تسجيل 25 جريمة قتل نساء خلال سنة 2023    يمنى الدّلايلي أوّل قائدة طائرة حربية مقاتلة في تونس    مرصد سلامة المرور: تسجيل 376 حالة وفاة في 1571 حادث مرور منذ بداية السنة    زغوان: حجز 94 طنا من الأعلاف غير صالحة للاستهلاك منذ افريل المنقضي    الكاف: خطة جهوية لحماية صابة الحبوب والتوقي من الحرائق الصيفية    كأس تونس: البرنامج الكامل لمواجهات الدور ثمن النهائي    عاجل/ حادثة اعتداء امرأة على طفليها: معطيات جديدة وصادمة..    دراسة صادمة.. تناول هذه الأطعمة قد يؤدي للوفاة المبكرة..    السلطات السعودية تفرض عقوبة على كل من يضبط في مكة دون تصريح حج.    قضية مخدّرات: بطاقة ايداع بالسجن في حق عون بالصحة الأساسية ببنزرت    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    في وقفة احتجاجية أمام مقر الاتحاد الأوروبي.. "تونس لن تكون مصيدة للمهاجرين الأفارقة"    مقارنة بالسنة الفارطة: تطور عائدات زيت الزيتون ب91 %    الثلاثي الأول من 2024: تونس تستقطب استثمارات خارجيّة بقيمة 517 مليون دينار    الفيلم العالمي The New Kingdom في قاعات السينما التونسية    على طريقة مسلسل "فلوجة": تلميذة ال15 سنة تستدرج مدير معهد بالفيسبوك ثم تتهمه بالتحرّش..    كشف لغز جثة قنال وادي مجردة    البطولة العربية لألعاب القوى للشباب: ميداليتان ذهبيتان لتونس في منافسات اليوم الأول.    4 جوائز لمسرحية تونسية بمهرجان مفاحم الدولي لمسرح الطفل بالمغرب    مائة ألف عمود إنارة عمومي يعمل فقط من بين 660 ألف مالقصة ؟    الرابطة الأولى: الغموض والتشويق يكتنفان مواجهات مرحلة تفادي النزول    كتاب«تعبير الوجدان في أخبار أهل القيروان»/ج2 .. المكان والزّمن المتراخي    البنك الدولي: تعزيز الإطار التنظيمي يسرع برنامج تونس الطموح لتطوير الطاقة المتجددة    نقطة بيع من المنتج الى المستهلك: هكذا ستكون الأسعار    عاجل/ نشرة استثنائية: أمطار متفرقة بهذه المناطق..    قفصة: القبض على شخص بصدد بيع تجهيزات تستعمل للغشّ في الامتحانات    سفير السعودية: بناء المستشفى والمدينة الصحية "الأغالبة" خلال هذه الفترة    بطولة روما للتنس للماسترز : انس جابر تواجه الامريكية صوفيا كينين في الدور الثاني    آخر أجل لقبول الأعمال يوم الأحد .. الملتقى الوطني للإبداع الأدبي بالقيروان مسابقات وجوائز    «قلق حامض» للشاعر جلال باباي .. كتابة الحنين والذكرى والضجيج    هل انتهى القول في قضية تأصيل الأدب ؟    بطولة الكرة الطائرة: نتائج منافسات الجولة الرابعة لمرحلة "السوبر بلاي أوف" .. والترتيب    «راشد الغنوشي حرباء السياسة التونسية» للكاتب ياسين بوزلفة    كلمة أثارت'' الحيرة'' لدى التونسيين : ما معنى توطين و مالفرق بينها و بين اللجوء ؟    تأجيل إضراب أعوان شركة ''تاف تونس'' بمطار النفيضة    إذا علقت داخل المصعد مع انقطاع الكهرباء...كيف تتصرف؟    محمد بوحوش يكتب...تحديث اللّغة العربيّة؟    مدْحُ المُصطفى    ستنتهي الحرب !!    "ألقته في نهر التماسيح".. أم تتخلص من طفلها بطريقة صادمة    يهم التونسيين : ما معنى التضخم ولماذا ترتفع أسعار السلع والخدمات؟    