اقتصاد التقنية العالمي يدشّن «جيتكس أي آي صربيا» مع تسارع طموحات التقنية والذكاء الاصطناعي في جنوب شرق أوروبا    106 أيام توريد... احتياطي تونس من العملة الصعبة    حركة "جيل زد" تدعو لاستئناف احتجاجاتها في المغرب    عاجل/ انفجار مدوي في القاهرة..وهذه التفاصيل..    عاجل/ الكيان الصهيوني يخرق مجددا اتفاق وقف اطلاق النار..واستشهاد 3 فلسطينيين..    بطولة اولبيا الايطالية للتنس: معز الشرقي يودع المنافسات منذ الدور الاول    تصفيات مونديال 2026 : هدف فولتماده الدولي الأول يقود ألمانيا للفوز على أيرلندا الشمالية    عاجل/ وزارة التربية تنشر روزنامة المراقبة المستمرة بالمدارس الاعدادية والمعاهد العمومية والخاصة..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    فاجعة صادمة: طفلة التسع سنوات تنتحر وتترك رسالة مؤثرة..!    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض الجهات والحرارة بين 24 و32 درجة    عبدالله العبيدي: قمة شرم الشيخ كرّست ميزان القوّة الأمريكي... وغياب القرار العربي كان صارخًا    الرأس الأخضر تفوز على إسواتيني وتصعد لاول مرة في تاريخها الى كأس العالم 2026    ريم الثابتي من قابس: "نطالب فقط بحقنا في هواء نقي.. واحتجاجاتنا سلمية ولن نسمح بالركوب عليها"    ترامب يروّج لكتاب ميلوني    صحبي بكار: رئيس سابق للنادي الافريقي يقود عصابة تتامر في أحد مقاهي لافيات للاطاحة بمحسن الطرابلسي    رئيس مدغشقر: تعرضت لمحاولة اغتيال وأتواجد حاليا في مكان آمن    صحيفة ألمانية: قادة أوروبا اكتفوا بالمشاهدة في قمة شرم الشيخ بينما يدير ترامب وحلفاؤه المشهد    سرقة "زهرة الجثة" النادرة من حديقة نباتات في ألمانيا    تحت ضغط المحتجين.. رئيس مدغشقر يفر من البلاد دون الكشف وِجْهَتِهِ    وزارة التربية : الكشف عن روزنامة المراقبة المستمرة بالإعداديات والمعاهد    سوريا.. وفاة الملحن عثمان حناوي شقيق الفنانة القديرة ميادة    عاجل/ قرضان من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار لفائدة بنوك تونسية (تفاصيل)    ضمت مجموعته الكاميرون.. منتخب الرأس الأخضر يترشح للمونديال للمرة الأولى في تاريخه    المهدية: منتدى العلاّمة الشيخ محمد المختار السلاّمي في نسخته الأولى ...الماليّة الإسلاميّة.. في عصر التكنولوجيا الرقميّة    بعد انتخاب هيئة جديدة والاستعداد لدورة جديدة .. هل يكون موسم الإقلاع لمهرجان الزيتونة بالقلعة الكبرى؟    تنصيب المديرة العامة الجديدة للصيدلية المركزية    عاجل: برنامج جديد يسهل التصدير للمؤسسات الصغرى والمتوسطة.. تعرفوا عليه    الصحة العالمية تحذّر من"بكتيريا قاتلة" تنتشر بشكل واسع.. #خبر_عاجل    عاجل/ أعوان معهد باستور يلوحون بالإضراب    أداء إيجابي لقطاع الجلود والأحذية في تونس سنة 2024    عاجل: مدرب لاعبي حاجب العيون خلاهم يمشيو 10 كلم بعد الهزيمة...