بقلم: مصطفى قوبعة حالتنا متعبة أصلا عندما يصبح تحوير وزاري موضوع مزايدات وابتزازات بهذا الشكل الذي نراه بين أطراف الحكم. حالتنا متعبة أصلا وقد بلغ التراشق بالاتهامات بين أطراف الحكم حدّا غير مسبوق وعندما يراد لهذه الاتهامات المتبادلة أن تحسم مآل التحوير لطرف على حساب آخر. حالتنا متعبة أصلا لما يكون الصراع على الكراسي الوزارية أهمّ من مناقشة البرامج والإصلاحات العاجلة والمتأكدة ونواصل «فرش الحصائر قبل بناء الجامع». حالتنا متعبة أصلا عندما تسيل وزارات السيادة لعاب أطراف الحكم وتستأثر لوحدها بكل هذا الاستهداف وكأن أداء بقية الوزارات على درجة عالية من الجدوى والفعالية. حالتنا متعبة أصلا لما ندرك أن مفاوضات التحوير الوزاري المسترسلة الى ما لا نهاية له والتجاذبات التي ترافقها بين أطراف الحكم ستنعكس سلبا على أداء الفريق الحكومي خلال الفترة القادمة أيّا كان شكل هذا الفريق الحكومي وأيّا كانت تركيبته. حالتنا متعبة أصلا لما نرى جزءا من الطبقة السياسية في السلطة لا تفرّق ولا تميز بين الرجة المرجوة والمنتظرة من تحوير وزاري ما وبين الصدمة، فالرجة فعل سياسي إيجابي، أما الصدمة فوقعها لا يحمل سوى المخاطر. حالتنا متعبة أصلا لما ندرك في سياق مشاورات مفاوضات التحوير الوزاري أن الطبقة السياسية الحاكمة في واد والشارع التونسي في واد آخر، وأن الهوة بين «الحاكم والمحكوم» تزداد عمقا أكثر فأكثر. حالتنا متعبة أصلا لما نضطر الى الاستماع الى السيد البحري الجلاصي وهو يصرّح بأن إقصاءه من التحوير الوزاري سيؤدي الى إفلاس البلاد!! حالتنا متعبة أصلا لما يخلص الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية الى القول ولو في شكل من أشكال التعبير المجازي أن حركة «النهضة»، في آخر بيان لمجلس شورتها، «تفقأ عين تونس» ونسي أن تونس على امتداد تاريخها لم تر أبدا بعين واحدة ولتونس في كل الحالات عيون كثيرة ترى بها وتحميها من كل سوء في أحلك الظروف. حالتنا متعبة أصلا لما يرتقي العنف والترهيب السياسي والفكري للفرقاء وللشركاء في الوطن الى مرتبة الفعل الممنهج والمنظم فلا يستثني أحدا، مثلما حدث في الثماني والأربعين ساعة كالاعتداء على اجتماع الحزب الجمهوري في القيروان ومحاصرة أحمد نجيب الشابي في إذاعة «أوازيس» بقابس وتعنيف المشاركين في اجتماع حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد في الكاف والاعتداء على مقر «نداء تونس» بالبحيرة، وقبلي ومن المضحكات المبكيات أن إذاعة الزيتونة بدورها لم تسلم من هذا التيار الجارف. حالتنا متعبة أصلا لما ينصح الشيخ البشير بن حسن مثلا ببول البعير لتنظيف الإعلام والإعلاميين وفاته بالمناسبة أن يوضح إن كان تناول بول البعير على حالته الطبيعية أم بعد تعقيمه أو تطعيمه بطريقة أو بأخرى. حالتنا متعبة أصلا لما يشرفنا البنك الدولي بزيارة ميمونة في هذه الظروف بالذات، فمعلوم أن البنك الدولي وفي ظروف عادية يقرض بسخاء ولا يسأل، أما في فترات الأزمات فهو يملي قبل أن يقرض وعادة ما تكون إملاءاته إما مؤلمة أو مدمية، هذا ما حفظناه من سياسات البنك الدولي في كل بلدان العالم المحتاجة لتدخلاته العاجلة. حالتنا متعبة أصلا وقد بلغ انزلاق الدينار التونسي أمام الأورو مستوى قياسيا، وهذا يعني بكل بساطة أن المصنّع التونسي سيستورد نفس الكمية من المواد الأولية أو نفس قطعة الغيار اللازمة لآلات الانتاج بكلفة أعلى بما سيترتب عن ذلك من انعكاسات على هيكلة سعر بيع المنتوج. حالتنا متعبة أصلا ونحن نكتشف أننا دخلنا اليوم في حلقة مفرغة من «زيد الماء زيد الدقيق» في علاقة الأسعار بالطاقة الشرائية للمواطن، والحال أن القاعدة المتبعة تقليديا في بلادنا تقضي بمراجعة الأجور مع كل زيادات في الأسعار، فكيف سيكون الأمر وما العمل؟ حالتنا متعبة أصلا والمعهد الوطني للإحصاء لم يعدل بعد عقارب ساعته على مؤشرات التشغيل والبطالة ولم يحيّن الى اليوم معطياته بكل شفافية، فما خفي قد يكون أعظم. حالتنا متعبة أصلا لما نعلم أن مجهود التشغيل خلال السنة المنقضية تركّز بالأساس على الوظيفة العمومية كأسهل الحلول فالوظيفة العمومية هي أصلا مثقلة وأمعنا في إثقال كاهلها بالآلاف من الانتدابات العشوائية وغير المدروسة وغير المنتجة بأي شكل من الأشكال، فمن المسؤول عن مزيد تدمير قطاع الوظيفة العمومية؟ حالتنا متعبة أصلا في معالجة المسألة التشغيلية لما نقصي من اهتماماتنا ومن مجهودنا ومن برامجنا جحافل العاطلين عن العمل من غير الحاملين لشهائد ونستهدف كيفما كان حاملي الشهائد ولم نتفطن بعد الى أن مقاربة مسألة التشغيل لا يمكن أن تكون إلا شاملة ومتكاملة وأن جحافل العاطلين عن العمل من غير الحاملين لشهائد هي القنبلة الموقوتة قبل غيرها وهي الأخطر على الأوضاع الأمنية والاجتماعية والسياسية في البلاد. حالتنا متعبة أصلا لما يترافق الارتباك السياسي للطبقة الحاكمة بالانتهازية السياسية في أبرز مظاهرها بانعدام الرؤية ولما يصبح التموقع السياسي في هذه المرحلة أولى الأولويات على حساب مصالح الوطن والشعب بأغنيائه وبمفقريه وبفقرائه وبمعدميه. حالتنا متعبة أصلا حتى مع منتخبنا الوطني لكرة القدم لما يقول رئيس الجامعة مثلا أن هذه الأخيرة لم تدّخر جهدا في الاحاطة بالمنتخب كبرمجة التربصات الاعدادية والمباريات الدولية الودّية فتوقف على الحلقة الأخيرة فقط من مسؤولية الجامعة ونسي أن دورها يبدأ أولا بتنمية وتطوير اللعبة وبمعالجة الأزمات المالية والفنية التي تعيشها كرة القدم التونسية وبالعمل على التحسين المستمر لمستوى البطولات قبل مسؤولياتها في نجاح المنتخب من عدمه، فنجاح المنتخبات الوطنية يبدأ من هنا. حالتنا هي فعلا متعبة أصلا في الوقت الحاضر ولكن الأكيد أننا سنتجاوز هذه الحالة بعزيمتنا، بعقلنا، بأملنا وبتفاؤلنا، فهذا هو سلاحنا في بناء الوطن السعيد.