خوسيلو يسجل هدفين ليقود ريال مدريد لنهائي رابطة الابطال    وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي تنبه من خطر قائم    بعد التقلبات الأخيرة: ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة بداية من هذا التاريخ    بنزرت:معتمدية تينجة تتخذ عددا من الإجراءات العملية لتعزيز المخطط المحلي للسلامة المرورية    عشرات الشهداء والجرحى والمفقودين جراء قصف متواصل على قطاع غزة    سالفيني عن ماكرون بعد اقتراحه إرسال جنود إلى أوكرانيا: "يحتاج إلى علاج"    ! منديل ميسي للبيع ...ما قصته    بدء تشغيل أكبر محطة في العالم لامتصاص التلوث من الهواء    يديمك عزي وسيدي ... أصالة ترد على شائعات طلاقها من فائق حسن    محيط قرقنة يُقصي الترجي من سباق كأس تونس    معهد باستور: تسجيل ما بين 4 آلاف و5 آلاف إصابة بمرض الليشمانيا سنوياّ في تونس    90 % من الالتهابات الفيروسية لدى الأطفال لاتحتاج إلى مضادات حيوية    السباح التونسي احمد ايوب الحفناوي يغيب عن اولمبياد باريس    عاجل/ فضيحة تطيح بمسؤولة بأحد البرامج في قناة الحوار التونسي..    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"قيس سعيد" ل "التونسية": اقترح عرض مشروع "تحصين الثورة" على استفتاء شعبي
نشر في التونسية يوم 23 - 01 - 2013


لا توازن بين السلط في غياب التعددية
عندما يتحول التنافس الى قضية وجود يتفشّى العنف
لن يكون لي أي انتماء سياسي لأن الأحزاب تصادر الحرية
من المؤسف ان تصاغ نصوص الدستور "على المقاس"
انشاء قوات بقانون مرفوض لأن السلاح حكر على الدولة
أفكار الأستاذ قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية، واضحة ومواقفه تنبع من تكوينه القانوني. هو من الأسماء التي دفعت بها الثورة الى الصفوف الأمامية للتحاليل السياسية والقانونية بطريقته المميزة في قراءة الأحداث من الناحية القانونية. والتعاطي مع مجريات الشأن السياسي المحلي بسهولة في التعبير يستوعبها رجل السياسة كما رجل الشارع على حدّ السواء...تمسكه بحريته الفكرية جعل منه محللا محايدا نزيها.
حوارنا معه تناول ابرز ملاحظاته حول مسودة الدستور ومقترحاته للحد من العنف السياسي الى جانب انتمائه الحزبي وأداء الديبلوماسية التونسية إلى جانب علاقات تونس بدول الشمال والجنوب.
أستاذ قيس،كثر الحديث والجدل حول مسودة الدستور الجديد... باختصار ما رأيكم فيها كمشروع أولي؟
لا يتعلق الأمر بمسودة للدستور الجديد بل بمسودة للمشروع علما انه تم نشر مشروع مسودة في شهر اوت الماضي وتم اثر ذلك نشر هذا المشروع للمسودة. لم يقع بعد الإتفاق على جملة من المسائل وخاصة تلك المتصلة بتنظيم السلطة السياسية. لقد تم الإتفاق على العنوان الكبير ويتعلق بنظام رئاسي معدل ولربما يوصف بأوصاف اخرى ويمكن ايضا ان يصنّف تصنيفا آخر بناء على مقاييس يعتمدها الفقهاء عادة في تصنيف الأنظمة السياسية .
فالخلاف الحاصل يتعلق بتوزيع الإختصاصات بين كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، واللافت في هذا الإطار ان هذا الخلاف يتصل بتصوّر مختلف لكل من حركة «النهضة» و«المؤتمر من اجل الجمهورية». فكأن التوزيع سيوضع على المقاس، وكأن من هم في السلطة اليوم سيكونون بنفس الوزن في السلطة غدا اثر الإنتخابات. ومن المؤسف حقا ان توضع نصوص الدستور على المقاس. ..لا ان توضع قواعد عامة ومجردة وتوضع لكل الأطراف السياسية بقطع النظر عن التوازنات التي افرزتها انتخابات 23 اكتوبر 2011 .