و العقاب صادم    عرض فني بعنوان "أحبك ياوطني" بالمعهد العمومي للموسيقى والرقص ببنزرت    مشاركة تونسية هامة ضمن فعاليات الدورة 46 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    40 استاذا وباحثا يشاركون في ندوة علمية حول الخصائص التاريخية والجغرافية والتراثية والاجتماعية لمدينة المكنين    مهرجان الرمان بتستور يعود في دورته التاسعة..وهذا هو التاريخ    سيدي بوزيد: ارتفاع تقديرات صابة الزيتون إلى 500 ألف طن    عاجل/ حماس توجه هذه الرسالة لترامب والوسطاء في اتفاق وقف اطلاق النار..    اطلاق حملة وطنية تحسيسية لتعزيز الوعي بمخاطر التبغ تحت شعار 'رياضة بلا تدخين'    عاجل/ قد يسبب الأمراض السرطانية: تحذير من هذا المنتوج الذي يأكله اغلب التونسيين..    العثور على جثة المرأة التي جرفتها السيول في بوسالم    وزارة الفلاحة: يتم العمل على مراجعة قرار وزاري حول تنظيم صيد التن الأحمر وتسمينه    تبرئة الوزير الأسبق للبيئة رياض المؤخر    عجز تونس التجاري يتعمّق إلى 16،728 مليار دينار موفى سبتمبر 2025    عاجل: المخدرات بالملاهي الليلية...10 سنوات سجنا ضدّ فتاتين    اليوم نسور قرطاج في موعد جديد: تونس تواجه ناميبيا وهذه التشكيلة المحتملة    عاجل: عودة البطولة التونسية في هذا الموعد..ماتشوات قوية تستنا    اليوم: أمطار ضعيفة ومتفرقة في البلايص هذه..شوف وين    سيدي بوزيد: وفاة 3 أشخاص في اصطدام بين سيارتين ودراجة نارية    عاجل: هدوء حذر في قابس بعد موجة الاحتجاجات...والأهالي ينتظرون تحرّك الدولة    كيفاش يؤثر فص الثوم في الصباح على جسمك؟    مواعيد مباريات اليوم الاثنين 13 أكتوبر والقنوات الناقلة    ديان كيتون ترحل... النجمة اللي عرفناها في العرّاب وآني هول    أولا وأخيرا .. البحث عن مزرعة للحياة    الزواج بلاش ولي أمر.. باطل أو صحيح؟ فتوى من الأزهر تكشف السّر    وقت سورة الكهف المثالي يوم الجمعة.. تعرف عليه وتضاعف الأجر!    يوم الجمعة وبركة الدعاء: أفضل الأوقات للاستجابة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور «رياض الصيداوي» ل«التونسية» (2): في تونس نعيش ثلث ديمقراطية...
نشر في التونسية يوم 22 - 12 - 2012

على الدول التي تدّعي تطبيق الشريعة تعلّم الاسلام من تونس
الوضع الحالي في سوريا قد يستمرّ لعقود
تونس أكثر الدول العربية تأهلا للتحول الديمقراطي
ننشر اليوم الجزء الثاني والأخير من الحوار الذي خصنا به الدكتور رياض الصيداوي مدير ومؤسس المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية للأبحاث في جنيف. ولئن كان الجزء الأول قد تعرض فيه محاورنا الى مسائل عامة متعلقة بالثورات العربية والوضع الجيو سياسي في منطقة الشرق الوسط فإن بقية حوار اليوم تتركز حول الأوضاع في سوريا في محاولة لاستقراء مستقبل الأزمة التي يعيشها هذا البلد الشقيق إلى جانب التداعيات الممكنة للصراع القائم على بقية بلدان المنطقة الى جانب قراءة تحليلية للوضع السياسي في تونس بعد الثورة وعملية التحول الديمقراطي وآفاقها.
