارات السلفية وهل أثرت أحداث السفارة الأمريكية في العلاقة بين البلدين؟
إنّ الخطر السلفي هو خطر حقيقي على مستويين: الأول امني بحت والثاني اقتصادي وحسب اعتقادي يجب ان نتوخى سياسة حازمة على هذا المستوى من خلال تكريس سياسة أمنية صارمة.
وبالإضافة الى الخطر السلفي هناك خطر اخر طويل المدى والمتمثل بالأساس في انتشار المدارس القرآنية فهذه المدارس ليست بقرآنية بل ستشكل قنبلة موقوتة لتونس لأنها تستهدف أساسا تغيير النمط الاجتماعي حيث لاحظنا مثل هذه التجربة في باكستان وما أحدثته من نمط جديد في المجتمع لذلك فإننا لن نقبل بذلك مهما كان الثمن.
لكن في حال انتشار هذه الظاهرة وعدم التصدي لعملية «الدمغجة» التي من الممكن ان تفرزها المدارس القرآنية كما يخشى البعض ذلك ماذا يمكن ان يحدث؟
عندها تصبح تونس «لاقدّر الله» بلد مناورات داخلية لذلك لا بد من معالجة هذا الموضوع في اقرب الاجال. إن ما يحز في نفسي هو تغير الخارطة السوسيولوجية في اقل من سنتين. فالخارطة انقسمت الى انماط عديدة (شيعي، مذهبي، سلفي) حيث اصبحت تونس مقسمة وفق خارطة طائفية على ركائز مذهبية وهو ما يمثل خطرا كبيرا لأنه سيؤدي الى تغير طريقة التعامل بين التونسيين.
لذلك فإن المحافظة على النمط التونسي والنسيج الاجتماعي من أوكد الضروريات. وأنبّه من هذا الخطر الحقيقي (المدارس القرآنية) لأن أبعاده ستكون وخيمة.
ألا تلاحظون ان نشاط هذه المدارس بلا «رقيب»؟ ولماذا برأيك انتشرت هذه الظاهرة؟
فعلا ان هذه الظاهرة بدأت تبرز خلال الفترة الأخيرة لكن يبقى السؤال المطروح هو: كيف يمكن معالجة هذه المشاكل مع احترام حقوق الانسان ودولة القانون؟
فلا يمكن ادانة شخص بتهمة الاعتقاد او التفكير لأنها حريات مضمونة ويبقى الاشكال المطروح هو كيف يمكن ان نضمن حرية التفكير ونحافظ على أنموذج المجتمع دون خلق اصطدام مع هذه الشرائح من المجتمع؟
ما هو الحل إذن؟
لا بدّ ان نطبق القانون بصرامة دون تجاوز الحرمة الجسدية والفكرية.
كيف تقيّمون السياسة الخارجية وما هي أهم الملفات التي تنكب الوزارة على دراستها؟
إنّ الوزارة قامت بعمل جبار فسمعة بلادنا جيدة ولكن للأسف احداث السفارة الامريكية جعلت بقية السفارات تعتبر نفسها مستهدفة. إنّ الارهاب ليس حكرا على الدول العربية او الدول المسلمة لكن السؤال المطروح كيف سيقع التعامل مع مثل هذه التيارات؟ هل سيقع التعامل معها بصرامة وباحترام القانون ام سيقع التعامل معها بدكتاتورية وتسلط؟ رسالتنا واضحة وهي انه سيتم التعامل مع مثل هذه التيارات بالصرامة الكاملة ومع احترام حقوق الانسان.
ماهو موقفكم من حادثة اغتصاب الفتاة؟
مع الأسف وقع استغلال هذه الحادثة سياسيا وتوظيفها ولو حدثت مثل هذه القضية ببلد أوروبي فإننا لن نجد أي حزب يوظفها بل بالعكس فإنه سيسعى الى تطويقها. ويمكن القول انه تم استغلال الحادثة لتشويه صورة الحكومة ولكن في النهاية هو تشويه لصورة تونس قبل كل شيء وهذا ليس من الأخلاقيات السياسية.