ككل نص قانوني، النقاش دوما ممكن ولا يخلو أي نص قانوني سواء كان مشروعا أو نصّا تمت الموافقة عليه، من النقد والنقاش. التصور الجملي للمشروع اليوم، هو التالي: هناك توطئة فيها جملة من المبادئ والقيم والمفاهيم العامة ولكنها تحتاج الى كثير من التوضيح لأن هناك البعض من المفاهيم الغامضة الملتبسة والتي يمكن ان تترتب عنها تأويلات مختلفة وآثار قانونية متعارضة. بالنسبة للباب الأول المتعلق بالمبادئ العامة، هناك ايضا اختلافات حول مسائل هي في الواقع محسومة تاريخيا كتلك المتعلقة بالهوية او بالدين الإسلامي. وبالرغم من الإتفاق على الإبقاء على الصيغة التي ورد بها الفصل الأول لدستور 1 جوان 1959 يبدو ان النقاش سيتواصل حولها خاصة بعد ان تم ادراج حكم في هذا المشروع يتعلق بعدم امكانية تعديل الدستور فيما يتعلق بالدين الإسلامي كدين للدولة لأن التغيير كان دوما يقول: هل ان الإسلام دين دولة او دين تونس، هل تترتب عنه اثار قانونية ام ان الأمر يتعلق بمجرد اقرار لوضع اجتماعي دون ترتيب أي اثر؟
تأتي بعد ذلك مسألة الحقوق والحريات، وما يلاحظ في هذا الإطار هو محاولة ادراج الكثير من الحقوق والحريات كان يمكن ان تجد مكانها الطبيعي في تشريع دون الدستور لأن الدخول في التفاصيل صلب نص الدستور يمكن ان يثير عقبات في مستوى التطبيق. ويمكن ان تؤدي الحاجة عند تطبيق هذه الفصول الى مراجعتها وتعديلها.
الدستور يجب ان يكتفي بجملة من المبادئ العامة ثم تأتي بعد ذلك التشاريع التي هي دونه وتوضح هذه المسائل دون ان تفرغ هذه الأحكام العامة والمبادئ الكبرى من محتواها. وهناك الباب المتعلق بالسلطتين التشريعية والتنفيذية ولكن لم يقع حسم الخلافات التي لا تزال عالقة كما أشرت سابقا. هناك ايضا نية نحو ادراج قسم في هذا الباب يتعلق بالمؤسستين العسكرية والأمنية من الأفضل حذفه والإبقاء على مبدئين اثنين في باب المبادئ العامة يتعلقان بهاتين المؤسستين لأنه لا وجود لأي حاجة لإدراج مثل هذه المسائل... ويبدو ان اعضاء المجلس التأسيسي ارادوا استنساخ بعض التجارب على غرار كل من تجربتي مصر والبرتغال.
ولكن هذه التجارب تظل قابلة للنقاش في الدول التي اختارت هذا النهج وليس هناك بالفعل ما يبرر تخصيص قسم بالكامل للمؤسستين المذكورتين. هناك ابواب اخرى تتعلق بهيئات دستورية سيتم انشاؤها، ولكن من الأفضل عدم اثقال الدستور بجملة من الهيئات. نعم يمكن ان تجد حماية دستورية ولكن الهيئات ليست بمصدرها بل بفعاليتها وبتحقيقها للأهداف التي أنشأت من اجلها.
كما ان الباب المخصص للقضاء أثار جملة من النقاشات حول تركيبة المجلس الدستوري وكيفية اختيار اعضائه... بمعنى ان هناك العديد من المسائل التي لا تزال عالقة وللأسف هذه النقاشات التي حصلت داخل اللجان التأسيسية المعنية يعاد نقاشها مرة اخرى داخل الجلسة العامة حيث يتحول النقاش حول النصوص المطروحة الى نوع من الدعاية الإنتخابية...حينما توجه عدسات الكاميرا والمصورين لأعضاء المجلس، يتناسى هؤلاء بسرعة انهم يناقشون مشاريع نصوص وتتحول مناقشاتهم الى ملاسنات ومشاحنات في اطار حملة انتخابية لموعد انتخابي لم يحدد بعد.