يتجه الرأي العام السياسي والإعلامي في هذه الفترة نحو الإقرار باقتراب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، هل أنكم مع هذا التوجه أم لكم وجهة نظر مختلفة؟
كما اسلفت الذكر، فإن الشرط الأساسي لسقوط أي نظام من منظور علم الاجتماع السياسي هو توفر ثلاثة مؤشرات أساسية وهي على التوالي راديكالية المطالب الشعبية وتفكك النخبة السياسية الحاكمة ثم حياد أو تحييد المؤسسة العسكرية وتخليها عن حماية النظام الحاكم. وعليه فإننا لو تأملنا الوضع في سوريا من هذا المنظار فإننا نجد أنه لا توجد لحد الآن مؤشرات واضحة على تفكك عصبة النخبة الحاكمة، ومعاونو بشار الأسد في سدة الحكم مازالوا يمثلون مجموعة متجانسة ومتماسكة ولم نسجل انسحابات أو انشقاقات لا في القيادة السياسية ولا في القيادة الحزبية بل إن القيادة السياسية في سوريا مازالت بمثابة العلبة السوداء التي لا يتسرب منها أي معطى وبقيت متماسكة. أما بالنسبة للمؤسسة العسكرية فهي كذلك مازالت تمسك بزمام الأمور وتسيطر على الأوضاع وتستميت في الدفاع عن الأهداف التي تسطرها الحكومة ومازال ولاؤها واضحا لبشار الأسد ولأركان النظام وقد ساعد على هذا التماسك في المؤسسة العسكرية تركيبتها العقائدية البعثية إلى جانب ولائها وانتمائها للطائفة العلوية. هذا فضلا عن التحالفات التي تعقدها القيادات العسكرية مع البورجوازية السنية ومع الأكراد والأرمن وبعض الفصائل الفلسطينية التي وقع تسليحها وتقوم بالدفاع عن نفسها ضد الجيش الحرّ. أضف إلى ذلك الدعم الإقليمي بقيادة ايران و«حزب الله» والدعم الدولي بقيادة روسيا والصين اللتين شكلتا حلفا مع الهند و البرازيل وعدة دول اخرى مرتبطة بمصالح حيوية في المنطقة وتحول دون استصدار قرار بتدخل عسكري دولي لإسقاط النظام.
من جانب آخر لا توجد في سوريا ما يمكن تسميته بالبؤرة على غرار ما وقع في ليبيا مثلا عندما وقع إعلان بنغازي منطقة محررة بل ان الوضع ميدانيا هو عبارة عن حرب شوارع وحرب عصابات يقودها مقاتلون اجانب من العرب والشيشان وأطراف اخرى متطرفة بدعم من بعض البلدان التي تنفذ الأجندة الأمريكية في المنطقة.
هذا الوضع جعل النظام يتمتع بقدرة كبيرة على تعبئة الموارد العسكرية والسياسية والإعلامية وجعل المعارك غير محسومة لفائدة هذا الطرف أو ذاك فالمنطقة الواحدة تجدها اليوم تحت سيطرة الجيش الحرّ لتعود غدا لسيطرة الجيش النظامي السوري والعكس بالعكس وهكذا دواليك. وهذا الوضع يذكرنا بما حدث في أحد بلدان أمريكا اللاتينية هو كولومبيا أين استمرت الثورة لأربعين سنة وهو الأمر نفسه الذي قد يحدث في سوريا إن لم يقع تغيير في المواقف. وعليه فإن القول بقرب سقوط النظام في سوريا ليس هناك ما يكفي من المدلولات على صدقيّته بل الغالب على الظن ان يستمر الوضع في سوريا لسنوات وربما لعقود.