هل تتهمون جهات معيّنة بالتوظيف السياسي لكل ما يقع بتونس؟
«كل واحد يعرف روحو» لا يمكنني ذكر الاسماء ولكن يمكن التذكير بمواقف كل شخص ازاء هذه الحادثة وحسب رأيي فإن السياسة لها أخلاقياتها ويوجد حد أدنى من الأخلاقيات لا يمكن تجاوزه.
هل تقصدون طرفا معينا؟ وهل هناك من تجاوز هذا الحد؟
مع الأسف هناك بعض الشخصيات السياسية لم تبد اي موقف وتجاوزت حدودها.
لماذا ترفضون كحزب حضور «نداء تونس» في مبادرة اتحاد الشغل؟
إن الثورة جاءت للقطع مع كل أساليب ورموز النظام البائد الذي افرز شخصيات تركيبتها دكتاتورية.
فكيف إذا ستكون هذه الشخصيات التي مارست الدكتاتورية طيلة 23 سنة أن تكون طرفا في الديمقراطية؟ أنا أعتقد ان مبادئ الشخصيات المشاركة في «نداء تونس» ترتكز على الاستبداد بل وكانت مساهمة طوال 23 سنة في منظومة الدكتاتورية وأرى ان هذه الشخصيات لن تكون طرفا في بناء الديمقراطية لذلك نقول لهؤلاء بصريح العبارة: «نفّسونا»، «نفّسو» الشعب التونسي ولو لمدة 5 سنوات وأقول «ان كان لكم أدنى شعور بالوطنية رتّحونا».
ماذا تقولون عن إضرابات الجوع التي نفذها مؤخرا نائبان من المجلس الوطني التأسيسي احتجاجا على اعتقال بعض المحتجين من سيدي بوزيد؟
بامكان اي شخص الوقوع في الخطأ، فالشعب يخطئ ونحن نخطئ والجميع يخطئ، احيانا في تقييم بعض الأشياء ونواب التأسيسي عينة من الشعب من النماذج الجيدة والمتوسطة والرديئة وذلك ما تقتضيه الديمقراطية، وبالنظر الى أنها أول تجربة ديمقراطية فإن اضرابات الجوع وغيرها من ردود الافعال المتبعة للتعبير عن الاحتجاج ازاء وضعية ما أمر عادي خاصة أن الجميع يتعلمون في الوقت الحالي!
وأنا أقول ان هناك نقائص في أداء المجلس الوطني التأسيسي كالبطء وأكثر ما يزعجني هو تفكير بعض النواب (بطريقة فاضحة) في المصالح الشخصية الضيقة، يعني أن نائب لا يفصح ولا يتدخل إلا للتعبير عما يجول بخاطره من منطلق الأخذ بعين الاعتبار مصالحه الانتخابية الخاصة بدرجة أولى لتحسين صورته لدى العامة وليظهر في جبة «البطل» الذي سينقذ منطقته والذي يحرص على تمرير مطالب منتخبيه، وقد يتفاقم هذا السلوك حتى يصبح أحيانا على حساب البلاد.. وهو ما يبرز ان هناك شعبوية كبيرة بقطع النظر عن أهمية القوانين التي هم بصدد صياغتها وهو ما يحيل ان هناك اشخاصا يتعمدون تجاوز حدود ما تستوجبه المصلحة العامة للأسف.
ما دور الوزارة في جلب الاستثمارات الأجنبية للبلاد؟
وزارتنا هي الخط الامامي لتونس وهي الواجهة التي يجب ان تكون مفتوحة والتي يجب ان تروّج لتونس المنفتحة وتونس الحداثية ولتونس الآمنة والمدنية مع المحافظة على هويتنا والحرص على عدم التأثر بالآخر (الغرب)... فتونس تغذّت من خلال تلاقح الأفكار والحضارات، ولا خوف عليها اليوم، وبالنسبة لمسألة العلاقة مع أمريكا فهي طيبة جدا بحكم رغبة واشنطن في دعم المشروع الديمقراطي بتونس وحرصها على التعامل مع دولة ديمقراطية عوض التعامل مع دولة دكتاتورية، والمستقبل غير مضمون اذ من المستحسن في العلاقات الدولية ان ينخرط الجميع في تطبيق قواعد اللعبة الديمقراطية ويجب ان تكون تونس في ركب الدول المتقدمة وتتماهى معها لمصلحتها من حيث الديمقراطية، حيث هناك من البلدان المتقدمة من هي ليست ديمقراطية وبالتالي فإن التعامل معها يسفر عن عديد الاشكاليات عند الاستثمار بها بفقدانها للشفافية وللقوانين المناسبة لحماية مصالح المستثمرين، ولذلك يجب ان نكون واضحين بتقديم اشياء ملموسة تثبت انتهاجنا مسار الديمقراطية على مستوى القانون وعلى مستوى الممارسة.