هذا يجرنا للحديث عن العنف السياسي الذي نلاحظه داخل الفضاءات العمومية الإعلامية منها والسياسية، كيف السبيل حسب رأيك للرفع من مستوى حواراتنا والترفع عن اختلافاتنا ؟
اختلافاتنا طبيعية ولا توجد مجتمعات لا تشقها اختلافات. ان الإختلافات التي تشق المجتمع التونسي هي اختلافات للأسف ناتجة عن تصور البعض انهم اوصياء وانهم يمتلكون الحقيقة المطلقة. وبالنظر الى ذلك يعتبرون ان الطرف المقابل لهم طرف ليس له الحق في ان يناقشهم في تلك الحقائق التي يعتقدون انها حقائق لا تقبل النقاش.
متى يمكن التعايش السلمي بين كل الأطراف ؟ حينما يقبل كل طرف بالطرف الأخر...وحينما يأتي الموعد الانتخابي وتنظم الانتخابات يقبل كل طرف بنتائجها.. للأسف في تونس، تم منذ الأسابيع الأولى التي تلت الرابع عشر من جانفي 2011 طرح جملة من القضايا التي لم يطرحها الشعب التونسي. فالشعب لم يطرح سوى قضية الحرية والكرامة ولكن البعض أعتقد ان الرابع عشر من جانفي كان فرصتهم التاريخية لتمرير مشاريعهم...وتقريبا منذ أواخر جانفي 2011 وبداية شهر فيفري اخذت جملة من القضايا المفتعلة تطفو على السطح من جديد. الشعب يرنو الى المستقبل وكثيرون ارادوا العودة الى الوراء...
ومن بين الأسباب التي أدت الى هذا المشهد السياسي الحالي طريقة الاقتراع التي تم اعتمادها في الانتخابات الأخيرة لأعضاء المجلس التأسيسي. فقد تم الاقتراع على القائمات في دوائر انتخابية واسعة، وهي طريقة اقتراع كما هو معلوم في كثير من الدول لا تؤدي سوى لسيطرة الأحزاب الكبرى. ونتيجة لهذا الإختيار ونتيجة لاستقطاب حاد بين مرجعية دينية واخرى رافضة لها، بدأت مظاهر العنف ومظاهر الاختلاف من طرف عدد محدود ولكن العنف صار ظاهرة متفشية في كثير من الجهات لعدم قبول كل طرف بالطرف الأخر. فالأمر لا يتعلق عند كل طرف بأغلبية وأقلية بل يتعلق أساسا بمسألة وجود. وحينما يتحول التنافس الى قضية وجود لا الى اغلبية واقلية يتفشى العنف.
أعتقد انه على الدولة التونسية ان تتحمل مسؤوليتها كاملة بقطع النظر عن كل هذه الإختلافات بفرض الأمن والقانون على الجميع دون أي تمييز ولا يجب ان تترك هذه الأطراف من كل الأطياف_ ولا استثني أي طرف_ تحل محل الدولة . الدولة التونسية هي التي يجب ان تحتكر الضغط المسلح وان تفرض الأمن وهذا من اوكد مهامها الأساسية. وهنا اود ان اشير الى ما ورد في مشروع المسودة في الفصل 95 منه تحديدا والذي نص على امكانية انشاء قوات بقانون...وهو امر مرفوض بكل المقاييس وليس هناك ما يبرر على الإطلاق ادراج مثل هذا الفصل فالدولة يجب ان تحتكر وحدها الضغط المسلح ولا يجب ان تترك اية جهة اخرى حتى ولو كانت شرعية ان تحل محلها او تنافسها في هذا المرفق العمومي الذي يجب ان تستأثر به وحدها.
