تشهد طرقات العاصمة منذ أسابيع حالة غير مسبوقة من الاكتظاظ طال الشرايين الحيوية وحتى الفرعية وتحول معها استعمال الطريق في أوقات الذروة وخاصة في الصباح إلى جحيم لا يحتمل. الاختناق المروري الذي تعاني منه أغلب طرقاتنا منذ سنوات تحول مؤخرا إلى ما يشبه الظاهرة المرضية والهاجس المخيف الذي يُفزع أصحاب السيارات ممن يقصدون وسط العاصمة وضواحيها حيث أصبح الجولان في جل الشرايين الحيوية على غرار شارع محمد الخامس والطريق السريعة x والطيب المهيري وشارع 9 أفريل والزاد 4 والطريق الوطنية 9 أشبه ما يكون بالمهمة الصعبة التي تقتضي أن يتسلح قاصدوها بقدر كبير من برودة الأعصاب والصبر. وقد فسّر العقيد «معز بوثليجة» مدير شرطة المرور حالة الاختناق المروري الحاد هذه الأيام بأسباب هيكلية وأخرى ظرفية مؤكدا ل«التونسية» أن ما آلت إليه الحالة على طرقاتنا هو نتاج تراكمات تعود إلى عشرات السنوات أهمها أن قلب العاصمة هو الوجهة الموحدة لكل مستعملي الطريق في أوقات الذروة نتيجة تواجد أغلب المرافق الحيوية والمؤسسات العمومية والوزارات سواء في شارع بورقيبة والأنهج المجاورة أو على مستوى باب سعدون وشارع 9 أفريل الذي يجمع كل المؤسسات الصحية على ضفته الغربية وأغلب الوزارات والمحاكم على الضفة الشرقية. العقيد بوثليجة أرجع أيضا أسباب الاختناق الحاد لحركة المرور إلى غياب طرقات حزامية فعلية قادرة على استيعاب التدفق الكبير لوسائل النقل واستعمال تلك الطرقات كمتنفس في حال وجود أشغال، كما اعتبر مدير شرطة المرور التطور الكبير لاسطول السيارات في السنوات الأخيرة ( بمعدل 50 ألف سيارة سنويا) وعدم مواكبة البنية التحتية للطفرة العمرانية التي شهدتها الأحياء الجديدة على غرار حي النصر وعين زعوان من الأسباب الرئيسية للاختناق المروري في العاصمة وإقليم تونس الكبرى هذا إلى جانب غياب مآو ذات طاقة استيعاب كبيرة و ضعف آداء النقل العمومي ومساهمة شبكة المترو في تعطيل السيلان المروري باعتبار أن السكة الحديدية تحتل جزءا هاما من طرقات العاصمة. أما في ما يتعلق بالأسباب الظرفية التي أدت إلى تأزم الوضعية في المدة الأخيرة فقد أشار العقيد بوثليجة إلى أن طرقاتنا هي عبارة عن شبكة مترابطة لا يمكن فصلها وأن الاختناق على مستوى أي محور رئيسي يؤدي مباشرة إلى تعكر الوضعية على مستوى المحاور الأخرى وهو ما حصل مؤخرا حيث تسببت أشغال توسعة الطريق زاد 4 في تعطل حركة المرور على مستوى شارع الجمهورية ومحمد الخامس وكل الشوارع المتفرعة عنهما . مدير شرطة المرور قال أيضا ل«التونسية» أن أشغال التوسعة التي ستأتي أكلها على المدى المتوسط والبعيد لن تكون دون تكلفة وأن المواطن مطالب بتحمل هذه الوضعية ومجابهتها بالصبر لبضعة أشهر إلى حين اكتمال الأشغال التي ستمكن من إضافة سبيلين جديدين على مستوى الزاد 4، مشيرا إلى أن للتوقيت الجديد أيضا دور في الاكتظاظ نظرا لأنه في التوقيت القديم كان الموظفون يتوّجهون إلى مراكز عملهم على دفعتين تعملان طبقا لفاصل زمني يمتد على نصف ساعة بينهما ممّا لا يجعل الاكتظاظ بهذه الصفة بينما التوقيت الجديد يفرض على كل الموظفين التوجه في نفس الوقت إلى مراكز عملهم. وحول دور شرطة المرور في تسريح الحركة على الطرقات أجاب العقيد بوثليجة أن مجهودات شرطة المرور على أهميتها تبقى محدودة في غياب بنية تحتية قادرة على استيعاب هذا الأسطول وطرقات حزامية تسخر لتحويل وجهة السيارات في حالة الاختناق مشيرا إلى أن هذه الظاهرة ليست حكرا على تونس بل وتعد محدودة مقارنة ببضع البلدان المتقدمة وأن الاكتظاظ في بعض الأحيان يكون أرحم على بعض الطرقات التي تتحول إلى ما يشبه مقابر خالية عندما تكون شاغرة.