وبالنسبة للثقة التي منحتها الدولة الأمريكية لتونس فهي لم تأت من فراغ بل جاءت نتيجة جهود بذلتها وزارة الخارجية ونتيجة المناخ العام المطمئن للبلاد الضامن لحرية الصحافة خاصة أن الحكومة الحالية لم تغلق أية مؤسسة صحفية أو منعت ترويج فكر ما حتى الآن، رغم التجاوزات العديدة التي نشهدها ... ولا بد من التشديد على أن حرية الصحافة في أي بلد هي المقياس الحقيقي للديمقراطية بالاضافة الى مسألة التشريع الذي يعتبر كذلك معيارا هاما لاستقطاب الاستثمار الأجنبي.
هل هناك مراجعة للقوانين للتحفيز على الاستثمار؟
بالطبع وهي على وشك ان تكتمل، فقد تمت اعادة النظر في قانون الاستثمار باعادة القوانين مع المحافظة على مصالح البلاد العليا ومع مراعاة التوجه السياسي المرسوم.
ماذا عن الدعم الأمريكي؟
هناك دعم أمريكي، نرجو ان يتواصل..ولكن هذا الأمر يستدعي تضافر جهود عديد الأطراف لأن أي اضطراب يستهدف أمريكا أو أية هيئة سياسية من شأنه ان يسيء لعلاقة بلادنا بها.
لذلك من الأجدى ان نتشبث بالروح الوطنية باعتبار ان المواطنين التونسيين هم السفراء الحقيقيون للبلاد، وما يهمنا اكثر من مسألة القروض هو الاستثمار المباشر في تونس وبعث مواطن الشغل.
هناك من المراقبين والمتابعين للشأن السياسي بتونس من يعتبر ان القرارات التونسية تطبخ في أمريكا، ما رأيكم؟
من المعجزات لهذه البلاد انه لا تتوفر فيها موارد بترولية أو غاز او ..واقتصادنا ضعيف وسياحتنا هشة وفي نفس الوقت هناك من ينادي بعدم الاقتراض من الخارج ويطالب بالزيادة في الراتب الشهري وبخفض الأسعار..لذا أنا أتساءل كيف لمواطن تونسي مداخيله محدودة ان يمتنع عن الاقتراض؟ وأنا أقول لكل من ينتقد هذه الحكومة سنرى كيف ستستطيعون تسيير امور البلاد «بالهواء» وتحققون جميع المطالب الاجتماعية من رفع في الأجور و...؟
وإذا تمكنوا من ذلك فإنني سأتخلى عن مسؤولياتي الآن...يجب ان نكون جدّيين في إدارة دواليب الدولة ويجب ان نعي بأنها مسؤولية كبيرة وبالتالي فإن التشويه يدخل في باب اللغو والمناورات السياسية وأنا أشكك في وطنية من يقول بأن هذه الحكومة غير قادرة على تولي مهامها على أكمل وجه.
وسمعة تونس في عيون الولايات المتحدة الأمريكية هامة لأبعد الحدود، لأنها تساعدنا على تحسين علاقاتنا بالمنظمات الدولية ومع الممولين، وليس بامكان أحد إنكار أن أمريكا دولة فاعلة و«كلمتها تمشي».
(بابتسامة ساخرة) فعوض ان نشعر بأننا محظوظون لأن أمريكا تدعمنا نرفض هذا ونكابر...والله العظيم شيء غريب! فكيف يمكن توفير ما يتطلبه اقتصادنا؟ وكيف يمكن صرف الأجور الشهرية ل500ألف موظف؟ لذلك يجب علينا ان نكون واقعيين وعلاقتنا بأمريكا لا تعني أننا تخلينا عن سيادتنا ولا تلغي احترامنا لدولتنا كما يروج المناوئون..كما أن مصالح جميع دول العالم مرتبطة بالبنوك الدولية حتى ان نسبة ديون أمريكا نفسها تفوق ميزانيتها، كذلك بالنسبة لفرنسا... وهذا يؤكد ان السيادة المالية للبلدان لم تعد موجودة فالمديونية اجتاحت العالم والحديث عن عدم الاقتراض ليس منطقيا، وتونس ليست حالة استثنائية ولسنا قطر لنكون في غنى عن الدعم المالي والخارجي.