لم يقع الفصل نهائيا سواء في مشروع المسودة او في مشروع الدستور بخصوص النظام السياسي الجديد للبلاد، برأيك ماهو النظام المناسب لتونس اليوم؟
لا وجود في المطلق لنظام سياسي أفضل من الأخر، والنقاش الحاصل اليوم والإختلاف المتواصل في الواقع جاء نتيجة لهذا التصور في تقاسم السلطة. والحقيقة انه ليس هناك نظام افضل من آخر. المهم ان يكون النظام قائما على الفصل بين السلط وعلى التوازن بينها سواء كان نظاما برلمانيا او رئاسيا او معدلا في كلتا الحالتين، المهم ان تكون هناك تعددية سياسية حقيقية لا ان تكون هناك تعددية حزبية شكلية.
التوازن لا يتحقق الا اذا كانت هناك تعددية.. والتعددية هي المقدمة الضرورية والتمهيد لكل توازن بين السلط، لأنه اذا سيطر حزب واحد على كافة مؤسسات الدولة فان التوازن يغيب سواء كان ذلك في ظل نظام برلماني أو رئاسي. فالدستور التونسي لغرة جوان 1959 كان ينصّ على مبدإ تفريق السلط على الأقل في توطئته وكان تنظيم السلط يقوم على مبدأ التوازن بينها ولكن غاب الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لوجود حزب واحد سيطر على السلطتين في نفس الوقت.
بعد عام من تسلمها مقاليد السلطة كيف تنظرون الى اداء حكومة «الترويكا» في اول تجربة ائتلافية تشهدها تونس والى اداء الرئاسات الثلاث؟
الأداء يتسم في كثير من الأحيان بالتردد والإرتباك وعدم وضوح الرؤية ، لكن هذا لا يعني ان كل ما قامت به الحكومة كان سلبيا...يمكن قراءة الأداء قراءة ايجابية في بعض الجوانب. ولكن المحاسن لا يمكن ان تحجب اضدادها على حد تعبير الجاحظ. المشكل جاء نتيجة لطريقة الاقتراع التي تم اعتمادها . ثم ان الهاجس الأكبر المسيطر على كل الأطراف السياسية اليوم يتمثل في الإعداد للموعد الانتخابي القادم، فكأن كل الترتيبات وكل المواقف تصب اليوم في خانة الإعداد للمواعيد الانتخابية القادمة وهو ما يجعل الثقة في الحكومة من طرف عموم المواطنين وفي الرئاسات الثلاث بوجه عام ثقة مهزوزة في بعض الأحيان ...فضلا على ان ثقة التونسيين في المؤسسة السياسية بوجه عام مهتزة اصلا فزادها اهتزازا هذا الترتيب وهذا الإعداد للمواعيد القادمة.
وفي هذا الإطار يمكن ذكر المشاورات والمفاوضات التي تقع منذ اسابيع حول التحوير الوزاري فكأنه سيحل مشاكل تونس وكأن استبدال وزير بآخر او الإبقاء على وزير يمكن ان يحل المشاكل القائمة في تونس. هذه المشاورات بالفعل تؤدي الى مزيد اهتزاز الثقة في المؤسسة السياسية وتنعكس سلبا على الرئاسات الثلاث...فكأن كل طرف يبحث عن مشروعية اوسع حين يشرك طرفا آخر في الإئتلاف الحاكم . واعتقد انه لابد من مقاربة هذا الوضع في تونس مقاربة مختلفة بآليات جديدة يمكن ان تؤدي الى مصالحة بين المواطن وبين من يمثلونه .
فتونس بعد الرابع عشر من شهر جانفي دخلت مرحلة جديدة من تاريخها ...الشعب التونسي رفع شعارات واضحة وجاءت انتفاضته وثورته تحت عناوين واضحة ولم يكن في حاجة الى قيادات تقليدية ولو كان بحاجة اليها لكان افرز قيادة ولكنه يحتاج فقط الى تمكينه من تحقيق مشروعه...الشعب التونسي صاحب مشروع ويريد فقط تنفيذه واعتقد انه حان الوقت اليوم لتصور جديد لتنظيم السلطة السياسية ينطلق من المحلي فالجهوي الى الوطني. لقد حان الوقت لقلب الساعة الرملية، فلا يمكن ان يستأثر المركز بكل القرارات على غرار ما كان موجودا في السابق ...يجب ان تنظم السلط تنظيما آخر يفسح المجال لبروز سلطة وطنية تعبر عن ارادة الأغلبية وتستجيب لمطالبها الحقيقية بعيدا عن هذه التجاذبات التي تشق الأطراف السياسية التي افرزتها الانتخابات الماضية.
