الأحداث الأخيرة التي شهدتها تونس، والمواجهات التي أدت إلى مقتل سلفيين وجرح عناصر من الشرطة، ألا تعكس خطورة المد السلفي؟ - نعم، هناك ظاهرة من التشدد الديني يسميها البعض السلفية، ولكن السلفية، وكما تعلمون، متعددة جدا والجزء العنيف من السلفية، الذي يمثل الغلو والتشدد، هو الذي يمثل مشكلة، لأنه لا يعترف بالدولة ولا يعترف بمعنى المواطنة ولا بالحريات ولا بإرادة الشعب ولا بالانتخابات ولا بمكاسب المرأة، ولا حتى بمعنى الدولة الحديثة، بل يريد إكراه الآخرين على أن يكونوا مثله، وهو بالتالي يمثل خطرا على النمط المجتمعي وحتى على الدين بمفهومه الوسطي المنتج المواكب للعصر، وكذلك يمثل خطرا على الوحدة الوطنية، والأحداث التي أشرت إليها ليست وحدها ولا هي معزولة، بل هناك عدة أحداث مشابهة لها وقعت وربما تقع وهي بالتأكيد مؤشرات على صعوبة وخطورة هذه الظاهرة وأهمية معالجتها، ليس بالمنهج الأمني وحده المتمثل في الإيقاف والتصدي، بل أيضا بالقضاء العادل وبالتربية الإسلامية وبالفكر وبالإعلام وبالحوار لأنها عادة ما تتعلق بالناشئة من الشباب الذين يكونون في عمر الزهور وقريبين من الكهولة أحيانا. وأرى أن إشارتك في موقعها من حيث أن هذه الظاهرة منتشرة ومركبة، أي معقدة، فلها عدة أبعاد، ولكن علاجها أيضا متعدد الأبعاد، ولا يمكن أن يكون علاجا أمنيا، على الرغم من أن العلاج الأمني ضروري من أجل فرض القانون ومن أجل التخفيف لما يسببونه من ضغوط على المرأة أو الرجل أو على المجتمع بصفة عامة. هل لديكم خطط واضحة لمواجهة هذه الجماعات المتشددة التي تلجأ إلى العنف والتعامل معها؟ - نعم، لدينا خطط ونحن بصدد تنزيل هذه الخطط، ونحن بصدد التصدي لهذه المجموعات العنيفة سواء كانت باسم الدين، أو المجموعات الإجرامية التي انتعشت أو استفادت من الحرية، فنحن نتصدى لها ولنا خطط وتكتيكات، لا أريد التفصيل فيها الآن ولكن تستطيعين أن تقولي ولا حرج عليك إنه لا مهادنة مع هذه المجموعات ولن نتوقف إلا يوم أن تصبح هذه المجموعات إما موقوفة أو محترمة للمواطن التونسي، ولكن دائما في إطار احترام القانون، وليس في إطار التحكيم. بعض الأشخاص أصبحوا يتعاملون مع الوزراء ورجالات الدولة بسلوك يبدأ من قلة الاحترام وقد يتطور إلى أكثر من ذلك، ألا يمس هذا من هيبة الدولة؟ وهل فكرتم في قوانين لحماية رموزها من مثل هذه «التطاولات»؟ - القانون التونسي فيه ما يكفي، على حدّ علمي، لحماية الدولة ومقراتها ورجالاتها وكل المواطنين، كما تعلمون تحديدا أين تقف الحرية، خاصة التعبير والإعلام، وأين يبدأ المساس بالدولة أو برموزها أو بمقراتها، ليس هناك دائما خط مستقيم واضح فيه مساحة دائما للتأويل، وأردت الإشارة إلى أنه ليس السلفيون وحدهم الذين يتجرؤون ويشتمون، لكن هناك غلاة آخرون يقومون بنفس الشيء، وهذا فعلا نسبيا يمس من هيبة الدولة، وكانوا أكثر من ذلك، والآن خف الأمر، وكثيرون فتحت بشأنهم قضايا. وأنا أعرف أنه عندما نخرج من الكبت وبشكل سريع يصير هناك انفلات وشيء من الفوضى والعودة إلى المعدل الذي يصعب فيه الجمع بين حرمة الدولة وهيبتها وحرمة المواطن وحريته. نحتاج إلى شيء من الوقت وكثير من الجهد، وحتى إلى كثير من الدربة. هل عدم الاستقرار في تونس يعود لأسباب أمنية بحتة أم هناك تسييس للأمور؟ - هناك جزء من هذه الأشياء أمني حقيقي من واقع الشارع التونسي، فهناك من استفاد من الحرية في بعض أنواع الإجرام كالخمور والمخدرات والسرقات وغيرها وهذا جزء أمني بحت. وجزء آخر يعود لأسباب اجتماعية، باعتبار أن الناس يحتجون لأنهم يريدون التنمية، العمل، ومشاريع وبسرعة. وهناك جزء آخر، وهو التوظيف السياسي، فتجدين أحيانا بعض الجهات الاجتماعية أو السياسية أو الإعلامية تقوم بشيء من التحشيد والدفع وإعطاء تبرير لعمليات العنف عندما تكون متخفية وراء مطلب اجتماعي، كأن يكون إنسان معتصم يطالب بالشغل ثم يقوم بالعنف، كأن يقطع طريق أو يحرق مقرا للأمن، ولكنه يرفع شعار البطالة، فيجد تبريرا وغطاء ودعما من بعض الأطراف، بينما نحن نقول يمكن أن تحتج بكل الوسائل، لكن لا تصل إلى العنف أو إلى شيء يجرمه القانون. هل يمكن القول إن بعض الأحزاب المعارضة هي التي تختلق المشاكل الأمنية وتعمل على التصعيد؟ - لا أستطيع أن أقول إنها تختلق، لكن هناك بعض الأحزاب تضخ في المجتمع خطابا وممارسة فيها تخويف وفيها شحن وفيها احتقان وفيها تجاذب سياسي كبير، فعندما تجدين شخصا يلقي خطابا ويدافع عن العنف ويدافع عمّن يمارس العنف ويطالب بإطلاق سراحه، ويشكك في كل شيء، ويقول هذه الحكومة عدمية، هذا الخطاب يساهم في التشنج، لكن الخطاب الناقد لا يساهم إلا في البناء. نقلت تقارير من مصادر مختلفة أن رجال أعمال متورطين في الفساد منذ عهد بن علي تزعجهم الحكومة الآن بأعينها التي أصبحت مفتوحة في مختلف المواقع، وأنهم هم الذين يعملون على إسقاطها، كما وردت تصريحات من بعض السياسيين اتهمت حتى المخابرات الفرنسية بالمساعدة على تأجيج الوضع التونسي والتعاون مع هؤلاء وغيرهم، ما تعليقكم؟ - شيء من هذا صحيح، وكان أحد شعارات الثورة التونسية ضد الاستبداد والفساد، كلما تقدمنا خطوة في محاصرة الفساد كان هناك من يرد الفعل بأشكال مختلفة، ومنها تحريض الآخرين عن التحرك، وترد إلينا معلومات عن بعض الناس الذين قد يفرقون أموالا على المتظاهرين ليواصلوا تظاهرهم وعلى بعض المعتصمين وقطاع الطرق إلى آخره، فهناك شيء من بعض الذين لا يريدون لمقاومة الفساد أن تتقدم، ونحن نعلم هذا وتوقعنا ما سيحصل، ولكن بطبيعة الحال نتدرج في الموضوع. تمديد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر أخرى، لماذا؟ - السبب الرئيسي هو تقديرنا لأوضاعنا الأمنية بأنها ما زالت تحتاج لهذه الحالة التي بمقتضاها يمكن للجيش أن يخرج ويساعد الأمن، لأنه إذا رفعت حالة الطوارئ فالجيش آليا ينبغي أن يكون في ثكناته، بينما نحن ما زلنا نحتاج لمساعدة الجيش وخاصة في حراسته لعدد من المنشآت الحيوية وفي تدخله معاضدا للأمن في الحالات القصوى، هذا هو السبب الأول، والسبب الثاني أن هذه المواجهات التي تقع من حين لآخر مع بعض المجموعات ويغذيها الخطاب السياسي أو حتى الاجتماعي تحتاج لأن يكون هذا الإطار القانوني موجودا ليمكن من التدخل بفاعلية. هل هناك انسجام في العمل بين الأجهزة الأمنية والجيش؟ - هناك تكامل كلي وجلسات مشتركة وتخطيطات مشتركة بشكل يومي وفي كل الجهات ومركزيا وجهويا ومحليا، والأمور بخير. رغم أن الحكومة منتخبة، والمجتمع منفتح، وموعد الانتخابات حدد للصيف المقبل، ما تبريركم للتوتر المتواصل؟ - السبب الأول هو أن أجندة موعد الانتخابات لم تضبط بشكل نهائي، وهي تضبط عندما يصادق عليها المجلس الوطني التأسيسي، الحكومة اقترحت مواعيد لكن لم يقررها المجلس الوطني التأسيسي بعد، ما زال هناك شيء من الغموض وهذا يقلق نوعا ما. لكن هناك أسباب رئيسية ثلاثة أخرى، وهي السبب السياسي المتمثل في وجود مجموعات وأطراف لا تريد لهذه الحكومة أن تنجح أو تعمل تريد أن تربكها وترهقها وتريد أن تصل للانتخابات وتقول إننا لم ننجز شيئا. السبب الثاني هو سبب حقيقي موضوعي، وهو حب التونسيين لأن تتحقق لهم التنمية وبسرعة، وأن يجدوا الشغل والكرامة والرخاء، وهذا سبب مشروع، لكن الخلاف فيه ما يقتضيه من الوقت ومن تمويلات، وكذلك بعض العوائق الإدارية ورفع حواجز، وتقدمنا فيه بعض الأشواط لكن التونسيين يريدون أن نتقدم أسرع. والسبب الثالث هو المجموعات الإجرامية للحق العام أو المتدينة المتشددة أو المسيّسة التي تعتبر إجرامية مثل سابقتها لكن من منطلق سياسي أو ديني، وهي ظاهرة موجودة تقريبا في كل المجتمعات العربية، وكانت مكبوتة تماما ومقموعة قبل الثورة، والآن انفلتت ونحتاج إلى وقت لترويضها، وكذلك لتطبيق القانون عليها.