ماهي مستجدات ملف الهجرة غير الشرعية؟ وما حكاية الاعتصامات المتتالية أمام مقر وزارة الخارجية؟
لقد أصبحت وزارة الخارجية قبلة المطلبية، ان يوميا هناك اعتصامات أمام الوزارة للمطالبة باعادة المفقودين من المهاجرين غير الشرعيين، والوزارة قامت بجميع ما بامكانها فعله لاستردادهم إذ أننا نتمنى ان تحدث معجزة ويعود جميع المفقودين وينتهي الأمر ولكن ما باليد حيلة، فقد استوفينا جميع الحلول حتى أننا أرسلنا مجموعة من عائلات المفقودين على حساب الدولة لايطاليا للبحث عن ذويهم منذ أربعة أشهر، فماذا علينا فعله اكثر من هذا، ويبدو ان هناك بعض الفئات تتعمد التطاول على الدولة وبكل صراحة فإن ذلك أصبح غير مقبول وصبرنا قد نفد!
بالنسبة لسجناء غوانتنامو، ما هي مساعي الوزارة؟
المسألة ليست بالبساطة التي نتصورها والمسار لا يزال طويلا، علما أن الملف تحت الدراسة ولكن ليس هناك أي مستجدات في هذا الصدد.
هل أنتم مع المصالحة الوطنية أم مع المحاسبة؟
لا يمكن وضع جميع الاشخاص التي اقترفت ذنبا في حق هذا الشعب في نفس السلة والأمر يستوجب تجزئة الملفات فهناك فرق بين من سرق بيضة ومن استولى على شركة ومن قام بحيازة آلاف الهكتارات، فالأولى ان تحدد قائمة من يمكن ان نتصالح معهم بين من عليه تقديم الاعتذار وبين من عليه تقديم ضمان مادي حتى لا تتجدد تجاوزاته. أما من ارتكب جرائم اقتصادية فعليه تحمّل مسؤوليته كاملة.
وفي رأيي وفي رأي حزب «المؤتمر من اجل الجمهورية» ان تتم المصالحة مع رجال الأعمال الذين لا ترتقي التجاوزات التي قاموا بها الى مرتبة الجرائم ويتم الاكتفاء فقط بإلزامهم بصرف تعويضات مادية، فالمهمّ ان تتحسن الدورة الاقتصادية وأن تبعث مواطن شغل...وأنا لا أعتقد ان رجال الأعمال مجرمون بل إنهم انخرطوا في منظومة قام فيها بعضهم باستغلال الامتيازات التي منحهم إياها النظام السابق، وأنا ضد الزجّ بهم في السجون وأدعو الى المصالحة وجبر الضرر.
ما رأيكم في التعيينات الخاضعة للولاءات في الآونة الأخيرة؟
حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» غير متهم بالتعيين على أساس الولاءات ونحن نؤمن بحيادية الادارة وضرورة عدم تحزيبها، وإذا كانت هناك احزاب اخرى تتعمد التعيين حسب الولاءات فما عليكم الا توجيه السؤال إليها مباشرة.
ما هي الكتل السياسية التي ستكون ذات ثقل في المرحلة القادمة حسب رأيكم؟
من المفروض ان تشارك جميع الاحزاب والأطراف السياسية في بناء الديمقراطية والحال في الوقت الراهن ان هناك من استعد للدخول في صراع مع الأطراف المقابلة وهو ما أثار استيائي..والتنافس مشروع ولكن لا يجب ان يصل الامر الى حد تبادل العنف اللفظي، فعند مشاهدتي التلفاز أفاجأ في عديد المناسبات بخطابات فيها من الرداءة ما يثير اشمئزازي وانزعاجي، بقذف الاشخاص والأعراض بما يسيء اليها لا لشيء سوى لضرب الخصم وهذا خطر محدق.