عاد الحديث مجددا عن علاقات وثيقة بين تونس والبلدان العربية وتحديدا الخليجية، أي اضافة يمكن ان تحققها هذه الدول حسب رأيك؟
لتونس موقع جغرافي محدد ولها تاريخ واضح في شمال القارة الإفريقية .. وعلاقاتها دوما مميزة مع الشمال أي مع اوروبا، ولكن تونس دولة عربية واغلبية شعبها من المسلمين تتجه الى الشمال ولكن وجب ان تتجه الى الشرق ايضا.
فالسياسة الخارجية ليست عقد صفقات او ابرام اتفاقيات تتعلق بالحصول على بعض القروض او التسهيلات المالية فقط .. السياسة الخارجية يجب ان تكون قائمة على استراتيجية واضحة وتصور شفاف بحكم التاريخ والموقع الجغرافي لبلادنا. فاذا غاب هذا التصور اعتقد انه لا يمكن وقتها ان تكون لدينا سياسة خارجية ...منذ قرون كانت لنا دوما علاقات مع دول الشمال بالرغم من الهزات والنظرة الإستعلائية للدول المستعمرة . وعلينا ان نحقق التوازن بين علاقاتنا المشرقية وعلاقاتنا الأوروبية، مع العمل على فرض احترام السيادة التونسية.
والحقيقة اني لست من هواة اسناد الأرقام لأقول ان هذا الوزير او ذاك قد فشل بل أرى اننا لم نحدد استراتيجية واضحة في علاقاتنا الخارجية . فتونس يجب ان تكون قوية بارادة شعبها وثابتة باختياراتها الموضوعية .
وهذا الجدل حول حقيقة الدور القطري في تأجيج الثورة وفي المرحلة الإنتقالية، كيف يبدو لك ؟
الدور القطري ملفت بالفعل ولذلك اعتقد انه بامكان تونس ان تكون لها علاقات متميزة مع دولة قطر وبقية بلدان الخليج العربي مع الحفاظ على سيادة القرارات الوطنية.
كيف تنظرون الى الزخم الجديد من وسائل الإعلام المتنوعة بعد الثورة، كيف تنظرون الى نهضة الإعلام التونسي ؟
حرية التعبير من بين اهم المكاسب التي جاءت بها الثورة ولا يمكن برأيي التراجع عنها بل لا بد من تثبيتها حتى لا نتراجع الى الوراء. بطبيعة الحال، تونس عرفت جملة من الارتباكات والإنفلاتات الأمنية والاجتماعية والإعلامية ايضا خاصة في ظل تعدد العناوين وتضاعف القنوات الفضائية فضلا عن وسائل التواصل الاجتماعية ...هي فترة من الغليان والانفجار وبالتأكيد شهدت تجاوزات وهناك وسائل اعلام غير بريئة وغير موضوعية ، ولكنني اظن انها فترة ستمر وسيتم تحديد ضوابط وقواعد يسير عليها كل الإعلام. فهذا الانفجار الإعلامي هو نتيجة لما كان سائدا في وسائل الإعلام التي كانت تعيش كبتا كبيرا. ويقيني انه سيأتي يوم وتستقر الأمور علما ان الإعلام في كل دول العالم يعرف مثل هذه الاختلافات، ولكن في المقابل، لابد من التأكيد على جملة من التجاوزات حيث يتحول البعض الى بوق دعاية الى اطراف متخفية وراء بعض الصحف او وراء بعض القنوات وتريد ان تصنع الرأي العام . ولابد من الانتباه الى هذه التجاوزات الخطيرة حتى لا يتحول الإعلام الى ادوات تمارس بها بعض الأطراف ضغوطات وتحاول صناعة الرأي العام بما يخدم مصالح هذه الجهات التي لا تزال متنفذة او تريد ان تكون كذلك. عموما هي فترة وستمر لتستقر الأمور في النهاية.