هناك تحاليل تقول بان سوريا هي آخر موطئ قدم لروسيا وحليفتها الصين في البحر الأبيض المتوسط وهو سبب استمرار دعمهما للنظام السوري، ألا تعتقدون بوجود بدائل قد تؤدي الى رفع اليد عن النظام السوري؟
فعلا، ما يحدث في سوريا هي حرب باردة عالمية، ففي قراءة سريعة لمجمل المواقف الدولية من الأزمة السورية نجد أنه اقليميا تركيا مع المعارضة وإيران مع النظام والسعودية مع المعارضة لأنها تأتمر بأوامر واشنطن أما دوليا فإن كانت فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأمريكا والمزيد من حلفائها مع المعارضة فإن روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا مع النظام لأن هذه الدول رفضت تمرير قرار عبر مجلس الأمن للتدخل العسكري الدولي في سوريا وهو ما يكرس الانقسام العالمي الحاد حيال ما يحدث في سوريا وهو مؤشر على تشكل قطب عالمي هام تقوده روسيا والصين لمجابهة الهيمنة الأمريكية على العالم وعلى منطقة الشرق الأوسط في قضية الحال. حيث بدأت امريكا في مخطط للسيطرة على العالم من خلال غزوها للعراق من دون قرار دولي وكذلك ليبيا وبدون قرار دولي يتيح التدخل العسكري كذلك والآن سوريا وهناك من يتحدث أيضا عن الجزائر وأكيد أن روسيا والصين اللتين لهما مصالح ولهما قوتهما العسكرية وأجهزة مخابرات قوية تملكان معلومات قوية عن المخطط الأمريكي في المنطقة ولذا فقد بادرتا بتشكيل حلف دولي للتصدي لهذا التمشي وكذلك للحيلولة دون التدخل العسكري من اجل اسقاط نظام في دول اخرى وهذا يمكن ان نلمسه حتى من خلال وسائل الإعلام في روسيا التي تقول ان هذا البلد لن يكرر نفس الخطأ الذي وقعت فيه ليبيا.
ذكرت الجزائر، والحديث عن احتمال أن يقع استهدافها، هناك حديث عن شبه توتر بين الولايات المتحدة وهذا البلد الشقيق بخصوص قاعدة أفريكوم, ألا تعتقدون ان ما يحدث اليوم من توتر في شمال مالي على علاقة مع هذا الملف؟
الجزائر لها ديبلوماسيتها المحنكة والمرنة التي لها القدرة على فهم ما يدور حولها جيدا ولا أظن أنها لا تدرك انها من الدول العربية التي يمكن استهدافها سواء بتدخل عسكري أو بفوضى خلاّقة. فالحدود البرية لأي دولة هو امر مقدس لا يمكن التهاون فيه. وبالتالي ما يحدث في شمال مالي وفي مناطق أخرى قد يكون منطلقا لخلق نوع من الفوضى التي قد تستوجب تدخلا عسكريا دوليا أو فرض موقع لبعض القواعد لحلف شمال الأطلسي.
في أحد تصريحاتك لاحدى وسائل الإعلام المرئية قلت « على تونس أن تحاسب دكتاتوري قطر والسعودية قبل سوريا» وفي تصريح آخر قلت «واجب تونس نشر الإسلام في قطر والسعودية الضالتين» هل من توضيح؟
هذه التصريحات كنت أطلقتها تعليقا على قيام الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي بمهاجمة وانتقاد نظامي سوريا والجزائر وكذلك «حزب الله» وقد قلت له آنذاك أنه إذا أردنا ان نعطي دروسا في الديمقراطية فلابد من العودة لعلماء السياسة الذين يصنفون الأنظمة العربية حيث هناك انظمة ديمقراطية ودول متوسطة الديمقراطية ودول أخرى تنتفي فيها تماما الديمقراطية. وفي هذا الإطار فإن قطر والسعودية يتذيلان الأنظمة العربية من حيث الديمقراطية. فقطر اليوم تحكم على الشاعر أحمد بن ذيب العجمي بالسجن المؤبد من أجل قصيدة نظمها لمدح الثورة التونسية وكان اجدر بالرئيس أن يتوجه لهذا النوع من الدول إذا كان يرنو إلى نشر قيم الحرية والديمقراطية.
