تعتبر منطقة السّودان التابعة ترابيا لعمادة السّرجة من أهمّ المناطق المحرومة المعروفة بالجهة. فهي تشهد أكبر نسبة من حالات الانقطاع المبكّر عن التعليم بنسبة تتجاوز 70 بالمائة من الفئة المتعلمة زد على ذلك حالة التهميش والمعاناة اليومية التي يعيش على وقعها متساكنوها. «التونسية» انتقلت إلى منطقة السودان ثاني أيام العيد بهدف الإطلاع عن قرب على الظروف المعيشية الصعبة لسكانها. وقد كانت في استقبالنا مجموعة من الوجوه غابت عنها علامات الفرحة. وأنّى لهم أن يعيشوا فرحة العيد وقد غابت رائحة الشواء عن هذه المنطقة المعدمة وتشابهت الأيام عند متساكنيها إذ لا فرق عندهم بين الأيام العادية ويوم العيد. فالمنطقة عبارة عن مجموعة أكواخ متناثرة بين ثنايا «وادي زرود» . فضاعفت قسوة المناخ وصعوبة التنقل معاناتهم مع الفقر والحرمان. وقد التقينا السيدة رمضانة بنت محمد بن قعيّد مسنّة لها من العمر قرابة 90 سنة تحدثت الينا بأياد مرتعشة وهي تحبو فذكرت أنها تعيش الخصاصة والحرمان منذ وفاة زوجها سنة 1990 الذي تركها بمفردها فلا أخ لها ولا قريب ولا مؤنس وجدت نفسها وحيدة في مجابهة عاصفة الحياة . تسكن رمضانة كوخا من الحطب غابت عنه جميع مرافق الحياة اليومية وتعيش اليوم على منحة «شيخوخة» قدرها 100 دينار تحصّلت عليها بعد قيام الثورة. أمّا بلقاسم بن فرحات سوداني فعمره 37 سنة عاطل عن العمل في كفالته 5 أبناء يسكن في غرفة وحيدة على ملك والده مساحتها قرابة الأربعة أمتار رفقة جميع أفراد عائلته ينامون فيها ويستغلونها للطبخ. وذكر بلقاسم أنه يقصد أحيانا بعض جهات الساحل التونسي بهدف العمل هناك في حضائر البناء ولكن تعذر عليه ذلك في المدة الأخيرة لعدم توفيره معلوم التنقل وخاصة لغلاء الكراء وضعف المداخيل التي من شأنها تأمين الحياة لجميع أفراد أسرته التي لا تملك أيّ مورد رزق آخر. ويؤكد بلقاسم أنه وجد نفسه مجبرا على عدم إلحاق اثنين من أبنائه بالمدرسة بسبب عدم قدرته على توفير المستلزمات المدرسية وهي حالة تتكّرر بكثافة بهذه الجهة التي غادر أغلبية شبابها مقاعد الدراسة في سنّ مبكّرة. وفي السياق ذاته أكد مبروك نويقي عمره 46 سنة عاطل عن العمل أنه يقطن بيتا ضيقا لا يتسع لإيواء أفراد عائلته المتكونة من زوجة و6 أبناء صغار لم يفلح في توفير لقمة العيش لهم بسبب مشاكل البطالة التي تعيشها المنطقة رغم تنقله أحيانا الى جهة الساحل التونسي للعمل هناك في مجال حضائر البناء. وهو يعيش اليوم مثله مثل غيره من متساكني المنطقة الخصاصة والحرمان مما دفعه كغيره الى إجبار أبنائه الصغار على مغادرة مقاعد الدراسة والنظر بعيون واجمة الى المستقبل في انتظار لفتة من الأجهزة المسؤولة لتغيير الواقع المعيش ببعض الجهات المنسية من تونس الأعماق .