وأنا أرى ان هناك تكتلات بصدد التكون، لأن الاحزاب الصغيرة فهمت ان عليها الانصهار في احزاب كبرى ولكن هناك للأسف من يلملم الصفوف من أجل غايات شخصية وحيازة الكراسي وأنا أعارض الطموحات الشخصية في السياسة ولكن يجب اعطاء الأولوية لمصالح الدولة..
و«نداء تونس» يشبه البالونة فقد وقع «نفخه» إعلاميا من خلال سبر الآراء المزيف.. فالبالونة «نداء تونس» احتل حيزا هاما في وسائل الاعلام وشغل الصفحات الاولى في النشريات وتم الترويج للأسماء «اللامعة» المنضوية تحت لوائه..ولكنهم (أي اتباع نداء تونس) يصرون على استنباط شيء جديد من القديم في بلد فيه 60٪ اعمارهم اقل من 30 عاما يتطلعون الى المستقبل ويرغبون في فتح آفاق جديدة ويتمتعون بالطاقة.. هم بحاجة الى اشخاص لهم نظرة مستقبلية حداثية لا لإعادة تشكّل القديم في عباءة جديدة، إن هذا خداع واستبلاه للمواطنين، وكل من اراد استغلال «البورقيبية» كأصل تجاري للتسويق ولتلميع الصورة لن يستطيع الصمود وحريّ به ان يعدّ برنامجا واضحا ويحدد رؤى سياسية دقيقة وعليه الكف عن النقد المجاني للحكومة وطرح البديل.. والحكم للمواطن في آخر المطاف وأنا أتساءل لماذا تعول بعض الأحزاب على ان يساندهم المواطنون (par défaut) بعد ازاحة الخصم؟
ولكن رغم كل هذا فأنا أؤمن بذكاء الشعب التونسي، ورغم الهدوء الذي يبدو على السطح فإن هناك حراكا داخليا غير مرئي وعند انفجار الوضع فإنه سيكون بركانيا ولن ينجح الخبث الذي يوظفه البعض لكسب الأصوات.
وأنا أرى ان حزب «المؤتمر من اجل الجمهورية» وحزب «التكتل من أجل العمل والحريات» حزبان قويان ويجب ان يحسب لهما ألف حساب رغم الضعف الظاهر.
وأنا أعتقد ان التونسي معتدل رغم الظروف والملابسات التي تطغى على بعض الأشياء وهو لن ينتخب التجمعيين مرة ثانية رغم أنهم (التجمعيون) يتعمدون تسليط ضغط على حزب «المؤتمر» وحزب «التكتل» باعتبارهما معتدلي التوجه و «نداء تونس» فهم ان تونس تحكم من الوسط لذلك يريد ازاحة حزب «المؤتمر» من طريقه وهو ما يفسر تعاقب الهجومات الشرسة على رئيس الجمهورية وقد وصل الأمر الى رميه بالاختلال في قدراته الذهنية وهذا فيه الكثير من الدناءة ورغم ترويج ذلك على الشبكة العنكبوتية فإن حزب «المؤتمر» لم يقم بأية ردة فعل وهو ما يظهر الروح الديمقراطية التي تميز القائمين على هذا الحزب فنحن نحبذ فوضى الديمقراطية على انضباط الدكتاتورية، وهذا خيارنا.
ما حكاية الخلافات بين رئاسة الجمهورية والحكومة؟
الخلاف امر عادي بمقتضى تباين وجهات النظر في بعض المسائل، لذلك فإن التنازل ضروري لفائدة مصلحة البلاد وهو ما أدى الى ائتلاف «الترويكا»، وللتذكير فإن عدم إدراج «الشريعة» في الدستور والإبقاء على الفصل الأول على حاله يعتبر تنازلا يحسب لحركة «النهضة».
ففي بعض الأحيان تجبر «الترويكا» على التخلي عن مبدإ من المبادئ التي تتبناها حتى وإن كان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ينتميان الى نفس الحزب فقد يختلفان في تقييم وتقرير امور مصيرية كما حدث سابقا بين الرئيس الفرنسي السابق «ساركوزي» والوزير الأول «فيون» وقد كان هذا الأمر يكاد يكون شهريا علما أنهما ينضويان تحت لواء نفس الحزب.

حاورتاه: سلمى السعيدي وهاجر الحفضلاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.