هذا في ما يتعلق بالتصريح الأول أما في ما يخص التصريح الثاني فهو متعلق بالأطروحة التي انا بصدد نشرها الآن. ففي الإسلام للدولة أركانها وقواعدها، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن لا أميرا ولا ملكا ولا ولي عهد وكذلك الخلفاء الراشدون لذلك يمكن اعتبار الملكية بدعة في الإسلام وعليه فإنه لايمكن لملك ان يدعي انه يطبق الإسلام وانه يطبق الشريعة وكذلك القرآن الكريم بغض الملوك وأنكرهم حيث يقول الله تعالى في الآية 34 من سورة النمل «إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة اهلها أذلة وكذلك يفعلون» وهو ما يمكن ان نفهم معه ان نظام الحكم في الاسلام لابد ان يكون جمهوريا لا ملكيا. ثانيا وفق الفقه الإسلامي هذه البلدان هي «ديار حرب» على اعتبار كونها محتلة عسكريا فقطر بها قاعدتا «السيلية» و«العيديد» والسعودية بها قاعدة «الظهران» الجوية وهي قواعد عسكرية اجنبية في بلد إسلامي وفي الفقه الإسلامي الجهاد يتم في ديار الحرب
أما نحن في تونس فتاريخيا قاومنا المستعمر عن طريق الدغباجي وبشير بن سديرة وخليفة بن عسكر ومصباح الجربوع والفلاقة وغيرهم وهو ما يعني أن تونس جاهدت وقاومت المستعمر وحررت أرض الإسلام وكذلك فعلت الجزائر والمغرب وغيرهما ممن قاوم المستعمر بينما هذه الدول أسستها وزارة المستعمرات البريطانية ثم أضف إلى ذلك ان هذه الدول تمتلك فائضا ماليا ضخما تستثمره في دول الغرب من خلال بورصات «وول ستريت» ونيوورك وباريس ولندن أو هي تنفقه في شراء العقارات والنوادي الرياضية وغيرها ولا تنفقه أو تستثمره في الدول العربية والدول الإسلامية وقادة هذه الدول حتى في سفرهم وتنقلاتهم يقصدون البلدان الغربية ويدخلونها بجوازات سفر أجنبية لأن دخول هذه الدول بجوازات عربية أو اسلامية يعرض صاحبه للإهانة والإذلال والتحقير.
كل هذه المعطيات تجعل أن ادعاء هذه الدول نشر الإسلام والشريعة الاسلامية هو من قبيل النفاق المقدس كما أسميه وكل ترسانة شيوخ هذه الدول ودعاتها الذين يهددون التونسيين بعذاب القبر وغيره هم ليسوا إلا خدما لهؤلاء الملوك والأمراء وللقواعد العسكرية الغربية والأمريكية الموجودة في بلدانهم.
لنعد للأوضاع في تونس، فبعد الحديث عن القيم الإسلامية هل حققت لنا الثورة مطلب الديمقراطية؟
من الصعب ان نقول ذلك، فالثورة في تونس انجزها شباب مجهول الهوية واعني هنا ان من انجزوا الثورة ليسوا من الناس المعروفين الذين لهم ظهور تلفزي أو إعلامي أو هم من المنتسبين لحركة أو لحزب ما. على إثر هذه الثورة جاءت انتخابات 23 اكتوبر 2011 والتي دفعت بأحزاب بعينها لسدة الحكم وهذه الأحزاب فيها الكثير ممن لم يشارك في الثورة بل كثير منهم كان يتقرب للنظام حتى في آخر أيامه وأحسنهم حظا كان يدعو لإصلاح النظام القائم على أقصى تقدير. أحزاب «المؤتمر» و«التكتل» و«النهضة» لم تكن النواة الصلبة للثورة ولم تقدم شهداء أو أي شيء من هذا القبيل. من جانب ثان كان الشعار المركزي للثورة التونسية هو «شغل حرية كرامة وطنية» ولو حاولنا تفسير هذا الشعار فإن «الشغل» يعني أن الشعب يريد دولة الرعاية الاجتماعية وهو ما يعني ضرورة التزام الدولة بعقد اجتماعي مع الناس ومع شباب الثورة على أساس ألاّ يموت أي تونسي جوعا وألّا يبقى احد من دون مسكن أو ألا يحرم أي تونسي بالعلاج بتعلة أن ليس له مال. ونلاحظ على أرض الواقع أن لا شيء من ذلك تحقق بل الأدهى من ذلك ان البرنامج الانتخابي لحركة «النهضة» اختار تبني سياسة اقتصاد السوق وهي السياسة ذاتها التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية والتي انتجت وضعيات اجتماعية لايمكن ان تكون مثالا يحتذى به فاليوم في الولايات المتحدة إذا كنت لا تمتلك مبلغ 50 الف دولار لتدفعه لإحدى الكليات لا يمكنك الدراسة وإذا كنت لا تمتلك ثمن الدواء يمكنك ان تموت في مواجهة المرض كما أن ما يزيد عن 30 الف أمريكي يعيشون في الشوارع SDF.