تحاول بعض الأحزاب السياسية القوية تمرير مشروع قانون اختلفت التسميات بشأنه ولكن غايته واحدة وهي ابعاد التجمعيين عن الساحة السياسية لفترة معينة، ما هو موقفكم من هذا المشروع؟
بالنسبة إلى التحصين او الإقصاء أو العزل يجب ان يكون من الشعب نفسه وذلك باعتماد طريقة الاقتراع على الأفراد في دوائر انتخابية ضيقة وقتها سيعرف الناخب التونسي المترشحين فردا فردا بأسمائهم وبحقيقة انتسابهم ولن يترك الا من كان يحظى بثقته...للأسف اليوم لا اعتقد انه سيقع اعتماد هذه الطريقة في الانتخابات المقبلة باعتبار ان الأحزاب التي هي في السلطة تسعى الى البقاء فيها وطريقة الاقتراع على القائمات هي السبيل الوحيد الذي يمكنها من ذلك . لو تم بالفعل تغيير طريقة الاقتراع، لتغير كل المشهد السياسي ...للأسف تم اهدار الفرصة التاريخية سنة2011 حينما وقع اختيار طريقة الاقتراع المعمول بها وهذا الاختيار هو من بين الأسباب التي أدت الى هذا المشهد السياسي .
اما والحال على ما هي عليه، فاقترح عرض مشروع التحصين او الإقصاء او الإبعاد على الاستفتاء الشعبي حتى يقول الشعب كلمته فلا يمرّ المشروع بفارق صوت او صوتين بل يجب ان يكون معبرا عن إرادة الشعب التونسي بأكمله على ان تسبق الاستفتاء حملة تفسيرية في كل الاتجاهات ولتكن الكلمة الفصل للشعب صاحب السيادة الحقيقية.
انت مهتم بالشأن السياسي والقانوني والحقوقي، ولكم رأي وموقف في كل القضايا، ولكن يظل انتماؤك السياسي لغزا ؟
انا مواطن تونسي ليس لدي أي انتماء سياسي ولم يكن لي يوما ميل لأي جهة..ولن يكون لي مستقبلا انتماء لأي تنظيم سياسي لسبب بسيط هو أن الأحزاب تصادر الحرية او تحدّ منها في أحسن الأحوال. ومن ناحية اخرى، اعتقد اليوم ان التنظيمات الحزبية سوف تندثر شيئا فشيئا في العقود القادمة ولن تظل هي آلية العمل السياسي الوحيدة، لأن الشعب صار بامكانه ان يتنظم خاصة في العالم الإفتراضي ويرفع شعارات موحدة ويتظاهر في الشوارع في تونس ومصر واليمن... بل اكثر من ذلك حتى في الدول الديمقراطية العريقة صار التنظم يحصل خارج الأحزاب السياسية كما حصل ذلك في اليونان واسبانيا والبرتغال والولايات المتحدة الأمريكية.
فآلية الأحزاب السياسية التي ظهرت في بريطانيا منذ اكثر من قرنين، تحولت اليوم الى آلات انتخابية فحسب، تظهر بمناسبة تنظيم الانتخابات ثم تضمحل في انتظار الموعد الانتخابي القادم. في تونس، لم يكن من قبيل الصدفة ان ما وقع لم يحصل تحت عباءة أي حزب سياسي...لأن هذه التنظيمات الحزبية بدأت تفقد مواقعها واعتقد انه في العقود القادمة ستفقد مواقعها تدريجيا باعتبار بروز امكانيات أخرى للتنظم خارج الأطر الحزبية.
ولذلك كله ارفض ان تصادر حريتي في اطار تنظيم حزبي خاصة أن التنظيمات اضحت بالية ومتهرئة. ولاحظي كيف ان الانتخابات في تونس ومصر لم تؤد الى حل للأزمة السياسية فبمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات او حتى نتائجها الأولية، ظهرت بوادر ازمة جديدة. فمن المفترض في الديمقراطيات ان تضع نتائج الانتخابات حلولا للأزمات، ولكن ما نراه اليوم في تونس وفي مصر وفي اليمن هو أن الانتخابات افرزت ازمات جديدة بما يعني ان هذه الآليات لم تعد تستجيب لهذه الأوضاع المستجدة في التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.