نظم الفرع الجهوي للمحامين بسوسة مساء أول أمس الملتقى العلمي الأول حول «مسودة الدستور: قراءة مقارنة» وهي ندوة علمية دعى لها عدد من المختصين في القانون الدستوري وفي المجال الحقوقي في الداخل والخارج. هذا الملتقى حضره بالخصوص كل من «أندري رو» André Roux استاذ القانون الدستوري بجامعة «أكس انبروفانس» الفرنسية والذي تحدث في مداخلته عن التجربة الفرنسية خلال كتابة دستور الجمهورية الرابعة إثر الحرب العالمية الثانية والتي شهدت جدلا وتعثرا كبيرين حيث وقع عرض الدستور وقتها على الاستفتاء ورفضه الشعب مما اجبر الفرنسيين حينها على إعادة انتخاب مجلس تأسيسي ثان وإعادة كتابة دستور لم يعمر طويلا بعد المصادقة عليه مما جعل الجنرال ديغول عند عودته لسدة الحكم سنة 1958 يكوّن لجنة من الخبراء قامت بكتابة دستور الجمهورية الخامسة والذي قيل عنه وقتها انه دستور صيغ على مقاس ديغول. السيد رو توسع في مداخلته للتحدث كذلك عن التجربة البرتغالية وقد وقع التركيز ليس على اشكالية الدستور فحسب بل على النظام السياسي والذي يمثل بدوره العديد من الاشكاليات في علاقة مع السلطات المخولة لمنظمة رئاسة الجمهورية وللمجلس التشريعي حيث وقع التطرق بالخصوص إلى مسألة تجميع السلطات في شخص رئيس الجمهورية وهو أمر من عيوبه انه يدفع نحو الدكتاتورية والتي لا يمكن الحد منها إلا بإعطاء صلاحيات أوسع للمجلس التشريعي. لكن تبقى في هذه الحالة إلى مسألة التضادد في البرلمان التي يمكن ان تتحول إلى تجاذب سياسي بالخصوص في حال ان لا يكون لحزب رئيس الجمهورية حضور مهم في البرلمان فتتحول هذه المؤسسة من مؤسسة تقاسم السلطة إلى مؤسسة مضادة للسلطة وهو ما يعني بروز سلطة برأسين تغيب معها في أغلب الأحيان فاعلية العمل الحكومي ويتحول الأمر إلى صراع بين سلطتين متضادتين. الضيف الثاني لهذا المنتدى هو السيد «روبرتو فيسيانو» Roberto Viciano والذي يشغل بدوره خطة استاذ قانون دستوري في جامعة فالنسيا الاسبانية والذي خصص مداخلته للقضاء الدستوري حيث تحدث عن أهمية الدور الذي تلعبه المحكمة الدستورية من حيث الرقابة على القوانين التي يسنها البرلمان معرجا على الحياد المفترض في هذا الهيكل مشيرا إلى أنه أمر ليس من السهل تحقيقه حيث أن انتخاب أو اختيار أعضاء هذه المحكمة من طرف اعضاء البرلمان يثير العديد من الانتقادات على خلفية السقوط في التبعية والمصلحية الحزبية في بعض الأحيان بل في احيان عدة. بدورها تحدثت السيدة «ماريا لوسيا» الاستاذة البرازلية في القانون الدستوري عن تجربة بلادها في الانتقال الديمقراطي والمرور من حقبة حكم العسكر إلى حقبة الحكومة المدنية والإشكاليات التي تعرضت لها البرازيل من أجل إرساء دعائم الدولة المدنية وبالخصوص تأسيس مؤسسات دستورية قارة ومستقلة مع التعريج على اشكاليات كتابة دستور يستجيب لطموحات كل الشعب. من الجانب التونسي تدخل كل من الأستاذ أمين محفوظ المختص في القانون الدستوري والأستاذ نعمان النصيري المحامي لدى الاستئناف بسوسة إلى جانب محاضرة الأستاذ عبد الباسط حسن رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان والتي تمحورت حول الحقوق والحريات في مسودة مشروع الدستور. الأستاذ عبد الباسط حسن أكد المخاوف التي عبر عنها اكثر من طرف والمتعلقة بعدم التنصيص على الحقوق الكونية لحقوق الانسان. كما أكد على أهمية إدراج الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للأفراد ضمن الدستور مركزا على اهمية إدراك القيمة القصوى لهذه الحقوق والحريات بتعميم الثقافة الحقوقية لدى العام والخاص وجعلها حقوقا أقرب ما تكون إلى الواقعية ولا تقتصر على مجرد شعارات تكون حبرا على ورق في قطيعة مع ما هو ممارسة ملموسة لهذه الحقوق والحريات من طرف الدولة وهياكلها بما يقتضيه ذلك من ضمانات قانونية لا يمكن التأسيس لها دون ضمانات دستورية واضحة وصريحة. أما امين محفوظ فقد لاحظ في مداخلته وفي قراءة نقدية للمسودة الثانية للدستور انه من ناحية الشكل فإن المسودة المقدمة تميزت بعدم احترام قواعد الصياغة والتبويب والوضوح والدقة والمرونة وحسن التعامل مع الزمن مشيرا إلى أن الجلسة العامة تعهدت بنص غير مصاغ وبقي على حالته الخام ويحمل اسم مسودة والحال أن الجلسة العامة للمجلس لا تتعهد إلا بمشروع الدستور أو مشروع القانون. كما لاحظ أن المضمون تميز بمحاصرة الدولة المدنية من الأمام ومن الخلف مشيرا بالخصوص إلى التوطئة التي وقع التأشير فيها على عبارة ثوابت الإسلام والفصل 148 الذي نص على أن الإسلام دين الدولة والتي تشكل مخاطر جمة على مدنية الدولة في حالة السقوط في فخ التأويل وخاصة في ظل الهوية الايديولوجية لبعض الأطراف والتي قد تجنح لتأويل هذا المفهوم طبقا لروايتها الخاصة، كما وقع التأشير على عدم وضع حدود ممارسة الحريات في إطار المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان. كما علق امين محفوظ على النقطة المتعلقة بمنع تعديل الدستور لمدة خمس سنوات والحال أن المرونة تقتضي ضرورة إيجاد حلول عند الأزمات الدستورية وإلا كان الدستور عرضة للإلغاء. هذا وقد وقع الاجماع على الحاجة الملحة إلى مراجعة شاملة وسريعة لهذه المسودة حتى تتفرغ البلاد لحل المشاكل الجوهرية على غرار الأمن والإستثمار والتشغيل والصحة والتربية والتعليم الخ.... هذا ونشير إلى انه من ضمن الحاضرين لفعاليات هذا الملتقى كان الأستاذ عمر محمد أبو ليفة رئيس اللجنة التشريعية والدستورية بالمؤتمر الوطني العام الليبي والذي صرح ل «التونسية» بأن حضوره يتنزل في إطار المتابعة الدقيقة لحيثيات عملية كتابة الدستور في تونس ليقع الاستئناس بمحاسنها وتجنب مصاعبها في التمشي المزمع اتباعه في إعداد الدستور الجديد بليبيا حيث لم تتبلور بعد الاستراتيجية المزمع اتباعها ومازالت الرؤية لم تتضح في ما يخص تركيبة اللجنة التي ستوكل لها عملية كتابة الدستور.