أما كلمة حرية فإلى جانب حرية التعبير والإعلام تعني كذلك انتخابات، فكلنا يتذكر ان الثورة التي قام بها الشباب كانت ضد العمدة والمعتمد والوالي الذي كانت تعينهم السلطة واليوم الحكومة الحالية وبعد انتخابات 23 اكتوبر تأتي نفس السلوك بتعيين الولاة والمعتمدين والعمد بينما تقتضي الديمقراطية الحقيقية أن يقوم الشعب بانتخاب كل هذه الهياكل وان يكونوا من ابناء المناطق التي يحكمون بها حتى يكون لهم إلمام كاف بمشاكل وخصوصيات المناطق التي يعملون بها. فالديمقراطية الشاملة تقتضي ان يكون البناء من القاعدة انطلاقا من الدوار إلى الولاية في اتجاه السلطة المركزية لا العكس.
وهنا اود أن اعلق على موقف الحكومة خلال احداث سليانة وبالخصوص تمسك رئاسة الحكومة بالوالي المعين من طرفها على أساس الولاء الحزبي على غرار بقية الولاة غير الشرعيين. فتمسك الحكومة بوالي سليانة كان بمثابة التمسك باللاشرعية.
لكن هناك من يقول ان هؤلاء الولاة والمعتمدين هم معينون من طرف حكومة منتخبة؟
لا ... هذا التحليل لا يستقيم فالديمقراطية بمعناها الحقيقي تعني ان تكون القاعدة هي من تنتخب القيادات القاعدية والقيادات المركزية لأن الديمقراطية تبنى من القاعدة إلى القمة لا العكس. فهل يمكن ان تتصور أن تقوم حكومة فرنسا بعيين مسؤول جهوي أو محلي من دون انتخابات؟ والأمر نفسه لا يمكن أن يحدث في سويسرا أو بريطانيا نفسها.
كذلك مبدأ التشارك في الحكم وهو معنى من معاني الديمقراطية يقتضي مثلا أن يكون العمدة من حزب والمعتمدون من احزاب أخرى وكذلك الشأن بالنسبة للوالي مما يساعد على خلق توازن بين كل التوجهات ويكسب المواطن نوعا من الاطمئنان حيال أجهزة الحكم التي ستقوم بهذه الطريقة بمراقبة ذاتية لتصرفاتها وطريقة تسييرها.
وأنا أتحدى أيا كان أن يأتي بمثل في أية ديمقراطية في العالم تقوم فيه السلطة المركزية بتعيين مسؤول جهوي أو محلي، ففي أمريكا يقوم أهالي نيويورك بانتخاب حتى قائد الشرطة بها.
فخلاصة القول إننا في تونس نعيش ثلث ديمقراطية لا ديمقراطية كاملة.
هل من مقارنة لما يحدث في تونس مع ما يحدث في بقية دول «الربيع العربي» ومصر على وجه الحدود؟
لا... كل بلد له خصوصياته في علاقة مع تركيبته السياسية والاجتماعية. ففي مصر هناك تنوع عرقي واثني كبير والتوازنات متباينة بين أجهزة الدولة يتميز فيها الجهاز العسكري بأهمية قصوى من حيث الإمكانيات والعدد وغير ذلك.
بصفة عامة تونس تعتبر أكثر الدول العربية توازنا وخاصة على المستوى الاثني فكلنا تقريبا مسلمون من التيار السني المالكي وهناك لحد الآن تعايش سلمي بين مختلف المواطنين ومختلف أجهزة الدولة بما في ذلك المؤسسة العسكرية وهذا مؤشر ايجابي في ما يتعلق بارساء اسس الديمقراطية. فتونس أكثر الدول العربية المؤهلة للتحول للديمقراطي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.